فقدت الساحة السينمائية المغربية، منذ أيام قليلة، تقنية سينمائية متمرسة خبرت دواليب السينما الوطنية والأجنبية وساهمت إلى جانب زوجها الراحل متعدد المواهب أحمد البوعناني ، 19382011 ، ورواد آخرين في وضع اللبنات الأساسية للفن السينمائي ببلادنا . يتعلق الأمر بالسيدة نعيمة سعودي البوعناني التي ارتبط اسمها بالسينما المغربية منذ انطلاقتها الحقيقية سنة 1970 بفيلم «وشمة» من إخراج حميد بناني. ففي هذا الفيلم الجماعي، الذي ساهم في إنجازه زوجها الكاتب والشاعر والسيناريست والمخرج والموضب أحمد البوعناني، اضطلعت نعيمة بمهام الماكياج والديكور والملابس . وبهذه المساهمة متعددة التخصصات دخلت مدام البوعناني عالم السينما من بابه الواسع، واستمر حضورها في هذه التخصصات وغيرها كالسكريبت والتشخيص والمساعدة في المونطاج والإخراج والاستشارة الفنية وتنفيذ الإنتاج وغير ذلك. ولعل المعرفة الموسوعية لزوجها كانت بمثابة المدرسة الأولى والأساسية لها في تعلم أبجديات السينما بالممارسة والانفتاح على عوالمها التقنية المتنوعة، ألم تشاركه في إنجاز إبداعاته الخالدة «المنابع الأربعة» (1977) و»السراب» (1979) من إخراجه و»عود الريح» (2001) من إخراج داود اولاد السيد ؟ ألم تحصل على جائزة أحسن ديكور في الدورة الأولى للمهرجان السينمائي الوطني بالرباط سنة 1982 عن الفيلم التحفة «السراب»؟ ألم تساهم بخبراتها الواسعة في أفلام «حلاق درب الفقراء» (1982) للراحل محمد الركاب و «من الواد لهيه» (1982) لمحمد العبازي و»بادس» (1988) لمحمد عبد الرحمان التازي و»باب السما مفتوح» لفريدة بنليزيد سنة 1988 و»شاطئ الأطفال الضائعين» (1991) للجيلالي فرحاتي و»للا حبي» (1996) لمحمد عبد الرحمان التازي و»ألف شهر» (2003) لفوزي بن السعيدي ... وجلها أفلام تشرف الفيلموغرافيا السينمائية المغربية ؟ ألم يستعن بخبراتها مخرجون أجانب من كل الآفاق والمشارب نذكر منهم على سبيل المثال التونسي رضى الباهي في فيلمه «شمس الضباع» (1974) والإيطالي جوليانو مونطالدو في فيلمه «ماركو بولو» (1981) والغيني موسى كيموكو دياكيطي في فيلمه «نايتو» (1982) والأمريكي مارتن سكورسيز في فيلمه «محاولة المسيح الأخيرة» (1988) والفرنسيين نيكولا كلوتز في فيلمه «ليلة القدر» (1993) وكلود لولوش في فيلمه «والآن سيداتي سادتي» (2002) وغيرهم ؟ إن هذه السينمائية العصامية التي غادرت عالمنا الأرضي يوم الخميس 27 دجنبر الماضي بتطوان، وهي على بلاتو تصوير فيلم «أحلام الوسادة « للمبدع الجيلالي فرحاتي، ودفنت يوم الأحد 30 دجنبر بالدار البيضاء إلى جانب قبري زوجها وابنتها الباتول، عانت من المرض والوحدة، خصوصا بعد رحيل زوجها المبدع أحمد البوعناني منذ مطلع فبراير 2011 وإقامة ابنتها الوحيدة تودا بالديار الفرنسية مع زوجها وابنتها . ورغم ذلك قاومت نعيمة وأبت إلا أن تظل حاضرة في صنع أفلام مغربية جديدة . ولعل ما زادها إصرارا على هذا الحضور هو التكريم الرمزي الذي حظيت به في أكتوبر الماضي من طرف منظمي المناظرة الوطنية حول السينما بالمغرب وبعده مباشرة تكريمها يوم تاسع نونبر 2012 من طرف الخزانة السينمائية بطنجة في إطار احتفاء هذه الأخيرة من 7 إلى 10 نونبر الماضي بالأعمال السينمائية والأدبية لزوجها الراحل . وداعا أيتها السينمائية المتألقة والمتواضعة والخدومة، فاسمك سيظل خالدا في سجل صناع السينما ببلادنا . وإذا كان زوجك سيدي أحمد قد ترك بعد رحيله تحفا سينمائية خالدة فالفضل في ذلك يرجع إلى عبقريته وإلى مساندتك له منذ ارتباطكما في الستينيات من القرن الماضي . أحمد سيجلماسي