أخيرا أصبحت مدينة الدارالبيضاء تتوفر على وسيلة نقل جديدة بدل الحافلات والطاكسيات، وهي «الترامواي». هذه الوسيلة الجماعية للنقل وإن كانت لن تحل مشاكل النقل والتنقل في العاصمة الاقتصادية، فبدون شك أنها ستخفف بعض الضغط على وسائل النقل الأخرى، سيما في المحور الرابط بين سيدي مومن وكورنيش عين الذئاب. فكيف دخلت الدارالبيضاء تجربة «الترام؟ «المساء» عادت قليلا إلى الوراء للنبش في هذه القضية ولكشف الأسباب الداعية إلى اختيار هذه الوسيلة دون غيرها. بعد حديث طويل عن مشروع ميترو البيضاء، والذي دام أزيد من ثلاثين سنة، استفاقت المدينة في ربيع سنة 2004 على خبر قرار جديد، وهذه المرة يتعلق بمشروع «الترامواي»، في وقتها لم يكن أكثر المتفائلين يعتقد أن هذا المشروع من الممكن أن يخرج إلى حيز الوجود، وأن الأمر لن يعدو أن يكون مجرد حلم من الأحلام الكثيرة التي يروج لها مسؤولو المدينة دون أن ترى النور، خاصة أنه في كل مرة كانت تروج أخبار حول اقتراب موعد أشغال الميترو، إلا أنه سرعان ما يظهر أن ذلك لا أساس له من الصحة. بداية القصة أثناء الإعلان عن الخط الأول من مشروع «الترامواي» كان الحديث منصبا حول إمكانية إنجاز هذا المشروع في مدينة الدارالبيضاء، بسبب صغر مساحة الشوارع البيضاوية، ما جعل المعارضة المشكلة لأول مجلس جماعي للدار البيضاء بعد دخولها تجربة وحدة المدينة، تحذر من تبني هذا المشروع، مؤكدة أن البيضاء في حاجة ماسة إلى ميترو سفلي أو علوي لحل مشاكلها المرتبطة بالنقل الحضري، معتبرة أن «الترامواي» سيزيد من حدة الاختناقات المرورية التي تعرفها شوارع المدينة. وفي صراعه السياسي مع المعارضة المشكلة آنذاك من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية، كان محمد ساجد يؤكد أن «الترامواي» مجرد الخطوة الأولى ضمن مشروع ضخم يهدف إلى إعادة النظر في مخطط التنقل بالمدينة، مستندا على تجربة مدينة «بوردو، واعدا البيضاويين بإنجاز الترامواي في 2012... وتمكن العمدة، الذي كان وقتها يخطو خطواته الأولى في تسيير مدينة الدارالبيضاء، من كسب ثقة أغلبية المجلس التي وافقت على إعطاء الضوء الأخضر للمشروع، ولكن ظل الشك يراود المراقبين للشأن المحلي حول إمكانية إنجاز هذا الخط في الموعد المحدد له وهو 12 دجنبر 2012، مؤكدين أنهم لن يصدقوا أنه أصبح للدار البيضاء مشروع جديد للنقل إلا بعد أن يروه بأعينهم وهو يتجول بين شوارعها. الشك في التاريخ وفي خضم الشك حول إمكانية إنجاز «الترامواي» ظل ساجد متشبثا بالتاريخ المعلن عنه، وهو ما اعتبره خصومه السياسيون بمثابة دليل إدانة للعمدة في حالة عدم احترام هذا التاريخ، لكنه ظل دائما يحتفظ بهدوئه... وصادق المجلس على إحداث شركة «الدارالبيضاء للنقل»، التي تكلفت بإنجاز المشروع، وتم وضع يوسف اضريس على رأس إدارتها، وانطلقت الأشغال وكانت الوتيرة تزيد من حدة الشك، فلم يكن أحد يتوقع أنه سيتم الالتزام بالتاريخ المحدد، ومع ذلك كان المشرفون على المشروع يؤكدون دائما أن جميع المؤشرات تدل على أن الترامواي سينطلق في وقته المحدد وليس هناك ما يمنع من الالتزام بتاريخ 12 دجنبر 2012. وبدا يوسف اضريس في آخر حوار له مع «المساء» متيقنا من نجاح التجربة، وقال إن «جميع الشركات التي تشتغل في هذا المشروع تعمل بوتيرة ستمكن من الالتزام بالأجل القانوني وهو 12 دجنبر 2012، ولو شعرنا أنه سيكون هناك أي تأخير في إنجاز «الترامواي» لصرحنا بذلك منذ سنة تقريبا وليس شهورا قليلة عن موعد انطلاقه، لأن مثل هذه الأمور أصبحت متجاوزة». وأكد المدير العام لشركة الدارالبيضاء للنقل أن جميع الخطوات الحالية تؤكد أن المشروع سينطلق في وقته المحدد وكل ما يقال حول عدم الالتزام بالموعد القانوني هو مجرد مغالطات، وزاد قائلا: «هناك تتبع يومي لكل الأشغال احتراما للموعد المعلن عنه قبل بداية الأشغال.
الترامواي يغير مساره وتحدث عن الأسباب التي جعلت «الترام» يغير مساره نحو كورنيش عين الذئاب، وقال في هذا السياق « مع انطلاق الأشغال اكتشفت الشركة أن مرور «الترامواي» من شارع أفغانسان سيحدث أزمة على مستوى التنقل في هذا الشارع بحكم وجود مجموعة من أصحاب الطاكسيات وكذا لصغر مسافة الشارع، وبعدما قررت الشركة تبني هذا القرار اقترحته على مجلس مقاطعة الحي الحسني ومجلس المدينة فرحبا بهذا المقترح». وأضاف يوسف اضريس أنه إذا كان هناك أي تأخير في هذا المشروع فسيمس بالأساس المسائل المتعلقة بالتهيئة الحضرية، خاصة في بعض المقاطع الموجودة في الحي الحسني والحي المحمدي...ولا يتعلق مشروع الترامواي بإحداث وسيلة نقل جديدة للبيضاويين، بل تم استغلال هذا المعطى من أجل إعادة التهيئة الحضرية لمسافة 30 كيلومترا، وتجديد الأرصفة وتعبيد الشوارع وإحداث بعض الساحات، كما هو الحال بالنسبة لساحة الأممالمتحدة وسط المدينة وساحة محطة المسافرين. رد الاعتبار إلى شارع محمد الخامس وكان العمدة محمد ساجد كلما وجهت إليه الأسئلة حول التهميش الذي يعرفه شارع محمد الخامس يرد بلغة حازمة «إن الترامواي سيعيد الاعتبار إلى شارع محمد الخامس ووسط المدينة». وبالفعل تمكن هذا المشروع من مصالحة البيضاويين مع الشارع الذي كانوا قد هجروه لمدة طويلة، فتمت إعادة صباغة جدران العمارات وإدخال إصلاحات على مكان بيع الأسماك في مارشي سنطرال، لكن لايزال فندق لنكولن النقطة السوداء في هذا المشروع، وفي هذا السياق» يقول مصدر ل «المساء»: لقد اقتربت ساعة الحسم بالنسبة لفندق لينكولن» دون أن يقدم هذا المصدر تفاصيل أخرى حول هذه القضية. لماذا الترامواي؟ وبمجرد الإعلان عن دخول الدارالبيضاء تجربة «الترامواي» فتح نقاش حول أي وسيلة جماعية صالحة للدار البيضاء، وتبين في خضم هذا النقاش أنه في أي مدينة بالعالم يكون عدد مستعملي وسائل النقل الجماعية حوالي 100 ألف راكب، فإنه من الممكن جدا أن تفي الحافلات بهذا الغرض، وعندما يكون عدد الركاب يفوق 100 ألف ففي هذه الحالة تصبح الضرورة ملحة لإنجاز «الترامواي»، ومن خلال هذا النقاش تبين أن «الترامواي» وحده لن يحل مشكل التنقل في العاصمة الاقتصادية، خاصة أن عدد سكان المدينة يفوق 4 ملايين نسمة، لكن ما هو الحل؟ تتساءل «المساء». العديد من المراقبين للشأن المحلي، يؤكدون أنه حينما تقرر إنجاز خط الترامواي الحالي فإن ذلك لم يشكل نهاية المطاف، بل فقط حلقة في سلسلة مشاريع أخرى، حيث سيتم إنجاز خطوط أخرى للترامواي إضافة إلى القطار الجهوي دون إغفال أهمية إحداث ميترو، وهو الأمر الذي يزكيه المسؤولون المحليون المتعاقبون على المدينة، الذين يعتبرون أن الترامواي وحده لن يحل المشكل وهو ما يستدعي إحداث منظومة متكاملة من وسائل النقل الحضري، وبالنسبة إلى العمدة محمد ساجد القضية تحتاج إلى 60 مليار درهم إذا أرادت الدارالبيضاء أن تحل مشكل النقل الحضري. التسعيرة المنتظرة حينما دخلت المدينة مرحلة العد العكسي وتبين أنه سيكون هناك احترام للموعد المعلن عنه بدأ الكثير من البيضاويين يتساءلون عن ثمن الركوب. وبعد جدل كبير حول التسعيرة، صادق أعضاء المكتب المسير على المبلغ الذي تم تحديده من قبل المكتب المسير قبل أيام، وهو 6 دراهم، ومباشرة بعد اتخاذ القرار النهائي بخصوص التسعيرة تدخلت أطراف على الخط، مؤكدة أن التسعيرة الحقيقية ليست 6 دراهم ولكن أكثر بذلك بكثير، وفسرت هذه الجهات هذا الأمر بأن الدولة ستقدم دعما سنويا يصل إلى ما يزيد عن 10 ملايير سنتيم للشركة المسيرة لمرفق «الترامواي»، وذلك لإحداث توازن مالي لهذه الشركة، على اعتبار أن ستة دراهم لا يمكنها أن تغطي حجم مصاريف الشركة، ما يعني أن الدولة ستضطر من جديد إلى تقديم دعم لضخ دماء جديدة كل سنة في شرايين الشركة المسيرة للترامواي، كما هو الحال بالنسبة لشركة «نقل المدينة». وكانت هناك مجموعة من الاقتراحات بخصوص تسعيرة «الترامواي»، حيث تم تداول مجموعة من المبالغ من بينها سبعة أو ثمانية دراهم إلا أنه في الأخير تم تقرير ستة دراهم، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن بعض أصحاب الطاكسيات انتفضوا ضد هذه التسعيرة، معتبرين أنه كان بالإمكان خفض هذه التسعيرة إلى حدود 4 أو 5 دراهم، مادام الأمر يتعلق بوسيلة نقل جماعية، وقال المصدر ذاته إنه «خلال الحديث عن مشروع الترامواي في الدارالبيضاء قبل انطلاق أشغاله كان البعض يتحدث عن أن تسعيرته لن تتجاوز 4 دراهم كأحد أقصى، لأن هذه الوسيلة تعد واحدة من وسائل النقل الجماعي، وأنه لا يجب أن تتجاوز تسعيرته هذا المبلغ»، وأضاف أنه كان من المرجح تخصيص تسعيرة تنسجم والمدخول اليومي لعموم المواطنين، من أجل تشجيعهم على الإقبال على هذه الوسيلة، خاصة أنه تم إنجازه لتخفيف الضغط على حافلات النقل الحضري. ويشعر مجموعة من أصحاب الطاكسيات بما يشبه «الغيرة» من الترامواي»، فقبل أن تنطلق عجلاته نظموا وقفة احتجاجية في مقاطعة الحي المحمدي بدعوى أنه لا تتم الاستشارة معهم بخصوص القضايا المرتبطة بالنقل الحضري، مؤكدين أن هذا المشروع يشكل خطرا محدقا على المدخول اليومي لسائقي الطاكسيات، بسبب التنسيق والتكامل الذي سيكون بين حافلات النقل الحضري والترامواي ، موضحين أن ذلك يشكل خطرا على القطاع وينذر بانقراضه. سبق الإصرار والترصد حكاية الدارالبيضاء مع «الترامواي» ابتدأت رسميا في 2004 ولن تنتهي في هذه السنة، لأن هناك نية في إحداث خط ثان وثالث، لتدخل الدارالبيضاء عصر «الترام»، وإذا كانت المدينة تأخرت قبل إنجاز الخط الأول ل الترامواي، «فالوقت ليجا الخير ينفع» على رأي العديد من سكان المدينة، الذين ضاقوا ذرعا من استعمال حافلات تحط من كرامتهم بشكل يومي مع سبق الإصرار والترصد.
مشروع الترامواي.. هل من مزيد؟ ينتظر البيضاويون، كما عموم المغاربة تاريخ ال12 من دجنبر 2012 لانطلاق مشروع الترامواي. لماذا عموم المغاربة، الجواب بسيط لكون العاصمة الاقتصادية، بدون مبالغة، هي القبلة المفضلة والوجهة الأولى، مقارنة مع باقي المدن المغربية، لأبناء الوطن من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه ومن قراه ومداشره. مشروع بلغت كلفة إنجازه 640 مليار سنتيم، موزعة على عدة مؤسسات. إذ ساهمت الدولة بمبلغ 1.2 مليار درهم (120 مليار سنتيم)، والمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية بمبلغ 1.5 مليار درهم (150 مليار سنتيم)، ومجلس المدينة وشركاء آخرون بمبلغ 900 مليون درهم (90 مليار سنتيم)، بينما ساهم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ب 400 مليون درهم (40 مليار سنتيم)، على أن تعبأ 2.4 ملايير درهم (240 مليار سنتيم) من خلال قروض مضمونة من طرف الدولة وجماعة الدارالبيضاء. ويبدو أن إنجاز هذا المشروع الحيوي، وإن جاء متأخرا، حرك سواكن الاستثمار الجاد والمعقلن، بالرغم من النواقص والاختلالات التي تعتريه بين الفينة والأخرى، وأعطى انطباعا بالتفاؤل من جدية الإرادة السياسية في الفعل والتطبيق. ويكفي أن نذكر أن الأشغال لم تنطلق إلا في شهر مارس من السنة الماضية، بمعنى أن مدة إنجاز أكبر خط ترامواي في العالم لم تتجاوز ال22 شهرا. وتعلق البيضاويات والبيضاويون آمالا وانتظارات عريضة على انطلاق الترامواي، لعل من أهمها : تخفيف العبء المالي الذي يمس جيوبهم يوميا خلال معركة البحث عن وسيلة تنقل داخل الدارالبيضاء، والتطلع لخدمات تليق بالبيضاويين في مجال النقل يخفف عنهم المعاناة اليومية والمآسي مع أسطول النقل في المدينة، لاسيما الازدحام وغياب الأمن وضعف الخدمات. ومن الآمال التي يعقدها البيضاويون كذلك على الترامواي، سهولة التنقل بين هوامش الدارالبيضاء ومركزها في مدة قصيرة وبتكلفة بسيطة، بحيث يمكن أن يتنقل البيضاوي من المناطق الضاحوية إلى مركز المدينة أو إلى منطقة العنق في مدة زمنية قصيرة. وهو الأمر الذي سينعكس إيجابا على حياته، فضلا عن التخفيف من تلويث سماء الدارالبيضاء مقارنة مع وسائل النقل الأخرى. وبقدر ما يعقد المسؤولون والمواطنون آمالا كبيرة على خط الترامواي للتخفيف من معاناتهم اليومية مع وسائل النقل الأخرى، تتخوف فئات كثيرة من التهديد الذي باتت تستشعره من هذا «الثعبان الضاري»، الذي قد يضر بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم، خصوصا أصحاب الطاكسيات الكبيرة والصغيرة وأصحاب بعض المحلات التجارية التي تضرر نشاطها التجاري بفعل مرور الترامواي من أمامها، وكذا تلاميذ المؤسسات العمومية الذين يضطرون إلى قطع مساره صباحا ومساء. هذه الإيجابيات التي أشرنا إليها سلفا، تصطدم بواقع اجتماعي واقتصادي يفرض على السلطات المركزية ومجلس المدينة أن يبلور تصورا شاملا ويضع استراتيجية معمقة استعجالية لمجال النقل، إذ لا يمكن لمدينة «غول» من حجم العاصمة الاقتصادية أن لا تتوفر على مخطط للنقل والتنقل. وهنا نتحدث عن فعل السلطة المنظمة للتنقلات الغائب الأكبر، وهل أعدت تصورا شاملا يواكب إنجاز وعمل الترامواي، وكذلك مخططات التنمية الجماعية التي تضع ملف النقل من بين أهم المحاور الكبرى التي يجب أن تعطاه الأولوية. بمعنى أنه عندما نضع تصورا لمثل هذه الخطوط يجب أن نستحضر فيه جميع المحاور والمجالات. فمثلا في المجال الاجتماعي يجب أن نبحث عن حلول بديلة للأشخاص الذين سيتضررون والذين يعيلون آلاف الأسر كأصحاب الطاكسيات الصغرى والكبرى وأصحاب المحلات التجارية والمهن المجاورة لمسار الترامواي. إن البيضاويين قلوبهم مع انطلاق أول خط «ترامواي» في مدينتهم، وعيونهم تترقب الشروع في إنجاز الخطين الآخرين لإنقاذهم من مأساة ومعاناة وويلات قلة وسائل النقل وازدحام حركة السير والجولان.. عبد الغني المرحاني نائب رئيس مقاطعة سيدي مومن