أعادت المذكرة التي تقدم بها حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال إلى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الحديث عن مدى تماسك الأغلبية الحكومية وانسجامها، ومدى قدرتها على الاستمرار في جو لا يخلو من شد الحبل ومعارضة علنية يمارسها حزب الاستقلال، الذي يعتبر نفسه حزبا أساسيا ومؤثرا في التشكيلة الحكومية، وهو الوضع الذي سيزيد حتما من تعميق مشاكل الحكومة الحالية التي وجدت نفسها عرضة لنيران صديقة تم إطلاقها تحت غطاء التعديل الحكومي. ويبدو واضحا أن حزب الاستقلال، الذي احتل المرتبة الثانية في انتخابات 25 نونبر 2011، يهدف من وراء مذكرته إلى إعادة توزيع الحقائب الوزارية التي يرى أنها لم تخضع لتوزيع عادل ونزيه، وهو ما جعل حميد شباط، الأمين العام للحزب، يعلن أنه يسعى من خلال مذكرته إلى «إعادة الاعتبار للحزب من الناحية الرقمية، ملمحا إلى اجتزاء مقعد من حزب التقدم والاشتراكية، وهو ما سيخلق أزمة في الأفق المقبل»، حسب قول طارق أتلاتي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية ل«المساء»، الذي يتساءل عما إذا كان نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية سيقبل بنزع مقعد منه أم أن هذا المطلب سيدفعه للانسحاب من الحكومة وهو ما قد يخلط جميع الأوراق . وتعكس المذكرة التوجه العام للصورة الجديدة لحزب الاستقلال بعد تنفيذ شباط ما سبق أن وعد به أثناء حملته التي قادها قبل انتخابه أمينا عاما للحزب، وعلى رأسها التعديل الحكومي، يقول أتلاتي، وهو ما يسعى إليه من خلال تقديمه تلميحات لإعادة صياغة التركيبة الاستقلالية داخل الحكومة من منطلق ترضية الأتباع والمناصرين، الذين ناصروه خلال حملته في مواجهة خصمه عبد الواحد الفاسي، بعد معركة شرسة حول الأمانة العامة، انتهت بإرهاق الحزب وخلقت تيارات متباينة بداخله. ولا شك أن مذكرة الاستقلاليين، ستكون لها تداعياتها على الانسجام الحكومي، خصوصا مع الرسائل الواضحة التي حملتها لحزب العدالة والتنمية في شخص أمينها العام، عبد الإله بنكيران الذي يرأس التحالف الحكومي، بعد أن أشارت إلى أن « رئيس الحكومة لم يستطع التصرف في أكثر من محطة بهذه الصفة»، كما أن مذكرة شباط لم تقف عند هذا الحد بل قالت أيضا «لاحظنا في أكثر من مناسبة وخاصة عندما ينتظر المواطنون والمواطنات ظهور رئيس الحكومة ، فإذا بهم يكونون أمام رئيس حزب، وهذا الطابع الحزبي الضيق لرئيس الحكومة نرفضه جملة وتفصيلا، إذ يتخيل أحيانا للشعب المغربي أنه أمام نسخة من النموذج المصري الذي يقوده مرسي وجماعته في سياق مختلف عن الوضع السياسي في المغرب». هذه المذكرة التي انتقدت بالدرجة الأولى أداء وزراء العدالة والتنمية، خصوصا وزير التجهيز والنقل ووزير الاتصال والناطق الرسمي بالحكومة، تعتبر «بداية توجه جديد لمواجهة حزب العدالة والتنمية»، حسب أتلاتي، الذي يرى أنها ليست «شعبوية أو اعتباطية بل لها أهداف تتمثل أساسا في مواصلة التشويش على الحكومة وإحراجها في انتظار ما تفرزه الظرفية السياسية، كما أنها ستكون انطلاقة لبداية نوع من شد الحبل مع الحزب الحاكم، وهذه نقطة من بين النقاط التي يمكن تصنيفها في خانة فرض ميزان قوة حزب الاستقلال الذي أصبح حزبا منافسا لحزب العدالة والتنمية وليس شريكا فحسب. ولم تخل المذكرة من رسائل مشفرة إلى حزب التقدم والاشتراكية من خلال انتقاد القطاعات التي يسيرها نبيل بنعبد الله ورفاقه، من خلال تخصيصه جل مقترحاته للمستوى الاجتماعي لقطاع التشغيل والصحة وقطاع السكنى والتعمير، وكذا دعوته إلى تقييم برامج التشغيل ودعم السكن الموجه للطبقة المتوسطة واستكمال برنامج مدن بدون صفيح وتوفير التغطية الصحية للمستقلين. محاور كثيرة تحدثت عنها المذكرة انطلاقا من التذكير بكفاح حزب الاستقلال ومرورا بانتقاد الأداء الحكومي وانتهاء بمطلب التعديل الحكومي، الذي لم تكتف فقط بالدعوة إليه، بل ذهبت بعيدا عندما اشترطت أن «مجلس رئاسة تحالف الأغلبية هو الإطار الوحيد الذي يجب أن ترسم فيه التوجهات السياسية للحكومة، ولاتخاذ القرارات سواء ذات الطبيعة السياسية أو تلك التي تنطلق من خلفية سياسية أو تلك التي تسعى لإحداث أثر سياسي حاليا أو في المستقبل»، وهو ما يطرح السؤال التالي: هل يرغب شباط في تحويل مجلس رئاسة تحالف الأغلبية إلى مجلس حكومي موازٍ؟ خصوصا أنه لا يحمل حقيبة تتيح له حضور اجتماعات الوزراء أم أن هذا المطلب سينتهي بحصوله على مقعد وزاري عند أول تعديل حكومي؟