مباحثات مغربية بحرينية لتعزيز التعاون في مجالات التنمية الاجتماعية    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المساء» تكشف معاناة نساء «ضحايا» مدونة الأسرة
العنف والطرد من بيت الزوجية والحرمان من المتعة وتزويج المغتصبة من الجاني.. أبرز الثغرات التي تعتريها
نشر في المساء يوم 04 - 12 - 2012

«باراكا ماتعنفوني، جا الوقت لقانون إطار يحميني»- جمعية صوت النساء المغربيات بأكادير- «وقف ما تحرش بيا متساويين
في الكرامة والحرية» - جمعية فضاء المستقبل بالبيضاء- شعارات وأخرى، رفعتها فعاليات المجتمع المدني المغربية بمناسبة 25 نونبر (اليوم الوطني لمكافحة العنف ضد النساء) منددة بكل أشكال العنف الممارس ضد المرأة، بشتى أنواعه، حيث استقت «المساء» قصصا ليست من نسج الخيال، إنما أمر واقع، من خلال رسائل توصلت بها عبر بريدها الإلكتروني، تبين ما يحصل ويتكرر لنساء في مجتمعنا المغربي، من دون أي مراعاة لكون الطرف المستهدف قد يكون أما ، أختا وابنة، وبغير اكتراث، لما قد يخلفه ذلك من معاناة، لها أبعاد قانونية، دينية، مجتمعية ونفسية، تتعلق بالمرأة التي ما تزال ضحية لمجتمعها، الذي ظنته سينصفها وخاصة مع تطبيق مدونة الأسرة، لتستمر معاناتها التي تبدأ ولا تنتهي.
كشف بحث ميداني، قامت به المندوبية السامية للتخطيط خلال الفترة الممتدة من يونيو 2009 إلى يناير 2010، في مجموع التراب الوطني، هم 8300 امرأة، أن ظاهرة العنف ضد النساء أصبحت متفشية، بالنظر إلى عدد النساء اللواتي يتعرضن له، واللاتي يقدر عددهن ب 6 ملايين من أصل 9.5 ملايين امرأة، تتراوح أعمارهن مابين 18 و64 سنة، أي ما يعادل62.8% بمعدل يزيد عن %12.7 (عنف جسدي) في الوسط الحضري مقارنة بالعالم القروي، ونسبة %35.4 (عنف جنسي)، والعنف النفسي ب% 7.8.
وسبق لوزارة العدل، أن أعلنت بأن المحاكم المغربية نظرت سنة 2007 في 41 ألف قضية عنف ضد المرأة، وتلقت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء أكبر عدد من هذه القضايا، بلغ مجموعه 28 ألفا و375 قضية، منها سبع قضايا قتل عمد، وأكثر من 15 ألفا و597 حالة عنف ناتج عنها عجز يفوق مدة 20 يوما ،و465 اغتصابا ناتج عنه افتضاض، و90 حالة استغلال جنسي، و27 استغلالا جنسيا في إطار شبكة منظمة، و331 قضية من نوع التغرير بامرأة متزوجة، و19 شبكة لتهجير النساء. أما عدد المتابعين في هذه القضايا فتجاوز 42 ألف شخص، عالجت استئنافية البيضاء ملفات أكبر عدد منهم أكثر من 28 ألف حالة، متبوعة باستئنافية الرباط بحوالي ألف و837 حالة.
أرقام نعتها المتابعون بالمخيفة، وتعكس خطورة الظاهرة وتفشيها في المجتمع، خاصة أنها تتخذ أشكالا متعددة، من طرد من بيت الزوجية واستعمال لبيت الطاعة، كورقة للضغط على المرأة وحرمانها من حقها في النفقة، حين رفضها الامتثال لحكم يقضي بالعيش بالإكراه مع الزوج وأيضا تزويج القاصرات والمغتصبات من الجناة.
عنف ، طرد واستغلال، يتم في ظل مدونة، اعتقدت المرأة في لحظات أنها ستنصفها وترحمها من ويلات الغبن القانوني والمجتمعي الذي كان يطالها، لكن دخلت المدونة حيز التطبيق واستمرت معاناة النساء في ظلها باستغلال ما احتوت عليه من ثغرات قانونية.
نامت في السيارة عند الكرديان
(خ.د)، (ربة بيت وأم لثلاث بنات)، أكدت في نص رسالتها التي بعثت بها إلى البريد الإلكتروني ل«ملحق أسرة» أن أشد ما آلمها حين طردها زوجها من البيت إثر شجار دار بينهما ، «هو عدم خوفه عليها من ويلات فعلته ولا مبالاته لسنوات العشرة، التي امتدت بينهما أكثر من إثنتي عشرة سنة».
وتفسر: «لقد غضب مني زوجي لسبب تافه، يرتبط بالتصرف في مبلغ مالي بدون استشارته، فكان أن طردني من البيت، أمام بناتي، اللواتي عجزن عن مساعدتي خوفا منه».
وتستعيد (خ.د)، ذكريات يستعصي عليها نسيانها، وتذكر تفاصيلها بحرقة، تبينها كلماتها التي ضمنتها سطور رسالتها الإلكترونية، تقول: «صرخ في وجهي ونعتني بأقبح الصفات وردد أكثر من مرة، «خذي حوايجك أو غبري علي كمارتك»، بالرغم من علمه بأني يتيمة ولا أحد لدي لألجأ إليه، حيث يستقر جل إخوتي بالخارج».
تروي (خ.د) أنها خرجت من البيت في ساعة جد متأخرة من الليل، ولم تجد غير «الكارديان» الذي توسلت إليه أن يتركها تبيت إلى الصباح في إحدى السيارات المرابضة في الحي، وفي الصباح اتصلت ببناتي اللواتي لم يجدن من سبيل للتضامن معي غير البكاء».
وتتابع «ذهبت بعدها إلى إحدى الجمعيات النسائية في مدينة البيضاء فنصحوني برفع دعوى قضائية ضده، فلم أجرؤ على ذلك، خوفا من تبعات الأمر على بناتي، اللواتي أجبرن والدهن على إرجاعي والاعتذار مني، بدعوى أنه الرجل في البيت وأراد من فعلته، تلقيني درسا في الطاعة» وتختم «عدت إلى البيت منكسرة وذليلة، ولم يكن يشفع لي غير إحساسي بتذمر بناتي اللواتي أصبحن يخفن من والدهن بشكل مريب، متسائلة في نهاية رسالتها عما إذا كانت مدونة الأسرة تحميها من زوجها إن أعاد الكرة و طردها من بيتها إلى الشارع.
القانون لا يحمي المرأة
«القانون لايحمي المرأة».. كلمات لم تفارق شفتي )س. ن( التي لم يخطر ببالها يوما، أن يطردها زوجها من بيت شهد على أفراحها وأحزانها، فقد راودتها كل الاحتمالات، توقعت أن يشتمها كما يفعل دائما، أو حتى يضربها، ولكن أن يطردها من البيت،»فهذا ما لم أتوقعه أو أحلم به يوما» توضح (س. ن) التي تستعيد تلك اللحظات بكثير من الألم، تشيح بنظرها إلى الأرض في محاولة لإخفاء دموعها، وتقول: « فحتى عندما وصل النزاع بيننا أقصاه، فلم أتوقع البتة من زوجي أن يطردني من المنزل، إلا أنني فوجئت به، وقد أمسك بذراعي بقوة، ودفعني خارج البيت، هذا الأخير الذي أغلق بابه بإحكام وهو يردد بأعلى صوته «سيري بحالك ما بقيتش بغيتك».
بحسرة لافتة تتذكر (س. ن) تلك الليلة، قائلة إنها طرقت الباب عشرات المرات، وهي تستعطف زوجها بأن يتراجع عن فعلته ويصون شرفها بوصفه شرفه، لكن الزوج الغاضب، أطفأ أضواء الشقة جميعها ولم يرد عليها بحرف واحد وذهب للنوم، غير مكترث لأمرها، فاستنجدت بإحدى الجارات التي أدخلتها إلى حين بزوغ شمس الصباح، لتتوجه إلى إحدى الجمعيات التي تبنت قضيتها ورفعت دعوى، صدر فيها حكم بإرجاعها إلى بيت الزوجية، غير أن الزوج رفض الامتثال من دون أن تتمكن من نيل حقها في العودة إلى بيتها، ولا حفاظا على كرامتها كزوجة رمي بها ليلا، بقميص النوم من دون أدنى ضمانة قانونية لحقوقها الإنسانية.
تزويج المغتصبة من الجاني
أمينة الفيلالي ذات ال 15 سنة، والتي انتحرت مؤخرا، بابتلاع سم الفئران بعد ستة أشهر فقط من إجبارها على الزواج ممن اغتصبها، وكذا للاتهم حليم، السعدية جلون وآخرهن فتيحة التي قتلت مغتصبها دفاعا عن شرفها وكرامتها.
أسماء كثيرة لفتيات، يتضمنها أرشيف مراكز الاستماع لمختلف الجمعيات النسائية في ربوع المملكة، والتي تتضمن معاناة فتيات أجبرن على الزواج، ممن استحلوا شرفهن وعبثوا به، ليجدوا أنفسهن مكرهات على العيش معهم، بدلا من العقاب على فعلتهم، والسبب مرده إلى رغبة الأهل في التخلص من وصمة العار التي توصم بها الفتاة؛ المغتصبة والأسرة بعد الحادث، ليتم غسل العار بتوثيق الزواج، تفاديا للشائعات وروايات القيل والقال التي تصدر من الأهل والجيران، حيث يحولون المغتصبة إلى جاني وليس مجنيا عليها، وتتم محاسبتها بنظرة دونية، لا تتخلص منها في نظر الأسرة إلا برباط الزواج، الذي يجعل الضحية تعاني مرتين، لارتباطها بمن انتهك شرفها وغير مسار حياتها، استجابة لرغبة جنسية قاتلة.
بيت الطاعة والحرمان من النفقة
يهددني ببيت الطاعة ، بالرغم من أنه طردني من البيت، لكني وأملا مني، في أن ينصلح حال زوجي الذي أنجبت منه طفلين، لم أرفع دعوى قضائية ضده، بالرغم من عدم إنفاقه عليهما، لما يزيد عن السنة والنصف، تقول سناء التي وافت الجريدة برسالتها الإلكترونية طالبة يد العون والمساعدة القانونية «أنا خائفة أولا من قرار العودة بحكم من المحكمة ، حيث سيعتبر الأمر انتصارا له، وإذلالا لي، حيث سيستمتع بإهانتي والنيل من كرامتي، كما كان يفعل في السابق، وثانيا إذا لم أنفذ حكم المحكمة، فستسقط عني النفقة وذلك ما يريده زوجي من خلال سلكه لهذه المسطرة القانونية».
ونفس الحسرة حملتها رسالة سعاد التي نفذت حكم المحكمة، القاضي برجوعها إلى بيت الزوجية، موضحة «طلبني لبيت الطاعة، وحينما عدت مكرهة إلى البيت، أذاقني من المعاناة أشدها، ليطردني مرة أخرى من بيت الزوجية ويطلبني في بيت الطاعة، لأجد نفسي محرومة من النفقة، وتضيع حقوقي بسبب استغلال زوجي للفلتات التي جاءت بها مدونة الأسرة، مع العلم أني حاصلة على الإجازة في الأدب العربي، غير أني فضلت التفرغ لتربية أبنائي ورعاية زوجي وأطفالي الثلاثة، لأجد نفسي في نهاية المطاف، ضحية تلاعبات زوج ماكر، لا يخاف الله واستعان بمقتضيات قانونية، كفلت له الحق وأضاعت حقوقي.
باع بيت الزوجية وادعى نشازي
أما معاناة حنان، فلا تختلف كثيرا عمن سبقنها، حيث استغل زوجها مرضها، ليبيع بيت الزوجية ويشردها وطفلها الصغير، وجاء في رسالتها الإلكترونية «ذهب بي زوجي إلى بيت والدتي، بعدما أصبت بانهيار عصبي، جعلني عاجزة عن القيام بواجباتي الأسرية ورعاية طفلي الصغير، الذي لم يكن يتجاوز سنه آنذاك السنتين، لأجد نفسي وإياه في الشارع، بعدما قام زوجي ببيع بيت الزوجية، بالرغم من مساهمتي فيه ماديا، وحينما التجأت إلى محكمة الأسرة من أجل الاستفسار، واجهوني بأنه في غياب الحجة عن المبلغ الذي ساهمت به في اقتناء بيت الزوجية، فلا يحق لي البقاء فيه مادام أن ملكيته تعود للزوج، هذا الأخير الذي من حقه قانونا التصرف فيه ببيعه متى أراد.
تألمت كثيرا، تقول حنان في رسالتها؛ بكيت وانهمرت دموعي، حيث وجدت نفسي ضحية رجل استغل ثقتي به، ليرمي بي وطفلي الصغير في منتصف الطريق، وأضطر لمغادرة بيتي الذي سهرت على تزيينه وترتيب أثاثه، وأصبح غريبة بين جدرانه، بل ومطالبة بإخلائه لمالكه الجديد.
إذا كانت الشهادات سابقة الذكر، هي شهادات واقعية لنساء فضلن البوح بمعاناتهن من خلال مراسلة الجريدة في بريدها الإلكتروني طلبا للاستشارة القانونية أو المساعدة النفسية، فإن ملفات المحاكم ومراكز استقبال النساء، المخصصة لهذا الغرض، تضم الكثير من الحكايات المماثلة، التي تتحدث عن معاناة نساء من مختلف الأعمار مع الرجل،سواء كان أخا، زوجا، زميلا في العمل أم أبا.
رأي القانون
أكد عبد المولى عسلاوي (محام في هيئة الرباط) على أنه لابد من الإشارة إلى أن أي قانون وضعي تتخلله ثغرات وضعف، وفيما يتعلق بمدونة الأسرة، فلم تستطع تلبية جل الانتظارات، لكونها اصطدمت بالواقع، وبالتالي فالاستجابة كانت جزئية، ليس لضعفها، وإنما لكون المطالب التي كانت تنادي بها الحركات النسائية، غالبا ما كانت تتجاوز السقف، وتتصادم مع الشريعة الإسلامية ولايمكن تحقيقها، ومن ثمة فالمدونة يحكمها ما هو ديني أكثر، وأي مطلب يصطدم مع الدين، شخصيا لا أوافق عليه، وهذا لا يعني أنها لم تأت بمستجدات مهمة في صالح المرأة المغربية والرجل أيضا والأبناء.
مضيفا في حديثه ل»المساء» أن هناك بعض النواقص التي يمكن تداركها بتدخل تشريعي على سبيل المثال لا الحصر المواد 41، 53 والمواد المرتبطة بالتطليق للشقاق ( 94-95-96-97 ).
ففيما يرتبط بالمادة 41 والتي تتحدث عن الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية، فإنه يمكن بالموازاة مع عقد الزواج، إبرام عقد يهم تدبير الأموال المكتسبة، أثناء قيام الزوجية، إلا أن غالبية الزوجات لا يجرؤن على اقتراح العقد الموازي لعقد الزواج، مخافة أن يكون سببا لفسخ هذا الأخير قبل إبرامه، لكن وحين وقوع مشاكل قد تؤدي إلى انتهاء العلاقة الزوجية، كحصول التطليق أو طلب الطلاق، تجد المرأة نفسها مجبرة على سلك مسطرة الكد والسعاية باعتبارها ساهمت خلال مدة الزواج في تحسين وضعية زوجها المادية، مطالبة بإثبات ( قيمة المساهمة)، لكن وفي الغالب لا تحصل على شيء، ومن ثمة فالمادة 41 تبقى حبرا على ورق، وهو ما يجعل الملفات التي قدمت في هذا الباب قليلة جدا.
وأيضا المادة 53 والمتعلقة بالطرد من بيت الزوجية والذي تتعرض له غالبية النساء، خاصة حينما يكون البيت في ملكية الزوج، وبعد مرور فترة من الزواج، تجد المرأة نفسها خارج بيتها، الذي تطرد منه ، مما يزيد من معاناتها خاصة إذا كانت يتيمة وليس لديها أحد تلجأ إليه، حيث تضيع أغراضها، وكل ما تملكه، ولا يتم الفصل بهذا الخصوص ما بين الأزواج إلا بأداء اليمين.
وفي هذه الحالة تتقدم المرأة بشكاية إلى وكيل الملك، بحيث يتم إرجاعها إلى بيتها بواسطة الضابطة القضائية والمشرع يتخذ جل التدابير الكفيلة لحمايتها فعلا، لكن يمكن للزوج أن يمتنع ويرفض الامتثال للحكم، مستغلا غياب الجزاء عن فعله المخالف لحكم المحكمة، مما يجعل الحكم غير ذي إلزامية قانونية، لغياب الجزاء في حالة الامتناع.
وأيضا التطليق للشقاق وخاصة فيما يتعلق بالحكمين وجلسات الصلح التي تعقدها المحكمة من أجل إصلاح ذات البين بين الزوجين، والتي تعتبر مسطرة إجبارية، بأن يأتي الزوج بحكم من أهله والزوجة بحكم من أهلها، واللذين غالبا ما يكونا طرفا في النزاع، وبناء على ذلك، فإنهم يتخذون موقفا لا يميل إلى تقريب وجهات النظر أو الصلح بين الزوجين، ومن ثمة فالحكمان يكونان غير مؤهلين لإدارة الصلح وفض النزاع، بل قد ينتجان نهاية قريبة للأسرة وليس صلحا، إلى جانب اعتبار مسطرة الصلح شكلية، حيث يأخذ الحكمان مهلة لا تقل عن شهر، بغية إصلاح ذات البين، لكن ما يحدث أنه في الغالب الأعم، يكون الحكمان متنازعين، ويقومان بإحياء المشاكل، لهذا فلو أن المسطرة، اتجهت من أجل تفعيل الصلح فعليا لكان ذلك سيتم عن طريق خلق مجلس للحكماء يتكون من أخصائيين من مختلف التخصصات (الطب النفسي، الاجتماعي وغيرهم..) من أجل إيجاد حل منتج، حيث إن أصل أي مشكل زوجي، هو غياب الحوار والاستماع لوجهة نظر الطرف الآخر باحترام، وأيضا التنازل من أجل استمرار
لأسرة.



تعتبر عائشة سكماسي (المديرة التنفيذية لجمعية صوت النساء المغربيات بأكادير) أن رفع التحفظات مازال مطلبا ملحا لمختلف الفعاليات النسائية والحقوقية، لأن التمييز القائم على النوع الذي تعاني منه المرأة في جميع المجالات، بدءا بالتوزيع النمطي للأدوار وتكريس النظرة الدونية في المجتمع وفي سائل الإعلام والكتب المدرسية... يجعلهن عرضة لمختلف أنواع وأشكال العنف المادي والمعنوي والجسدي، والنفسي، والجنسي، والاقتصادي، والثقافي .
سكماسي: المدونة بها ثغرات قانونية ونطمح إلى أخرى منصفة للمرأة
- وأنتم تحتفلون باليوم الوطني للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يصادف 25 نونبر من كل سنة هل تسجلون طفرة نوعية بخصوص مطالبكم النسائية بهذا الخصوص؟ وما هي الوسائل التي ترونها كفيلة للقضاء على مختلف أشكال العنف؟
يقتضي القضاء على العنف ضد النساء، توفير الحماية اللازمة لهن بسن قوانين زجرية في حق المعتدين والعمل على عدم إفلاتهم من العقاب، والنهوض بأوضاع النساء في جميع المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وترسيخ قيم وثقافة المساواة داخل المجتمع واحترام الكرامة الإنسانية للمرأة وتمكينها من حقها في الصحة والتعليم والسكن والمساواة في أماكن العمل، بالإضافة إلى تجريم التحرش الجنسي وتوفير الحماية للضحايا.
- في رأيكم هل عجزت مدونة الأسرة عن حماية المرأة وإنصافها مما تتعرض له من أشكال مختلفة من العنف وما مواطن ضعفها القانونية؟
بالنسبة لنا كنساء وفاعلات جمعويات، فمدونة الأسرة مكسب، ونتاج لنضال سنوات، عانت فيها المرأة من الحيف والظلم في ظل مدونة الأحوال الشخصية، التي كانت تعتبر مقدسة، ولا يمكن الخوض فيها، ولا حتى الحديث عن تغييرها إلى درجة أن من يجرؤ على ذلك، يتم التشكيك في انتماءاته الفكرية والثقافية.
وحين تحقق الهدف، سنة 2004 بخروج مدونة الأسرة إلى الوجود ، اعتبرنا ذلك انتصارا في حد ذاته، وتأكيدا على أن سنوات نضالاتنا، لم تذهب سدى، وكنا ننتظر أن تليه خطوات أخرى على مستوى التطبيق الفعلي لها ، لكن اصطدمنا حين مباشرتنا للعمل في مراكز الاستماع، بكون المدونة هي الأخرى، لها ضحايا لأن التنزيل الحقيقي لها لم يتم، بفعل غياب التوعية ببنودها واستيعاب الفلسفة من اعتمادها، وإزالة الضبابية التي لاتزال تكتنف العديد من موادها على مستوى التفعيل، إلى جانب احتوائها على ثغرات قانونية، تستغل ضد المرأة، مما يجعلنا كفعاليات المجتمع المدني مطالبين بالمزيد من النضال، فعلى سبيل المثال لا الحصر الفصل (53) المتعلق بالطرد من بيت الزوجية، فبالرغم من مصاحبة الشرطة أو الدرك الملكي للمرأة بغرض تنفيذ قرار المحكمة برجوعها إلى بيت الزوجية، إلا أنه لا تتم حمايتها مما قد يلحقها من عنف جسدي وغيره، نتيجة إكراه الزوج على إرجاعها إلى بيتها بالرغم من طرده لها، الشيء الذي يسفر عنه العديد من حوادث العنف التي قد تتطور إلى حد إنهاء حياة المرأة وأطفالها.
وأيضا الفصل (48) المتعلق باقتسام الممتلكات، حيث يتم المرور عليه من قبل العدول مرور الكرام، مما يجعل حقوق المرأة تضيع، نتيجة وجود فصول عدة في مدونة الأسرة قابلة للتأويل وغير واضحة، ثم تزويج القاصرات وما يخلف ذلك من ظلم للفتيات، حيث لم تفصل المدونة في الأمر وحددته في سن ال 18 سنة مع منح القاضي صلاحية منح الإذن من عدمه، ثم النفقة وضعفها وخاصة في حال عدم توفر الزوجة على شهادة أجر الزوج، التطليق للشقاق الذي يحرم المرأة في حال تقدمها به من المتعة؛ الشيء الذي يستغله الرجل بأن يساوم المرأة على حريتها، خاصة عند عجزها عن إثبات الضرر.
وكذا الفصل( 475 )من القانون الجنائي المغربي، الذي ينص على أن من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنها عن الثامنة عشرة، بدون استعمال عنف أو تهديد أو تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية تتراوح ما بين 200 و500 درهم، وهذا الفصل يشجع على جرائم الاغتصاب من ناحيتين : الأولى أنه يسمح للجاني بالإفلات من العقاب إذا قرر الزواج من الضحية، فالجاني يدرك، منذ البداية، أن الجريمة التي سيقدم عليها لها مخرج قانوني مضمون.
الناحية الثانية: تتعلق بنوعية العقوبة المتراوحة بين سنة و خمس سنوات، وهذه العقوبة في حد ذاتها تشجع على جريمة الاغتصاب لأنها تضمن للجناة، إما عقوبات مخففة لا تتجاوز في أغلبها سنة أو سنتين، أو الحصول على البراءة.
- ما السبيل في نظركم إلى تفعيل مدونة الأسرة لخدمة قضايا المرأة والطفل بوصفهما الأكثر تعرضا للعنف في المجتمع المغربي؟
أود التأكيد على أنه من الضروري، قبل وضع أي قانون أن يراعي المشرع حاجيات المجتمع، وإلا فإن وجوده يصبح كعدمه، إذا لم يضمن حقوق الفئة التي من أجلها تم وضعه، وكنا نرى باعتبارنا فعاليات المجتمع المدني في صدور المدونة طفرة مهمة، لنخلص فيما بعد إلى أنها ليست كذلك، بفعل غياب التوعية وخاصة لدى الممارسين لها، و منحت للقاضي صلاحيات تقديرية وأيضا هناك غموض يلف مجموعة من موادها القانونية، مما يطرح إشكالات قانونية كثيرة ما تزال في حاجة لسنوات أخرى من النضال، إذا رغبنا في تحقيق الإصلاح الفعلي الذي يخدم المرأة و الأطفال، بوصفهما أول مستفيد أو متضرر من القوانين، ولذلك نتوخى أن تكون لدينا مدونة اجتماعية تراعي مصلحة الأسرة بلم شملها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.