إن الحاجة إلى شغل مقعد «إمارة المؤمنين» ما تزال، في رأيي، ماسة لخدمة أهداف الديمقراطية؛ غير أن هذا يتطلب الكثير، ومنه خصوصا: أ - الاشتغال في اتجاه السمو بوظيفتها عن إدارة الدولة، وتقريبها أكثر نحو إدارة المجتمع؛ ب - الخروج بنفوذها خارج حدود الوطن، وبالأخص نحو: المغاربة المهاجرين، واليهود المغاربة في المهجر وفي فلسطينالمحتلة ثم إفريقيا العميقة (المشايخ والأمراء والملوك..) هؤلاء الذين خذلنا بيعتهم بعد أن أوصلنا إليهم الدعوة منذ قرون.. ت - تمكين الاجتهادات الدينية (الإسلامية) من حقوق التعبير والتنظيم... وخصوصا تمثيلها في المجلس العلمي الأعلى وتمكينها من الامتيازات الإيجابية التي أعطيت في البرلمان الجديد لأقلياته؛ ث - تخصيصها (إمارة المؤمنين) بميثاق خاص توافقي، يضاف إلى جملة المواثيق المنجزة (التعليم-الأسرة..)، وإلا: ج - فيجب أن تخضع ممارساتها لأحكام وقضاء «المحكمة الدستورية» وهو الأمر الذي يقتضي: خ - ضرورة التنصيص على الوظيفة القانونية لمؤسسة إمارة المؤمنين، وليس الدينية فحسب، وهو ما ينسجم مع منطق الفقه الدستوري المعاصر. 5 - إن الخطاب الديمقراطي المعاصر، وخصوصا بعد الأزمات التي تعاني منها الأنظمة الرأسمالية اليوم، لم يعد يقف عند بعدها (الديمقراطية) السياسي المتآكل، لقد أضحى يتجه أكثر فأكثر نحو أبعادها الاقتصادية-الاجتماعية والثقافية... ولهذا فمقاييس الربط أو الفصل وحدودها... يجب أن تعتبر بهذا المعطى المستجد... والحال أن مبدأ ما يسمى ب«العدالة الاجتماعية» (=الديمقراطية الاجتماعية) هو أمر بارز في جميع الدعوات والمؤسسات الدينية. 6 - يجب الإقرار بأن «زمن العالم» الذي يتحكم في مراكزه ومحيطه، هو العولمة الرأسمالية: قيمها ومؤسساتها.. فقضايا التحرر والتحرير بالنسبة إلى شعوبنا يجب أن تقدم على غيرها من القضايا المصطنعة غالبا من قبل الاستعمار، والتي بدأت بخطاب: الإصلاح والتنمية والتقويم وحقوق الإنسان... لتستقر اليوم عند خطاب «الحكامة» الملغوم. لنتذكر أن مصدر التخلف والاستبداد... هو الاستعمار، وأن الغرب الرأسمالي يريد حرماننا من استعمال السلم الذي ارتقى بواسطته. إن المرحلة هي مرحلة المقاومات. وفي هذا الصدد، يستطيع الدين أن يقدم الكثير إلى المجتمعات كما إلى الدول الإسلامية وغيرها. الاستعمار هو الذي يعرقل الحداثة والتحديث والديمقراطية في ربوعنا، ويفرض علينا أجندته، ويمنع وحداتنا الوطنية والقومية والقارية والإسلامية... ويعيد إنتاج التقليد ويشوه الدين وحركاته... ويحرمنا من الاستقلال والسيادة اللذين هما شرط كل تنمية أو حرية أو ديمقراطية. 7 - «الدين الفطرة» وإصلاحه هو العودة به إلى أصله، أي إلى المجتمع، وتحريره من التوظيف الإيديولوجي والسياسي له من قبل إدارة الدولة. وبذلك تتحرر هي أيضا (إدارة الدولة) من إكراهاته وتنتج مشروعيتها من مردوديتها في التنمية البشرية والديمقراطية.. والفصل والاستقلال بين الحقلين لا يعني انعدام العلاقة والارتباط المفيد للطرفين ولغيرهما... دونما إلحاق ودونما توظيف وتحريف وإفساد. الملكيات التي استمرت في عصرنا، هي بالضبط تلك التي استجابت لذلك الشرط في ارتباط وعلاقة تعاون بين منفصلين ومستقلين. 8 - المرحلة التاريخية التي تشرطنا هي مرحلة «الانتقال الديمقراطي» لا «التحول ديمقراطي»، وتلك قانونُها الرئيس هو التوافق لا الصراع بما في ذلك حول الحقل الديني، شعار «الديمقراطية هي الحل» هو غير مناسب للمرحلة تماما مثل شعار «الإسلام هو الحل» ليس بالإقصاء، بالأغلبية والأقلية وأحرى بالعنف، يمكن الاستجابة لمتطلبات المرحلة، بل فقط بالحوار والتضامن والوحدة بين جميع الوطنيين والديمقراطيين والإسلاميين، وذلك إلى حين النجاح في إنجاز «الانتقال». وأخيرا، فإن العولمة الاستعمارية وهي تحتضر، تعمل جاهدة اليوم على تصدير أزماتها نحو شعوب الجنوب، مستهدفة منها «منظومة القيم» الفاضلة ومنظومة الدول الضعيفة والمستضعفة، خاصة منها المتمكنة جغرافيا والعريقة تاريخيا. تاكتيكُها في ذلك تفجير تناقضات وصراع المنظومتين (القيم وإدارات الدول)، ونشر الفوضى والعدمية الوطنية والشعبوية...، والجواب عن ذلك هو تصالحهما وتضامنهما لضمان استمرار وجودهما متكاملين لا متنافرين وهو «الجهاد الأفضل» اليوم، مغربيا وعربيا.