صدر في الآونة الأخيرة للمؤلف والمخرج والباحث المسرحي الشاب أحمد السبياع مؤَلف جديد عن مطبعة الخليج العربي بتطوان عبارة عن نصين مسرحيين، اختار المؤلف للنص الأول عنوانا مثيرا هو «امرأة وحيدة تؤنسها الصراصير»، في حين وسم الثاني ب«مساحات مضيئة». وعند قراءتنا لهذا العمل لاحظنا أنه يتميز بجملة من الخصائص البنيوية، نذكر منها: المفارقة، الحذف، الرمز... تتحقق المفارقة، باعتبارها عنصرا أساسيا من عناصر الكتابة المسرحية التجريبية، في العمل المذكور من خلال عدة ثنائيات متقابلة، نلمسها على مستوى العنوان، وعلى مستوى كل نص على حدة، وكذا عبر المقارنة بين النصين. فبالنسبة للعنوان، نجد لفظة «وحيدة» المسندة إلى المرأة/الإنسان في مقابل لفظة المؤانسة المعبر عنها بفعل «تؤنسها» المسند إلى الصراصير التي تمثل عالم الحيوان. فالصراصير المقززة والمتعفنة التي بمجرد ما يراها الإنسان ينفر منها، ويحرص على قتلها للتخلص منها؛ تتحول هنا إلى حشرات تقوم بفعل المؤانسة لتعوض الإنسان. أما على مستوى النص الأول، فتصادفنا العديد من المفارقات التي تشكلها ثنائيات أخرى مثل: صمت الرجل اللص في مقابل ثرثرة ليلى المرأة الوحيدة؛ واللص في حد ذاته يشكل مفارقة غريبة حيث إنه لص شريف يحب السرقة ويكره الصدقة. في حين نلمس عنصر المفارقة في النص الثاني من خلال التقابل بين مواصفات بعض الشخصيات، فالسعدية تمثل ثقافة المدينة مقابل المسعودي الذي يمثل ثقافة البادية/الدوار، وتتمخض عن هذه الثنائية الإطار ثنائيات أخرى صغرى: الكلام الموزون الذي يتصف به والد السعدية مقابل الكلام المشتت الذي يتصف به والد المسعودي.. السعدية تنتمي إلى أسرة غنية في المقابل نجد المسعودي يتحدر من أسرة فقيرة.. السعدية تعرف البحر منذ صغرها وتعشقه حد الجنون في المقابل نجد المسعودي يعشق الواد ولم يعرف البحر إلا في سن الرابعة والعشرين من عمره... ساهمت هذه التقابلات التي تعكس عوالم مختلفة في جعل الحوار داخل النصين يتسم بنوع من الجدل المتمثل في الأخذ والرد تارة، والتوتر والانفعال تارة أخرى. ولعل هذا ما أضفى على الحوار في النصين طابع الصراع الدرامي الذي يشكل إحدى الركائز الأساسية للكتابة المسرحية.ومن جهة أخرى، عنت لنا ملاحظات أخرى من خلال عقد نوع من المقارنة بين النصين على مستوى الشكل، وهي: الاعتماد على اللقاءات في تقسيم النص الأول في مقابل المشاهد في تقسيم النص الثاني، وكذا التعبير باللغة العربية الفصحى التي كتب بها النص الأول مقابل التعبير بالدارجة المغربية التي كتب بها النص الثاني. لقد جعلت هذه الثنائيات العمل المسرحي يعج بعنصر المفارقة، التي جعلت بدورها النصين يزيغان عن نمط الكتابة المسرحية الكلاسيكية. يشغل الحذف حيزا هاما داخل النصين المسرحين. فالنص الأول يفاجئنا فيه المؤلف بحذف أربعة لقاءات عبارة عن حوارات دارت بين الشخصيات، ويبدأ باللقاء الخامس، وهو ما يخلق نوعا من الارتباك لدى القارئ، ويدفعه إلى تشغيل ذهنه وتحريك خياله، ليصبح بذلك عنصرا فاعلا في النص، ومساهما في نسج خيوط الحكاية، والقبض على جوهر الصراع الذي يدور بين ليلى المرأة الوحيدة وسالم اللص الشريف الذي يؤنسها. فالمؤلف، هنا، يراهن على قارئ يقظ محصن بنوع من المعرفة المسبقة إن هو أراد الإمساك بدلالات النص الظاهرة والمضمرة. كذلك يلجأ المؤلف في ثنايا النص الأول دائما إلى الحذف بين اللقاء الحادي عشر واللقاء الثاني عشر، الذي عبر عنه ب» بعد مرور خمسة أشهر».
حسين أوعسري باحث في مختبر المسرح وفنون العرض جامعة ابن طفيل