سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العاصمي : السلط السياسية تخاف من سلطة الشعر فتحاصره كي لا يفضح خطاياها وعيوبها وأعطابها قالت إن كتابة الشعر كانت تعتبر عملية فضائحية واعترافا من الشاعرة بخطاياها وانحرافاتها ومدعاة لإنزال العقوبة بها
تؤكد الشاعرة مالكة العاصمي في حوارها مع «المساء» على أن الإبداع الأنثوي كالذكوري تعبير عن المعيش بكل ما يحبل به من مآس وأحزان، مضيفة أن المرأة ليست دائما ذلك الكائن الخنوع، سيما عندما تكون شاعرة. وأضافت أن صوت الأنثى تغريد تختلف نبراته عن نبرات الرجل. وقالت أيضا إن كتابة الشعر عدت بمثابة عملية انتحارية، ومن ثم فإن الشعر النسائي لم يحتفظ منه إلا بما أنتجته الفقيهات أو الصوفيات. وأشارت العاصمي إلى أن الشاعرات المغربيات لم يجدن سبيلا لبث أحزانهن وآمالهن وانكساراتهن وتطلعاتهن وتألقهن بالشعر قبل أن تتجرأ مؤسسات على اقتحام المحظور بحس وقرار انتحاري. وبخصوص تجاور الشعر والسياسة قالت إنه كالسياسة التزام وطاقة إبداعية خلاقة وتكوين ومعرفة وتجربة وخبرة، لكنها تكشف أن السلط السياسية تخاف من سلطة الشعر فتحاصره وتضيق به وتعتم عليه كي لا يفضح خطاياها وعيوبها وأعطابها. - بم يتميز شعر المرأة عن شعر الرجل؟ أم إن هناك تقاطعات فيما بينهما؟ هناك بالتأكيد تقاطعات تتعلق بوحدة الكائن ومكوناته الشعورية وحاجياته ومواقفه الإنسانية. وتتعلق بوحدة الزمان والمكان والظروف التي قد يعيشها في إطار واقع معين. لكن هذه التقاطعات لا تلغي خصوصيات كل مبدع على حدة، فأحرى أن يتعلق الأمر بجنسين تحكمهما فوارق بيولوجية وفوارق ثقافية وأخرى اجتماعية ووظيفية وعلاقاتية ومواضعاتية....إلخ الشعر طفح الروح، وأحيانا نزيفها، وأحيانا أخرى توقها وانفجاراتها وانعتاقها أو تجنحها وتحليقها. ولصوت الأنثى تغريد تختلف نبراته عن نبرات الرجل. ومثل ذلك مكوناتها الأخرى البيولوجية التي تضعها في الحياة والكون والمجتمع والعلاقات كائنا مختلفا يصدر عن أوضاع وتوترات مغايرة لما يصدر عنه الرجل. تحضر المرأة بقوة واستمرار في كتابات الرجل مهما اختلفت موضوعات هذه الكتابة أو تقلبت وتنوعت، تلك المرأة الكائن المنشود أو المرفوض. ومن الطبيعي أن يحضر الرجل في كتابات المرأة لأنه الآخر الذي تقوم العلاقة معه على المد والجزر والحب والكره والشوق واللهفة والعذاب والعقاب. هذا وجه أول من وجوه الاختلاف. لكن وجوها أخرى كثيرة تمايز بين كتابات المرأة وكتابات الرجل. فالمجتمعات الإنسانية لم تتخلص من النظرة الدونية التمييزية المحافظة والمتعسفة على المرأة، المصادرة لحقوقها وحريتها. حتى جسد المرأة ليس ملكا لها كما هو جسد الرجل. ونظرة المرأة لجسدها ليست هي نفسها نظرة الرجل. إضافة إلى ما يختزنه جسد المرأة من مفاجآت أو يعرض له من مسائل ومشاكل وأوضاع. وحتى أسلوبيا وتعبيريا تبرز الاختلافات، فقاموس المرأة ولغتها وأسلوبها وطريقتها في التعبير عن نفسها تختلف عن لغة الرجل وقاموسه وطرائقه التعبيرية الأسلوبية، وقد تختلف أيضا طريقتها في التفكير والتحليل وتقدير المسائل والمواقف تبعا لمرجعياتها التي كثيرا ما تغيب عن الرجل. المرأة تصدر عن حياة وظروف وأوضاع مغايرة، ومن الضروري أن تكون نظرتها للحياة والأشياء متناسبة مع اختلافها، وأن تعكس كتاباتها ذلك الاختلاف. لكنها في نفس الآن تعيش نفس الظروف السياسية البيئية الاقتصادية الاجتماعية العامة التي يعيشها الرجل والمجتمع برمته، مما يجعل كتاباتهما في إطارها العام تغرف من نبع واحد مشترك. - الإبداع النسائي أهو إبداع رقة ودموع أم إبداع تمرد على كل الكوابح التي أقامها الجنس الخشن في وجهها؟ هو كل ذلك وغير ذلك. الإبداع الأنثوي كالذكوري تعبير عن المعيش بكل ما يحبل به من مآس وأحزان، أو أفراح ونجاحات. في نفس الوقت لكل من الجنسين حياته وظروفه كما له كوابحه. والجنس الخشن ينوع كوابحه على المرأة وكثيرا ما يشكل مصدر آلامها ودموعها. والمرأة ليست دائما ذلك الكائن الخنوع، سيما عندما تكون شاعرة، فالشعر تمرد في أحد تعاريفه وتجلياته، مما يعني أن شعر المرأة تمرد بالضرورة وثورة وتحد. وهو أيضا بوح وعشق ومناجاة وحنين وأنين، وأحيانا توله بالذات الأنثوية أو صراع معها. - كثير من الذين قرؤوا تجارب النساء الإبداعية ألمحوا إلى أنها مثل الجزر المفصولة. لماذا في رأيك هذا «الخصام» والتباعد بينهن؟ الطبيعي أن تتميز كل كتابة وكل إبداع ومبدع بشخصيته الخاصة. والاختلاف بين الشاعرات المغربيات نابع أولا من اختلاف التجربة الحياتية لكل واحدة منهن، ومن اختلاف الروافد الثقافية والتجربة الإبداعية. مع ذلك فالمشترك في تجارب الشاعرات المغربيات كبير وكبير جدا إذا ما تم التأمل فيه. تعتبر الكتابة الشعرية عملية انتحارية للشاعرة وللمرأة التي تكتب الشعر، بذلك لم تسجل على النساء في تاريخ الإبداع الإنساني تهمة الشعر إلا قليلا. في التاريخ العربي الإسلامي نجد أن الخنساء صبت طاقتها الإبداعية وأخفت نفسها في الرثاء. أما ولادة فلم تسلم من الاتهامات والمشاكل. إذا استثنينا القينات والمغنيات اللواتي احتفل المجتمع بأشعارهن واحتفظت الذاكرة الشعبية وأحيانا التراث المكتوب بأشعارهن، فإن الشعر النسائي لم يحتفظ منه إلا بما أنتجته الفقيهات أو الصوفيات. كتابة الشعر بشكل خاص كانت تعتبر عملية فضائحية واعترافا من الشاعرة بخطاياها وانحرافاتها ومدعاة لإنزال العقوبة بها، وهو ما أضاع على الإنسانية، ومنها الأمة العربية والإسلامية والمغرب، الكثير من إبداعات النساء التي ابتلعتها مبدعاتها أو أخفينها في مخابئ أسرارهن لتدفن معهن أو تعدمها أياد آثمة. وربما لم تجد الشاعرات المغربيات سبيلا لبث أحزانهن وآمالهن وانكساراتهن وتطلعاتهن وتألقهن بالشعر قبل أن تتجرأ مؤسسات على اقتحام المحظور بحسط وقرار انتحاري. مجرى شقته لصوت النساء فانطلقن لرفد صبيب نهر الشعر النسائي، وهو اليوم متدفق منهمر بأصوات وتطلعات وتألقات لا حدود لها، تمتح من بعضها البعض، رغم كل ما يمكن ملاحظته من تباعد أو انغلاق. - بصفتك امرأة جربت النضال السياسي، والشعر، كيف جاورت بين أفقين: الأول يستدعي الالتزام، والثاني الثورة والتمرد؟ لقد مارست السياسة بنفس أفق الثورة والتمرد والالتزام والإبداع والحب. الشعر كالسياسة التزام وطاقة إبداعية خلاقة وتكوين ومعرفة وتجربة وخبرة. غير ذلك ليس هناك سياسة حقيقية، أو فهم لوظيفة السياسة والسياسي. لذلك ترى كثيرا من الناس يعبثون بالسياسة بدل أن يعالجوا بها أدواء المجتمع ويبنوا بها الحضارة والقيم الإنسانية الكونية الرفيعة. يجب أن تعشق الحياة والحضارة والإنسانية، وتعشق بلادك، أهلها وأرضها وسماءها، تفنى فيها وتتوجع لأوجاعها وتقدم لها من دمائك وحياتك وجهدك وتحس بأحاسيسها ومتطلباتها العميقة ورعشاتها الداخلية لتكون سياسيا، وتلك بالضبط طبيعة الشعر. وقد مارست السياسة بعشق الشاعرة ورقتها وحنانها وحدبها. - بعد أن اتخذ «الثوار» أبيات أبي القاسم الشابي شعارا للتغيير، وبعد أن حوكم شاعر قطري بسبب قصيدة تدعو إلى التغيير، هل يمكن القول بأن الشعر استعاد سلطته التي فقدها لأزمنة؟ لم يفقد الشعر يوما سلطته. لكن السلط السياسية تخاف من سلطة الشعر فتحاصره وتضيق به وتعتم عليه كي لا يفضح خطاياها وعيوبها وأعطابها. لأن الشعر يخترق الوجدان ويحرك المشاعر ويحفز الفعالية، فإنه يعاني من التهميش والحصار. وكما قلت فإن بيتا واحدا من الشعر لشاعر شاب مات في أول حياته، ما زال يؤرق الطغاة ويتردد في حناجر الثوار ويستنهض الهمم ويخرج الجماهير إلى الشارع كي تطالب بالتغيير، ويدعوها إلى التضحية والكفاح من أجل العدالة والحرية وحقوق الإنسان. كذلك فإن قصيدة صغيرة كتبها شاعر بسيط أفزعت نظاما له من الشرطة والعسكر والمال والعتاد ما ينزل به بكلكله على البلاد. لا يمكن للشعر أن يفقد سلطته في يوم من الأيام. قد يفقد بعض الشعراء سلطة شعرهم عندما يبتذلونه أو يطرحونه في سوق النخاسة، لكن المسألة تكون خاصة بصاحبها ولا علاقة لها بطبيعة الشعر ولا بالشعر نفسه، بل حتى في هذه الحال يكون الشعر سلطة بدليل أنه يطلب ويبحث عنه وتقدم لأجله القرابين والعطايا. - كيف تنظرين إلى واقع التجربة الشعرية في المغرب وأفقها القادم؟ الشعر المغربي بخير، يحفر مساره دون هوادة في فضاء الإبداع الإنساني العالمي، رغم التهميش والإهمال الذي يتعرض له في بيته، وهو يحصد نجاحاته في غياب أي رعاية أو تشجيع أو اهتمام أو احتضان، وأي أبوة أو سند أو درع. الشعر المغربي ترجم إلى كل لغات العالم، ولتميزه يعتبر هدف الباحثين والنقاد وعشاق الأدب والإبداع. - هل ترين أن المواكبة النقدية استطاعت أن تنصف الشعر المغربي؟ نقاد الشعر قلة في المغرب. لذلك ليست هناك مواكبة نقدية تجاري حيوية الشعر وتستخرج لآلئه ومنجزاته لتقربها من المتلقين وعشاق الشعر أو قرائه. وهذه أحد أسباب خفوت صوت الشعر. التجارب الشعرية المغربية تحتاج إلى الفعالية والذائقة العلمية الفنية لتواكب الدينامية الإبداعية والتراكم الشعري النشيط وتمنحه الحياة التي يستحقها.