خرج قناص فاس عن المألوف، وابتعد عن الطرقات ومداخل المدن والقرى والمداشر، وترك رجال الأمن والدرك لحال سبيلهم، بعد أن اختار مرفقا عموميا يعتبر «تاريخيا» بؤرة من بؤر الرشوة، لقد تمكن شريط فيديو على اليوتوب من تحقيق نسبة مشاهدة عالية فاقت المليون، خاصة أنه ينقل بثا مباشرا لحوار «ارتشائي» بطله طبيب بمستشفى كوكار في فاس بوجه مكشوف وهو يبيع الدواء في مكتبه، حسب ما جاء في الشريط، ويمنح الشواهد الطبية مقابل مبالغ مالية، ويبدو أن المقلب كان مدبرا بشكل مسبق لأن المصور كان يرافق «المريض»، كما أن الإخراج راعى خصوصيات الموضوع، إذ تضمن عبارات تشير إلى ما يتعرض له الضمير المهني من جلد. حسب الرواية الأولية فإن منتج الشريط عامل مهاجر يقيم في الخارج، وبطله طبيب يشغل موقعا نقابيا داخل شغيلة قطاع الصحة العمومية، وهو ما يؤكد النية في تقزيم العمل النقابي وجعل مضامين خطب الطبيب مجرد أقوال لا أساس لها على أرض الواقع أو بالأحرى في شريط الفيديو، رغم أن الطبيب المدان لم تكن تظهر عليه أعراض الخوف أو الارتباك وهو يفاوض الزبون. ومن الأمور التي أثارت استغراب العاملين في قطاع الصحة بفاس، هو الفرق الزمني بين تاريخ إنجاز «العمل» وتاريخ عرضه على شاشة اليوتوب، إذ تقول مصادر مقربة من مندوب الصحة أن الفترة قاربت نصف عام، وهو ما ينم عن وجود «إن» نقابية في العملية. قناص طانطان: عاصفة الصحراء دقيقة و14 ثانية كانت كافية للكشف عن واقع حاجز أمني في الطريق الرئيسي الرابطة بين طانطانوكلميم، وتحديدا عند معبر واد درعة، حيث تم رصد عملية تلقي دركيين لمبالغ مالية من مستعملي الطريق، خصوصا من أصحاب الشاحنات التي تنقل السمك الصحراوي إلى الداخل وعربات النقل التجاري، وحافلات النقل العمومي. وكعادتها بعد كل عملية قنص، سقطت الطرائد وبادرت القيادة العامة للدرك الملكي إلى إرسال لجنة إلى مدينة طانطان للتحقيق في ما نشر، ليتم توقيف رقيبين ورقيب أول وملازم أول وتحويلهم في حالة اعتقال إلى القيادة الجهوية بكلميم، قبل تحويلهم إلى التحقيق بالقيادة العليا للدرك بالرباط. ومن خلال الاستماع لشهادات المعنيين فقد تبين أن المتواجدين ميدانيا في الحاجز الأمني، ملزمون بتخصيص نسبة من المداخيل لرؤسائهم، حتى تحول التعيين في «باراج» وادي درعة أو وادي شبيكة بطانطان إلى ريع اقتصادي، وكشف الشريط عن طريقة غريبة في منح العمولة، إذ يقوم بعض السائقين برمي المبلغ المالي بمجرد الاقتراب من الحاجز، كي لا يقف عامة الناس على ظروف عملية التسليم والاستلام. ولأن الطريق الوطنية رقم واحد الرابطة بين كلميموطانطان والعيون تشهد حركة مكثفة لشاحنات النقل، فإن السعر المخصص لكل عابر سبيل يتراوح ما بين 20 و50 درهما، وقد يرتفع المبلغ إلى أضعاف التسعيرة في حالة وجود خلل ميكانيكي، لاسيما أن أغلب الشاحنات تتجاوز الأوزان المسموح بها. وأمام تنامي حالات الارتشاء فإن أرباب حافلات النقل العمومي وأصحاب الشاحنات، قد أصبحوا يخصصون ميزانية إضافية لمصاريف الرحلة، خاصة أن اجتياز معبر وادي درعة يتطلب دفعا مسبقا لا يستثني الزبناء والوافدين الجدد.