أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، ربطته علاقة قوية بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي أشركه في لقاءاته مع القادة وفي القرارات الصعبة، وبينها انطلاق الحوار مع الولاياتالمتحدة ثم سلوك طريق أوسلو والمفاوضات المستمرة حتى اليوم. في حوار مطول لصحيفة «الحياة» اللندنية يكشف عبد ربه كثيرا من الخفايا التي رافقت تلك المفاوضات، وأسفرت عن هذه النتائج. - هل تعتقد أن ياسر عرفات أضاع فرصة في كامب ديفيد؟ < ذهب عرفات إلى كامب ديفيد وهو يشعر بأن هناك محاولة لجرّه إلى فخ. حاولنا قبل كامب ديفيد أن نطلب من كلينتون ومادلين أولبرايت تأجيل المؤتمر أسبوعين أو ثلاثة أسابيع حتى تقوم الوفود المفاوضة بالتحضير الجدي له، بمعنى أن تحدد القضايا المختلف عليها وتضعها على طاولة الرؤساء، كي لا يقوم الرؤساء أنفسهم بالمفاوضات من البداية. لكن الأمريكيين أصرّوا على أن نذهب إلى المفاوضات، وربما كان كلينتون كثير الاعتداد بنفسه، كان يعتقد أن حضوره الشخصي وحضور الإدارة بكل عناصرها، بما في ذلك أولبرايت وجورج تينيت مدير الاستخبارات المركزية والعناصر المؤثرة، كفيل بأن يسد الثغرات التي كانت موجودة بين الموقفين والتي كانت ثغرات كبيرة، وليس كما عليه الحال الآن، إذ أصبحنا نفهم على ماذا نحن مختلفون. في حينه لم نكن نعلم على ماذا الخلاف لأنه لم تكن هناك أرضية أو قاعدة ننطلق منها. - ما الذي عرضه الإسرائيليون في كامب ديفيد؟ < لم يعرضوا أي شيء واضح في ما يتعلق بالأرض. جاءتنا عدة خرائط من قبل الإسرائيليين، عملياً كانت تصل إلى حدود 20 في المائة وتنزل إلى 13 في المائة و12 في المائة. - ماذا تعني 20 في المائة؟ < يريدون ضم 20 في المائة من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تنزل النسبة إلى 13 ثم إلى 12 ووصلت إلى حدود 9 أو 10 من الأرض. نحن لم تكن لدينا مقترحات مضادة. لم تكن لدينا دراسة مضادة أو بديل عن الاقتراح الإسرائيلي وخارطة أخرى واستعداد لتبادل أراض أم لا. لم يكن لدينا جواب مضاد، وبغض النظر عما إن كانوا قد قالوا 9 في المائة أو 10 في المائة، كان يجب أن يكون عندنا اقتراح مضاد. - من كان يجب أن يقوم بذلك؟ < بصراحة كلنا كان يجب علينا أن نقوم بذلك، لكن كنا نخاف الاقتراب من المحرمات التي تتحدث عن حدود 1967. طيب، هناك مشكلة اسمها الوجود الاستيطاني، يجب أن يزول، لكن الإسرائيليين يقولون إنهم مستعدون لمبادلة بعض الأراضي، هل كان لدينا جواب على هذا أم لا؟ لم يكن لدينا جواب. في موضوع القدس، كان موقف الإسرائيليين في غاية السوء: استمرار السيادة على البلدة القديمة، وبالأساس على الحرم القدسي. بعدها صاروا يتحدثون عن سيطرة فلسطينية على المسجد الأقصى والحرم القدسي لكن من دون أن يقولوا السيطرة والسيادة لمن، طبعاً تبقى السيادة لهم، أما سيطرتنا فتعني الإدارة عمليا،ً ثم صاروا يطرحون اقتراحات أخرى من نوع السيادة فوق الأرض لنا وتحت الأرض لكم. - ماذا يعني ذلك؟ < نظريتهم الدينية تقول إن هناك الهيكل وعندما تقول السيادة تحت الأرض، فذلك يعني أنه يحق لهم التنقيب والبحث تحت الأرض، فكانت مشاريع عدة متناقضة إلى حد أن ساندي بيرغر، الذي كان مستشار الأمن القومي الأمريكي، سألني، في اجتماع ضمَّني أنا وكلينتون وداني ميريدور الذي كان مسؤول الجانب الإسرائيلي في لجنة القدس في المفاوضات، وأنا كنت مسؤول الجانب الفلسطيني، (أقول) سألني بيرغر أمام كلينتون: لماذا لا تسمحون للإسرائيليين بأن يدخلوا إلى المسجد الأقصى للصلاة ويبنوا كنيساً هناك أو الهيكل؟ فقدت أعصابي أمام السؤال، وقلت له: من حقك أن تسأل هذا السؤال، لكن أنت تعرف أن هذا تترتب عنه حرب دينية تمتد من جاكرتا وتصل إلى آخر نقطة في العالم الإسلامي في السنغال ضد كل ما له علاقة بالغرب. - هل كان ياسر عرفات في وارد التنازل في مسألة القدس؟ < في موضوع القدس لم يكن مستعداً. حاول أمام ضغط كلينتون عليه أن يعطي أجوبة. قال له إن هذا الموضوع لا يستطيع الإجابة عنه إلا عندما يتصل بالقادة العرب. رفع التلفون كي يتحدث إليهم. لم يستطع التحدث إلى أحد، إذ كانوا منشغلين أو غائبين. أفضل الأجوبة التي تبادرت إلى ذهنه هو: لدينا ثقة فيك وأنت تتصرف كما تراه مناسباً. - كان باراك رئيس الحكومة في إسرائيل؟ < نعم، وشعر عرفات بأن هناك فخاً أمريكياً-إسرائيلياً منسقاً. باراك رفض ملاقاته منذ اليوم الأول، وانعزل باراك في الفيلا الخاصة به، حتى عن الوفد الذي كان معه، وكان واحد أو اثنان من الإسرائيليين يزوراننا، من الذين يعتبرون أنفسهم أصدقاء مشتركين، فكان أبو عمار يسألهما عن باراك للجلوس معه، لكن باراك كان يتهرب من اللقاء، وكان يفضل التحاور معنا عبر الأمريكيين أو بوجودهم حتى يكون الأمريكيون قوة ضغط علينا. جرت مناورات كثيرة، لكن أيضاً كان التفاوض فوضى كاملة، يعني أنك تتحدث يوماً عن القدس، وفجأة تنتقل إلى مسألة اللاجئين، ثم إلى الأرض... - عمليا،ً في ملف التفاوض هل كان أبو مازن هو المرجع العملي؟ < كان أبو مازن المرجع العملي، لكن المرجع الفعلي كان أبو عمار. أبو عمار كان يشعر يوماً بعد يوم بضيق وبأن هناك محاولة لحشره في الزاوية، وأبرز مخالبه للدفاع عن نفسه وأراد الخروج من هذه الورطة ومن كامب ديفيد بأي ثمن، لكن كان ذلك من دون نتيجة. كان يعلم بأنه إذا خرج من دون نتيجة فإنه يكون حقق مكسباً وانتصاراً. الأمريكيون منذ لحظة وصولنا قدموا إلينا إعلان مبادئ كانت عناصره سيئة للغاية، فرفضناها، وكان جواب كلينتون: لماذا تحرجوننا من أول يوم، طيب اعتبروا أن هذا الإعلان ليس قائماً، لكن المواقف الأمريكية التفصيلية في تلك الورقة صارت الموجّه للمفاوضات. - ماذا تضمّن العرض الأمريكي؟ < اتسم بعدم الوضوح. إن بالنسبة إلى حدود الدولة الفلسطينية أو مساحتها، ولا وضوح حول موضوع القدس ولا موضوع اللاجئين أو عددهم. - كم مكثتم في كامب ديفيد؟ < حوالي الأسبوعين. وحاول كلينتون أن يوفق ما استطاع لكنه لم ينجح. مشكلة موقفنا أنه لم تكن لدينا مقترحات مضادة للأفكار والمقترحات الإسرائيلية. - واللقاءات بين باراك وأبو عمار؟ < التقيا، لكن كان ذلك على العشاء. كانت جلسات اجتماعية أكثر منها تفاوضاً سياسياً حقيقياً، وإذا ما حصلت لقاءات فكانت محدودة وبوجود كلينتون، ومعظم اللقاءات كانت تتم مع كلينتون وأولبرايت وجورج تينيت. وسبقت ذلك مفاوضات كنت أقوم بها مع وفد إسرائيلي مقابل، كان فيها شلومو بن عامي.. مفاوضات سرية. - هل أدى هذا إلى وثيقة جنيف؟ < لا، هذه جاءت لاحقاً، مفاوضات جنيف لم تكن رسمية، كانت تحضيرية ولم تصل إلى نتيجة. كان من الواضح أن باراك لا يريد حلاً. عندما جاء إلى السلطة اجتمع مع أبو عمار وكنا اتفقنا مع نتانياهو على أن يخلي نسبة 13 في المائة إضافية من أراضي الضفة الغربية. لكن باراك رفض تنفيذ هذا الاتفاق الذي تم مع نتانياهو، وقال: دعوني أجلس معكم ستة أشهر نتفق خلالها على إخلاء كل الضفة الغربية. لماذا تريدون 13 في المائة؟ حينها قلنا لا، تعطينا 13 في المائة ونتفاوض ستة أشهر على الباقي. أصرّ وعرقل الاتفاق لأنه لم يكن يريد تقديم أي تنازلات. هو لا يقلّ تطرفاً عن نتانياهو في ما يتعلق بالأرض وعدم اقتناعه بأوسلو. - عملياً، انهارت المفاوضات في كامب ديفيد والأمريكيون حمّلوكم المسؤولية؟ < قبل مغادرتنا، عقد كلينتون جلسة ختامية مع الوفود الثلاثة. اتفقنا على أن نتابع اللقاءات بعد أسبوعين، على أن تتخللهما لقاءات ثنائية بين الأطراف كي نجسر الهوة ونتغلب على الخلافات، وفي هذه الفترة لا يقوم أي طرف بتحميل الآخر مسؤولية الفشل. غادرنا بالسيارة من كامب ديفيد إلى مطار اندروز. وحين وصلنا كان كلينتون عقد مؤتمراً صحافياً اتهمنا فيه بالمسؤولية عن فشل المؤتمر، وباراك عقد مؤتمراً صحافياً أيضاً اتهمنا بالتهمة نفسها. نحن لم نرد على التهم، وكان ذلك من أكبر الأخطاء التي ارتكبناها لأننا كنا التزمنا بالاتفاق لم نكن نريد الدخول في معركة سياسية وإعلامية مع الإدارة الأمريكية خوفاً من خسارة موقفها. - ثم جاء جورج بوش ولم يحصل شيء بمجيئه؟ < حسب ما قيل، كان بوش تلقى تقريراً من كلينتون يقول إن الفلسطينيين أناس غير جديين، فجاء وتعامل بسلبية شديدة مع ياسر عرفات منذ البداية. عن «الحياة اللندنية» بتصرف