الحراك الذي عرفه العالم العربي وأدى إلى إسقاط الدكتاتوريات لم يكتف بذلك، بل أدى إلى خلخلة كثير من المنظومات الفكرية وفتح أسئلة كبرى وملحاحة على المستقبل السياسي في هذه الرقعة الجغرافية من العالم، خاصة بعدما أفرزت الانتخابات التي جرت في الدول التي كانت تقبع تحت نير الاستبداد خارطة سياسية لاعبوها الكبار ينتمون إلى الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، مما جعل الكثيرين يراودهم الشك في إمكانية بناء دولة مدنية. في هذا الإطار تطرح الندوة العلمية التي تقام في الرباط سؤال آفاق الدولة المدنية في العالم العربي. ويشارك فيها كل من محمد سبيلا، وهاشم صالح، وشفيق الغبرا، ونوح الهرموزي، وعز الدين العلام، وامحمد مالكي، ومحمد المرواني، وعبد السلام الطويل. اختار «المركز العلمي العربي للدراسات والأبحاث الإنسانية»، في إطار انطلاقة برامجه العلمية، عنوان «آفاق الدولة المدنية في العالم العربي» لندوته التي سيتم انعقادها يوم 12 يناير الجاري بمقر المركز (4 زنقة أبو عنان الطابق الثاني، حسان الرباط). تعرف هذه الندوة مشاركة مجموعة من الباحثين والمفكرين المغاربة والعرب. ويأتي تنظيم هذا النشاط العلمي، حسب بلاغ صادر عن المؤسسة العلمية، «في سياق برنامج علمي من الندوات الفكرية الشهرية واللقاءات العلمية الدورية التي يعتزم المركز تنظيمها على مدار السنة، بمشاركة مجموعة من الفلاسفة والسوسيولوجيين وعلماء السياسة العرب والأجانب». وحول دواعي اختيار موضوع الندوة، يوضح البلاغ ذاته أن طرح هذا الموضوع يأتي «في سياق التحولات التي يشهدها العالم العربي منذ مطلع 2011، بعد اندلاع الحراك الجماهيري العربي الذي سمي ب«الربيع العربي»، وبعد سقوط عدد من الأنظمة السياسية العربية، وإرهاصات الانخراط في التجربة الديمقراطية». ويضيف أن «متابعة هذا الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية بينت أنه ليس تحولا تلقائيا وسلسا، بل هو تحول يعاني من التعثر والمراوحة والانتكاس أحيانا. كما تجلى ذلك في قضايا الدستور، والانتخابات، ومسألة الشريعة، وعلاقة الشورى بالديمقراطية، وطبيعة الدولة، ومفهوم الديمقراطية نفسه». وفي السياق نفسه أكد عزيز مشواط، مسؤول العلاقات الإعلامية بالمركز، أن «الندوة تأتي في إطار تصور علمي يعتبر أن بلورة نقاش عقلاني حول هذه اللحظة التاريخية الهامة من الحراك العربي، يشكل حاجة ملحة»، مضيفا بأن «المركز حريص في توجهاته العامة على بلورة نقاش عقلاني حول مختلف الإشكاليات الراهنة المطروحة على العالم العربي في سياق تصور علمي يتخذ من تكاملية المقاربات العلمية منطلقه، وهو ما يفسر استدعاء خبرات مغربية وعربية من تخصصات علمية مختلفة». الندوة ستعرف مشاركة كل من المفكر السوري هاشم صالح، والبروفيسور الكويتي شفيق الغبرا. فيما يشارك من المغرب كل من مدير المركز نوح الهرموزي، ومنسق دائرته العلمية محمد سبيلا، بالإضافة إلى الباحثين عز الدين العلام، وامحمد مالكي، ومحمد المرواني، وعبد السلام الطويل. وينتظر أن يفتتح الندوة نوح الهرموزي، فيما سيثير محمد سبيلا «راهنية وتحديات الدولة المدنية في العالم العربي»، في حين سيتطرق الباحث والمفكر السوري هاشم صالح إلى «توجهات الربيع العربي»، متسائلا عما إذا كان هذا الربيع سيتجه حتما نحو إقامة دولة مدنية أم نحو إقامة دولة دينية. من جهته، سيتناول الباحث الفلسطيني الكويتي شفيق الغبرا موضوع «الحرية في الحراك العربي». أما الباحث المغربي عبد السلام الطويل فسيتوقف عند «المرجعيات الثقافية المختلفة لمفهوم الدولة المدنية»، بينما يقارب عز الدين العلام العلاقة بين «الديني والسياسي في النظام السياسي المغربي».وفي محاضرة بعنوان «تصور الدولة المدنية من منظور الحركات الإسلامية» تحضر المقاربة السياسية من خلال مداخلة محمد المرواني، في الوقت الذي ينكب امحمد مالكي على مناقشة «الدولة المدنية في الخطاب الحقوقي والسياسي العربي». تجدر الإشارة إلى أن «المركز العلمي العربي للدراسات والأبحاث الإنسانية» هو مؤسسة بحثية علمية عربية، تأسست بالرباط من طرف ثلة من الباحثين بغية المساهمة في إغناء الحركية البحثية في العالم العربي. ويهدف المركز إلى تطوير المعارف الإنسانية والاجتماعية في العالم العربي، والمساهمة في النقاش العام، وتقديم أفكار جديدة ومقترحات لصناع القرار والباحثين، عبر استلهام المعارف والتجارب الإنسانية الناجحة على الصعيد العالمي.