كان مصطفى مباركي البالغ من العمر38 سنة، العامل قيد حياته بإنجلترا، شغوفا بمدينته ومشدودا بحنين وطنه ومتشوقا للعودة إلى بلده لاستثمار مبلغ محترم من المال حصل عليه ب عرق جبينه في مدينة وجدة مسقط رأسه ومكان إقامة أسرته وعائلته بحي الزيتون. لم يكن يتوقع أن عودته إلى المغرب ستكون بداية شقائه وأحزانه. عاد إلى مدينته قبل سنتين بعد أن جمع بعض المال وشيد منزلين وأمّن حياته ومستقبله ومستقبل أسرته الصغيرة، مع العلم أن والدته وشقيقتاه يقِمن ويشتغلن بفرنسا، وكان سعيدا بعودته النهائية إلى بلده رغم أنه ترك وراءه ببلد الغربة فتاة إنجليزية عشقته حتى الموت وحاولت شدّه إلى بلدها والزواج منه، لكنه فضل غير ذلك حبا في بلده وعشقا في بناته. قرر مصطفى بعد الاستقرار والاستثمار الزواج من بنت بلده وطلب من أسرته الإسراع بالاستعداد لحفل زفافه على آنسة عشقها بعد أن اختارها بنفسه وخطبها من والديها متبعا في ذلك تقاليد مدينة وجدة المحافظة، وهو ما تم بالفعل في جوّ من الفرح والحبور في يونيو 2012، بحضور جميع أفراد العائلة المقيمة في الخارج أو المستقرة في وجدة والنواحي. اكتملت سعادته بزواجه وشرع في إجراءات تحقيق أمنيته في استثمار رأسماله بإقامة مدرسة خاصة لما له من تجربة أوروبية اكتسبها وهو عامل في إنجلترا وحاصل على إحدى الشهادات التي تضمن له نجاح مشروعه وتأمين مستقبل أسرته الصغيرة وأبنائه. لم تدم سعادة مصطفى طويلا، وتحولت حياته الزوجية إلى تعاسة حاول تجاوزها بالحوار والصفح والعفو وحتى التنازل، نتيجة خلافات ونقاشات بينه وبين عروسه، معتبرا ذلك عاديا بين عريسين حديثي العهد بالزواج. أعاد عروسه بعد أن أرضاها إلى بيت الزوجية بعد أن هجرته لأيام، لكن العروس صممت على مغادرة البيت بصفة نهائية ومباشرة إجراءات الطلاق. لم يتقبل مصطفى الوضع الذي بدد حلمه، فتوجه ليلة الثلاثاء 11 دجنبر الجاري حوالي الساعة الثامنة مساء، إلى بيت والديها بحي الزيتون، وطلب زوجته عبر رسالة إلكترونية هاتفية، ثم أقدم على فعله بشرب قنينة من «الماء القاطع» كعربون على تمسكه بزوجته وبالحياة، بل فعل ذلك استعطافا لها ودعوة إلى مساعدته ودعمه، ولم يفكر أبدا في أنه بذلك وقّع على نهاية حياته. تحكي خالته وشقيقتاه بأعين دامعة تفاصيل النهاية بعد أن شرب الماء القاطع، إذ سقط على الأرض يتلوى ويتمرغ من شدة الآلام، كما حكى ذلك لهن وهو يحتضر، قبل أن يقوم أهل الزوجة بالمناداة على سيارة الإسعاف التي نقلته على وجه السرعة إلى مستعجلات المركز الاستشفائي الفارابي لوجدة حيث حاول الأطباء إنقاذ حياته، دون أن يتم إخبار أفراد عائلته الذين علموا بخبر حادث الانتحار عبر رجال الشرطة القضائية الذين انتقلوا إلى المستشفى لمعاينة الضحية وتحرير محضر في النازلة.