لا أعرف من هو أول من أطلق كلمة «بر الأمان» على البرلمان المغربي في العالم، ومع ذلك فهذه مناسبة لنتذكره ونحييه من هنا أينما كان ومع من كان، حتى ولو كان لوحده، لأن البرلمان فعلا تحول إلى بر للأمان، ولكن ليس اليوم فقط، بل منذ زمان. ورغم أنه يقال لنا إن المغرب دخل مرحلة جديدة بعد حركة 20 فبراير، فإن بعض البرلمانيين ما زالوا يعتبرون أن ذلك الرقم لم يوجد في الشارع بل فقط في مذكرة بوعياد، التي كنا نقطعها ونختصر الزمن لأن الوقت لا قيمة له في المغرب، حتى نقرأ الحكم الجميلة والقصص العجيبة التي تكون مكتوبة على ظهر الورقة. وقبل أسابيع، خطب الملك وطالب البرلمانيين بوضع ميثاق أخلاقي للنهوض بالممارسة البرلمانية، لكن أحد نواب رئيس مجلس المستشارين نهض بها بطريقته الخاصة في جلسة الأسبوع الماضي، ولم يتردد في توجيه كلمات غير لائقة إلى زميل له أمام الكاميرا في جلسة عمومية يشاهدها المواطنون، الذين يريدون تزجية الوقت الذي لا قيمة له في المغرب، وإذا كان بينهم من لا يزال يثق في السياسة بهذا البلد فسوف يصفع وجهه بيده ويطفئ التلفزيون. ويقول المجذوب: ولكن السؤال الذي يحيرني هو: هل تغير البرلمان بعد الدستور؟ ويرد الدغوغي: البرلمان جديد ولكن البرلمانيين قدامى. وهذه أول مرة أفهم لماذا لا يكتب السياسيون المغاربة، أي الذين يشتغلون في السياسة لا في شيء آخر، مذكراتهم. فهناك أشياء غريبة تفوق ما كنا نقرؤه في يومية بوعياد لا يستطيعون أن يكتبوها، ولو أن جميع السياسيين المغاربة كتبوا مذكراتهم «لتقربلت» الأمور في المغرب، وهذا هو السبب الذي يجعل المغاربة يقولون لبعضهم «الله يقربلها»، لأنهم ينتظرون من السياسيين أن يسجلوا مذكراتهم. وهناك طرائف كثيرة حصلت وتحصل في البرلمان المغربي، ومن العار ألا يتم تدوين هذا التراث السياسي لكي تطلع عليه الأجيال وتتعلم، وأنا أقترح على الصحافيين الدؤوبين على متابعة أشغال الجلسات البرلمانية، مثل صديقنا الخفيف أحمد الأرقام، أن يؤلفوا كتابا بعنوان «نوادر البرلمان» يضمنونه ما رأوه وسمعوه وهو كثير، على غرار «نوادر جحا»، لكي يبعثوا قليلا من الدعابة في نفوس المغاربة، خاصة وأن الكثير منهم يعاني هذه الأيام من الكآبة، لأن ما توقعوه من الحكومة الحالية كان أكبر، فالدعابة تطرد الكآبة. لكن الكآبة ستكون قوية لدى الفئات الاجتماعية البسيطة التي استبشرت بقرار الحكومة حول صندوق التضامن والمساعدات العينية، بعدما رأت أن البرلمانيين يتسابقون على إدخال التعديلات على مشروع قانون المالية الجديد الذي صودق عليه في جلسة عامة في الأسبوع الماضي في غياب 202 نائبا من أصل 395، لأن كلمة مجلس النواب أصلها من جملة «مجلس من حضر ينوب عن الباقي». التسابق على التعديلات انصب على البند المتعلق بالاقتطاعات من الأجور العليا لفائدة صندوق التضامن، حتى لا يشملهم هذا الإجراء وبالتالي تبقى أجورهم سليمة، وكأنهم يقولون لأنفسهم ما قاله سيدنا موسى للسامري: «فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس». ويقول المجذوب: يظهر أن بعض البرلمانيين يعانون من النسيان، ولذلك بدل أن يدافعوا عن مصالح الناخبين أخذوا يدافعون عن مصالحهم، بسبب مرض السهو السياسي المنتشر في المغرب، ويرد الدغوغي: ولكن المشكلة عندنا هي الهوس السياسي، لأن السهو عندنا بالمقلوب، ألم تسمع بأصحاب الحمار المقلوب؟ فرد المجذوب: لا، فقال الدغوغي: سكر رجلان مرة ليلا فركبا حمارهما، وفي الطريق هش الراكب الأمامي بعصاه على عنق الحمار فلم يجده، فقال لصاحبه في الخلف: لقد سقط رأس الحمار، فنزلا ليبحثا عنه فاكتشفا أنهما كانا يركبان على الحمار بالمقلوب ويسيران في الاتجاه المعاكس. وقد شوهد مؤخرا أحد النواب داخل الجلسة العامة وهو يلعب الورق على حاسوبه الشخصي، ولا بد أن هذا النائب يعرف أكثر منا نحن جميعا أن لا فائدة من متابعة جلسة برلمانية، ولذلك حاول أن يزجي الوقت الذي لا قيمة له في المغرب، وليس من المستبعد أن يكون قد هبط حديثا من مكة التي في المثل الذي يقول «أهل مكة أدرى بشعابها»، فلكل واحد مكته. ويسأل المجذوب مستغربا: ولكن ما هو حكم لعب الورق في مذهب الإمام مالك الذي نأخذ به في المغرب؟ ويرد الدغوغي: مباح ما لم يشغله عن الأعمال الصالحات وما لم يكن في قمار. ويستفسر المجذوب: وهل لعب هذا النائب الورق داخل الجلسة جائز؟ ويرد الدغوغي وهو يقرصه من أذنيه: جائز إن كان ذلك بين سؤالين ولم يكن في قمار.