يتناول هذا البحث النخبة التي تتولى إدارة الشأن المحلي بجهة الغرب الشراردة بني حسن.. هناك مجموعة من الفاعلين في التنمية الترابية (الدولة، المجتمع المدني، الجماعات الترابية، الغرف المهنية،...)، لكنني في هذه الدراسة سأركز على نوعين من المؤسسات المنتخبة: الجماعات الترابية الحضرية والقروية والغرف المهنية، وأساسا الغرفة الفلاحية لإقليمالقنيطرة. إن اختيار هذه المؤسسات راجع إلى مجموعة من العوامل، من أبرزها: - أهمية الاختصاصات التي أسندها المشرع إلى الجماعات الترابية؛ فالميثاق الجماعي خول الجماعات المحلية اختصاصات واسعة تتعلق بالتنمية الترابية، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو التفافية... ونفس الشيء بالنسبة إلى الغرف الفلاحية التي تتدخل في المجال القروي، وأساسا في الميدان الفلاحي من خلال الظهير الشريف رقم 281 – 62 – 1 صادر في 24 أكتوبر 1962 والذي تم تعديله بالظهير الشريف رقم 21 – 09 – 01 الصادر في 18 فبراير 2009. (هذا الظهير جمع الغرف الفلاحية في ست عشرة غرفة جهوية بدلا من سبع وثلاثين غرفة فلاحية، كان عددٌ لا يستهان به منها غرفا إقليمية)؛ - الإمكانات البشرية والمادية التي تتوفر عليها هذه الوحدات، وخاصة الجماعات الترابية؛ وهي إمكانات لا يستهان بها، بإمكانها المساهمة في حل إشكالية التنمية إذا ما تم استثمارها في إطار من الحكامة الجيدة. المؤسسات المنتخبة عندما نستعرض القوانين المنظمة لاختصاصات المؤسسات المنتخبة في بلادنا، سواء كانت جماعات ترابية أو غرفا مهنية، نجدها تمارس اختصاصات واسعة تجعل منها فاعلا أساسيا في التنمية المحلية. فالجماعات الحضرية والقروية، التي هي موضوع دراستنا، تتمتع باختصاصات متعددة وتشمل عدة مجالات، نذكر منها: - اختصاصات تتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية (المادة 36 من الميثاق الجماعي) الذي ينص على أن المجلس الجماعي يدرس ويصوت على مشروع المخطط الجماعي للتنمية. كما يضع برنامج تجهيز الجماعة في ما يخص التزود بالماء الشروب وتوفير الإنارة العمومية والتطهير السائل وجمع النفايات المنزلية والنقل الحضري... - اختصاصات تتعلق بالتعمير وإعداد التراب؛ ذلك أن المجلس الجماعي يسهر على احترام الاختيارات والضوابط المقررة في مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة والتنمية وكل الوثائق الأخرى المتعلقة بإعداد التراب والتعمير، كما يقوم بإنجاز البرامج السكنية أو المشاركة في تنفيذها... - اختصاصات تتعلق بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية المحلية، وخاصة ما يتعلق بالتزود بالماء الصالح للشرب والإنارة العمومية والتطهير، سواء كان صلبا أو سائلا؛ - اختصاصات تتعلق بالوقاية الصحية والنظافة والبيئة من تصريف ومعالجة المياه العادمة ومحاربة جميع أشكال التلوث والإخلال بالبيئة؛ - كما تعمل المجالس الجماعية على إنجاز وصيانة وتدبير التجهيزات الاجتماعية والثقافية والرياضية... الغرف الفلاحية: تمارس بدورها اختصاصات لا تخلو من أهمية تبعا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 281 – 62 – 1 الصادر في 24 أكتوبر 1962 وما أدخل عليه من تعديلات لاحقة؛ فالغرف الفلاحية تمارس اختصاصات عامة تتجسد في إبداء الرأي في السياسة الفلاحية التي تضعها الحكومة، فهذه الغرف تشارك في كل اللقاءات التي تنظمها الوزارة الوصية والتي تعالج فيها القضايا التي تهم الميدان الفلاحي. كما تتولى هذه الغرف، باعتبارها مؤسسات عمومية لها مالية خاصة بها، تسيير شؤونها بنفسها انطلاقا من كونها تتمتع بالشخصية المعنوية. وقد تعزز دور هذه الغرف بصدور الظهير الشريف رقم 21 – 09 – 01 الذي أشرنا إليه سالفا والذي وضع رهن إشارة الغرف الفلاحية إمكانات مالية وبشرية مهمة، مما أعطاها نفسا جديدا يسمح لها بأن تكون طرفا فاعلا في السياسة الفلاحية في بلادنا. إننا عندما نستعرض هذه الاختصاصات فذلك من أجل إبراز الدور الذي بإمكان المؤسسات المنتخبة القيام به في التنمية الترابية. لهذا يمكن أن نتساءل: هل قامت هذه المؤسسات بدورها كاملا في كسب رهانات التنمية؟ إن الإجابة عن هذا السؤال يمر عبر تشخيص واقع هذه الجهة، خصوصا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وهو التشخيص الذي سنستعرضه بشكل سريع، حيث إنه سبق لنا أن تناولناه في عدة دراسات، البعض منها نشر على صفحات هذه الجريدة.. ساكنة فقيرة في جهة غنية بالموارد تعاني هذه الجهة من اختلالات ترابية كبيرة؛ فالكل يعرف أن هذه الجهة تتوفر على مؤهلات طبيعية واقتصادية هائلة، فقد عرف سهل الغرب إنجاز أكبر مشروع وطني للري: ويتعلق الأمر بمشروع سبو الذي لعب دورا كبيرا في إدخال عدة زراعات صناعية، وبالتالي ظهور صناعة غذائية تتمثل في تشييد عدد من المعامل السكرية والحليب والأرز... كما تتميز الجهة بساحل بحري يمتد على مسافة 140 كلم من شأنه أن يساعد على ازدهار صناعة وأنشطة بحرية. كما تتوفر الجهة على مؤهلات أخرى تتمثل في موقعها الجغرافي والاستراتيجي وبنيتها الطرفية وثروتها المائية، سواء الباطنية منها أو السطحية... ورغم كل هذا فإن 20,5 في المائة من ساكنتها تعيش في ظروف تتميز بالفقر والهشاشة، أي أن شخصا واحدا من كل خمسة أشخاص يعيش تحت عتبة الفقر. هذا المعدل يفوق المعدل الوطني الذي يقدر ب14,5 في المائة، ويجعل من هذه الجهة أفقر جهات المملكة، حيث تحتل المرتبة الأخيرة بين جهات المملكة الست عشرة. كما توجد بالجهة عشر جماعات قروية، معدلُ الفقر فيها يفوق 40 في المائة، من بينها الجماعة القروية الحدادة التي يصل فيها هذا المعدل إلى 59,22 في المائة، علما بأن هذه الجماعة تعتبر أغنى جماعة في إقليمالقنيطرة بفضل ما تتوفر عليه من موارد مالية ذاتية، كما ترتفع نسبة الفقر في الوسط القروي لهذه الجهة إلى 26,4 في المائة. هذه المفارقة تدفعنا إلى طرح أكثر من سؤال: لماذا هذه الوضعية؟ ما هو دور المؤسسات المنتخبة في التصدي لهذه الظاهرة؟ ليس من السهولة الإجابة عن هذه الأسئلة التي نعتبرها أسئلة كبيرة وعميقة. لكن دراستنا هذه ما هي إلا محاولة لملامسة بعض عناصر هذه الإجابة، لكن من خلال التركيز على الهيئة المنتخبة التي تتولى إدارة الشأن المحلي. شروط تحقيق التنمية الترابية لا بد من الإشارة إلى أنه في ظل التحديات التي أصبحت تفرضها العولمة لم يعد التدبير المحلي، الذي يعد ركيزة أساسية في كسب رهانات التنمية المحلية، بالعملية السهلة، ذلك أن إشكالية التدبير الترابي في ظل احتدام المنافسة بين مختلف المجالات الترابية الجهوية والمحلية أصبحت تأخذ أبعادا أكثر تعقيدا. يقتضي هذا ابتكار أشكال جديدة في مجال التسيير قادرة على رفع التحديات التي تواجه إعداد التراب، سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي. ومن هذا المنظور، فإن حسن تدبير الشأن المحلي يتطلب توفير الكفاءات اللازمة القادرة على المعرفة الدقيقة لواقع الحال وبحث السبل الكفيلة بتجاوز الإكراهات التي تواجه التنمية الترابية مع مختلف الفاعلين. وبطبيعة الحال وانطلاقا من كل هذا، نطرح السؤال حول الإمكانات البشرية التي تتولى إدارة الشأن المحلي، وخاصة ما يتعلق بالمنتخبين؟ هل يتوفر هؤلاء على الشروط المعرفية والعلمية القادرة ليس فقط على بلورة مشروع ترابي يستجيب لانتظارات المجال المحلي، ولكن أيضا التكيف مع المستجدات والتحولات التي يعرفها المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي..؟ نطرح كل هذه الأسئلة لأن هناك ترابطا قويا بين رهان المعرفة ورهان المنافسة الترابية؛ فما هي الوضعية بالنسبة إلى جهة الغرب الشراردة بني حسن؟ منتخبون لا يستوعبون رهانات التنمية أفرزت الانتخابات، سواء المهنية أو الجماعية، التي عرفتها بلادنا يوم 12 يونيو 2009، وخاصة بجهة الغرب الشراردة بني حسن، هيئة منتخبة بخصائص سوسيو-ثقافية وسوسيو-مهنية متباينة، من أهمها: - الأمية: السمة البارزة للهيئة المنتخبة، سواء تعلق الأمر بمستشاري الجماعات الترابية أو بالغرفة الفلاحية؛ - على مستوى المستشارين الجماعيين وخلال الولاية الحالية يمثل المستشارون من مستوى تعليمي أقل من الابتدائي حوالي 47 في المائة من مجموع مستشاري الجهة و19 في المائة فقط من مستوى تعليمي جامعي (علما بأن كثيرا من المنتخبين يدلون بمعطيات خاطئة حول مستواهم الثقافي). ولا تقتصر ظاهرة الأمية على الجماعات الترابية وحدها بل تشمل المؤسسات المنتخبة الأخرى أيضا، وخاصة الغرفة الفلاحية؛ فخلال الفترة التشريعية 2003 – 2009 كان المجلس الإداري لهذه المؤسسة يتكون من 17 عضوا، عضوان فقط من هؤلاء من مستوى الثانوي والباقون منقسمون بين أمي (9 أعضاء) وذي مستوى ابتدائي (6 أعضاء). أكثر من هذا فإن ممثلها في البرلمان كان أميا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. مستوى معرفي لا يسمح بكسب الرهانات لا تنحصر إدارة الشأن المحلي في معالجة القضايا اليومية للمواطن، مثل تسليم شواهد الحالة المدنية أو المصادقة على التوقيع أو تسليم بعض الرخص... فإدارة التراب تتعدى هذا الإطار؛ فهناك قضايا وتحديات كبرى تواجه الإدارة الترابية، أصبحت تفرضها ظروف العولمة التي تتسم بالكثير من التنافسية الترابية، نذكر من هذه القضايا والتحديات: تفشي وتفاقم عدد من المظاهر الاجتماعية التي تتمثل في: الفقر، البطالة، الهجرة؛ تحديات ترتبط باستغلال الموارد الطبيعية، حيث إن المجالس الجماعية معنية بالدرجة الأولى بحماية هذه الموارد. وعلى هذا الأساس، فإن التصدي لهذه الإشكالات لن يكون إلا في إطار تصور ينطلق من فهم عميق ودقيق للواقع، وتوظيف الإمكانات المتاحة في إطار هذه الرؤية من أجل تأهيل المجال الترابي وتحقيق التنمية الترابية التي تضمن للمواطن العيش الكريم. ولن يتأتى هذا إلا ضمن شروط معينة تقوم بالأساس على حسن التدبير في إدارة الشأن المحلي والتي لا يمكن فيها الفصل بين عناصر الكفاءة والمعرفة التي صارت ضرورية في كسب رهانات التنمية؛ فكلما كان المستوى المعرفي للمنتخبين عاليا سهل على المجالس المحلية فتح آفاق واسعة للتنمية. باحث في إعداد التراب والتنمية المحلية