الهجوم الجماهيري على دورية مقاتلي الناحل في الخليل قبل نهاية الأسبوع الماضي ليس إشارة تحذير أخرى من إمكانية أن تبدأ الأرض في يهودا والسامرة بالاشتعال؛ فعمليا، يدور الحديث عن تعبير آخر عن كون سنوات الهدوء شبه المطلق قد وصلت منذ الآن إلى نهايتها. أخطر من هذا الهجوم هو الحقيقة التي انكشفت هنا لأول مرة.. قوات الأمن الفلسطينية توقفت عن العمل بشكل عملي ضد بنى الإرهاب في حماس في الأيام الأخيرة. في الجيش الإسرائيلي يقرؤون الصورة ويبدؤون بالاستعداد لإمكانية أن تشتعل جولة عنف ذات مغزى في يهودا والسامرة أثناء الربع الأول من عام 2013. كي نفهم إلى أي مدى يدور الحديث هنا عن تغيير استراتيجي في الوضع، يجب العودة عدة سنوات إلى الوراء. عمليا، بدأ الإرهاب في يهودا والسامرة يضمحل منذ منتصف العقد الماضي كنتيجة لحملة «السور الواقي» والنشاط الثابت للجيش الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية في قلب القصبات ومخيمات اللاجئين الفلسطينية. وابتداء من عام 2008، ساد في المناطق هدوء شبه مطلق. وساهم في ذلك تعزيز قوات الأمن الفلسطينية، بدعم من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، والتعليمات الواضحة من أبي مازن وقادة السلطة: اختيار الطريق السياسي كسبيل لتحقيق دولة فلسطينية على حساب طريق الكفاح. وأكثر من أي شيء آخر، ساهمت في التعاون بين قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينية سيطرة حماس في قطاع غزة: العدو المشترك ربط بين إسرائيل ورجال فتح بنسغ قوي على نحو خاص. ولا تزال المصلحة المشتركة للقتال ضد حماس سارية المفعول، ولكن في هذه الأثناء تغيرت عدة أمور. خيبة أمل الجمهور الفلسطيني من أن الطريق السياسي لن يؤدي إلى إقامة دولة عمليا، أدت بأبي مازن إلى طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية في 29 نونبر الفلسطيني، خلافا لموقف الولاياتالمتحدة وإسرائيل (وسبع دول أخرى فقط عارضت الخطوة). وبالتوازي، بدأ أبو مازن يلقي خطابات يتكرر فيها «الكفاح الشعبي» ببروز. وقد قرب إليه في الأسابيع الأخيرة جبريل الرجوب الذي، بالتوازي مع منصبه كرئيس للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، بدأ ينظم نشاطات احتجاجية ضد الاحتلال، تعبر عن استراتيجية الرئيس. وعلى خلفية كل هذا، تكاثرت أحداث الإرهاب الشعبي في المناطق في الفترة الأخيرة. توجد أيضا صلة مباشرة للتطورات الأخيرة بحملة «عمود السحاب»: نحن يمكننا أن نقول لأنفسنا مرة لا تحصى إن حماس تلقت «ضربة قاسية» وإن الأهداف التكتيكية للحملة تحققت. من ناحية الأغلبية المطلقة من الجمهور الفلسطيني، فإن حماس انتصرت وبقوة؛ فقد حققت أهدافا مثل إلغاء (القاطع الفاصل بمسافة 300 متر غربي الجدار، الذي يحيط بقطاع غزة والذي منعت إسرائيل الدخول إليه منذ «الرصاص المصبوب»). وأزالت جزئيا الحصار الاقتصادي من خلال إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية في إسرائيل. حالة الانتشاء بوصول خالد مشعل إلى احتفالات الذكرى السنوية ال25 لتأسيس المنظمة جسدت فقط قوة المنظمة بعد الحملة. من جهة أخرى، فتح، في يهودا والسامرة أيضا، في ضائقة؛ فالجمهور الغفير يدعو قوات الأمن الفلسطينية إلى وقف التعاون مع إسرائيل. وقريبا سيزداد الضغط فقط، بدعوى أنه يجب تحقيق اعتراف الأممالمتحدة بفلسطين بصفتها الدولة ال194 العضو فيها. قرار قوات الأمن الفلسطينية وقف العمل ضد حماس في الأيام الأخيرة ليس رسميا، ولكنه يتحقق عمليا. وهو يجد تعبيره منذ الآن في وقف الاعتقالات في حق نشطاء الإرهاب (الجيش الإسرائيلي، من جهته، يواصل العمل ضد الإرهاب، كل الوقت وفي كل مكان). من جهة أخرى، حررت حماس في غزة من سجونها رجال فتح. والخلفية هي محادثات المصالحة بين فتح وحماس، التي ستأتي على حساب التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. في السطر الأخير، في الجيش والمخابرات الإسرائيلية يقدرون منذ الآن أن فترة جديدة بدأت في يهودا والسامرة. إلى أي مدى سيزداد العنف في المناطق؟ هل نحن في بداية انتفاة ثالثة؟ ليس بهذه السرعة، ولكن الجيش الإسرائيلي بدأ منذ الآن يبلور خططا عملياتية وخططا تدريبية حول إمكانية أن يواصل العنف في يهودا والسامرة التصاعد في الأسابيع والأشهر القادمة. الهدف سيكون إبقاء جبهة يهودا والسامرة على أكبر قدر ممكن من الهامشية من الناحية الأمنية، ولكن هذا ليس منوطا بنا فقط.