هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    أخبار الساحة    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحجمري : الأولوية ليست لجعل العربية لغة عالمية ولكن لكيفية جعلها لغة معاصرة
مدير مكتب تنسيق التعريب ل« المساء »: أي تخطيط لغوي لن يكون ناجعا في غياب سياسة لغوية فاعلة قادرة على تلبية حاجيات التنمية الوطنية
نشر في المساء يوم 23 - 11 - 2012

في حواره مع «المساء» يتحدث عبد الفتاح الحجمري، مدير مكتب تنسيق التعريب بالرباط، أحد الأجهزة الخارجية التابعة للمنظمة العربية
للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)عن المهمة التي يقوم بها هذا الأخير، ويقول إن مهامه تتجلى في وضع منهجية علمية لصناعة المعاجم الموحدة وباللغات الثلاث (العربية والفرنسية والإنجليزية)، كما أنه يعنى بتنسيق جهود الدول العربية في مجال تعريب المصطلحات العلمية والتقنية والقانونية، وتيسير سبل تداولها. ويضيف بأن العمل المعجمي الذي ينجزه مكتب تنسيق التعريب يستجيب للخطط التي تسطرها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.وبالنسبة للتخطيط اللغوي يقول إنه لن يكون هناك أي تخطيط لغوي ناجع ما لم يكن مصحوبا بسياسة لغوية فاعلة وقادرة على تلبية حاجيات التنمية الوطنية وترسيم استعمال اللغة العربية في التربية والإعلام والإدارة وشتى مرافق أجهزة الدولة. وأكد أنه ليس «مهما اليوم التفكير في كيف نجعل من اللغة العربية لغة عالمية، بل الأهمّ أن نفكر في الكيفية التي نجعل بها اللغة العربية لغة معاصرة».
- قليل من المغاربة يعرف أن هناك مكتبا لتنسيق التعريب في المغرب. لو تحدثنا عن هذا المركز والمهام المنوطة به؟
يعتبر مكتب تنسيق التعريب بالرباط أحد الأجهزة الخارجية التابعة للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، إلى جانب معهد البحوث والدراسات العربية ومعهد المخطوطات العربية بالقاهرة، ومعهد الخرطوم الدولي للغة العربية، والمركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق، وهو يعنى بتنسيق جهود الدول العربية في مجال تعريب المصطلحات العلمية والتقنية والقانونية، وتيسير سبل تداولها؛ علما أن المكتب أنشئ تنفيذا لتوصيات مؤتمر التعريب الأول بالرباط سنة 1969، وألحق في السنة الموالية بجامعة الدول العربية، ولما أنشئت الأليكسو سنة 1970 أصبح المكتب تابعا لها، وكان يسمى آنئذ «المكتب الدائم لتنسيق التعريب في الوطن العربي»، وأداره باقتدار المرحوم العلامة عبد العزيز بن عبد الله من سنة 1961 إلى حدود 1983، وتركز الاهتمام في هذه المرحلة التأسيسية على تعريب المقررات التعليمية وإعداد القوائم الاصطلاحية للمواد العلمية في الرياضيات والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا، وكذا علوم الحيوان والنبات والطبيعة، فضلا عن المصطلحات في مجال الإدارة وجميع مظاهر الحياة الحضارية في البلاد العربية. من هذا المنظور، تتجلى مهامّ مكتب تنسيق التعريب في وضع منهجية علمية لصناعة المعاجم الموحدة وباللغات الثلاث (العربية والفرنسية والإنجليزية) قبل عرضها على المجامع اللغوية العربية واللجان الوطنية للتربية والثقافة والعلوم وبعض الهيئات المختصة وعلى مؤتمر للتعريب قصد إقرارها، وبغاية تنسيق الجهود التي تبذل لإغناء اللغة العربية بالمصطلحات الحديثة وتوحيد المصطلح العلمي، وتتبع ما تنتهي إليه بحوث المجامع اللغوية العربية، وكذا إنشاء قاعدة بيانات اصطلاحية أو بنك مصطلحات. وما دام العمل المعجمي يتطوّر أسلوبيا وتقنيا ويعكس ثقافة عصره، فإن مكتب تنسيق التعريب يسعى في المشاريع التي هي اليوم معدة لمؤتمر التعريب الثاني عشر إلى تطوير طريقة عمله والانتقال من إعداد المعاجم الموحدة إلى إعداد المعاجم الموسوعية، وقد أشرف المكتب على إنجاز «المعجم الموسوعي لعلوم التربية» بمشاركة العديد من الباحثين والخبراء العرب.
- ماهي الأعمال والمشاريع التي قام بها؟ هل هي موجهة إلى عموم المتكلمين باللغة العربية أم إلى شريحة مختصة وضيقة؟
يصعب علي في هذا الحيز أن أقدم الحصيلة العلمية لما أنجزه مكتب تنسيق التعريب على امتداد خمسين سنة، وبما أن عمل المكتب يرتكز أساسا على اقتراح تصورات شمولية لإنجاز أعمال معجمية وفق قواعد محكمة، فإنه ينظم ندوات متخصصة حول المشروعات المعجمية الغاية منها توحيد وتحيين منهجيات وضع المصطلح وتطوير آليات الصناعة المعجمية المختصة، كما ينظم المكتب ورشات وحلقات دراسية لبحث كيفية مراجعة المعاجم وتدقيقها لغويا. وقد أصدر مكتب تنسيق التعريب إلى حدود اليوم 37 معجما موحدا (آخرها المعجم الموحد لمصطلحات التواصل اللغوي 2012) وهي مرتبة ترتيبا ألفبائيا انطلاقا من اللغة الإنجليزية، ومزودة بفهرسين عربي وفرنسي مرتبين ألفبائيا وبالتعريفات المناسبة. وتشمل هذه المعاجم العديد من الحقول العلمية، من بينها المعاجم الموحدة لمصطلحات اللسانيات والعلوم الإنسانية والفيزياء العامة والنووية والرياضيات والفلك والموسيقى وعلم الصحة وجسم الإنسان والآثار والتاريخ وعلم الأحياء والجغرافيا والتجارة والمحاسبة والقانون والطاقات المتجددة والمصطلحات المهنية والتقنية والسياحة والمعجم الموحد لمصطلحات الزلازل والاقتصاد والنفط والبيئة والإعلام والأرصاد الجوية والاستشعار عن بعد والمعلوماتية وعلوم البحار والحرب الإلكترونية وتقانات الأغذية إلخ... كما يصدر المكتب مجلة «اللسان العربي»، التي صدر منها مؤخرا العدد 69، وهي مجلة أكاديمية محكمة مختصة بنشر الأبحاث اللغوية وقضايا الترجمة والتعريب والمصطلحية باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية، وتصدر بمعدل عددين في السنة. إن مشاريع المكتب موجهة إلى عموم المهتمين بقضايا اللغة العربية والمنشغلين بتطويرها في كل المجالات العلمية والتقنية. كما يعمل المكتب، برعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، على تطوير بنك المصطلحات والرصيد المصطلحي ومعالجته آليا ووضعه رهن إشارة الباحثين على موقعه الإلكتروني www.arabization.org.ma إن خمسين سنة ونيفا على إنشاء مكتب تنسيق التعريب بالرباط هي حقا مناسبة للوقوف على الإنجازات العلمية التي حققها بدعم متواصل من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وهي أيضا مناسبة لتقييم الحصيلة واستشراف الأفق وفق منظورين أوجزهما فيما يلي: أولا، منظور التنمية اللغوية من خلال الاهتمام بتحديث مناهج تعليم اللغة العربية وتبسيط قواعدها، والحرص على أن يكون هذا الاهتمام مقترنا بالمعارف الاصطلاحية الحديثة. ثانيا، منظور التخطيط اللغوي الهادف إلى التمكّن والتوّسع في استعمال اللغة العربية ومعالجتها آليا من خلال الحوسبة والبرمجيات.
- ماهي الجهات الداعمة للمركز؟ وهل تقدمون لها مثلا بعض الدراسات إذا ما طلبت منكم ذلك؟
يتلقى مكتب تنسيق التعريب دعما مباشرا من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، كما يتلقى مباشرة دعمه من حصة مساهمة المملكة المغربية في المنظمة تيسيرا لعمل المكتب، فضلا عن مساهمة وزارة الخارجية والتعاون المغربية في كراء مقر المكتب. وحرصا من المنظمة على تفعيل مشروع النهوض باللغة العربية والتوجه نحو مجتمع المعرفة عبر نشر اللغة العربية وترقية استعمالها في المجتمع والمحافل الإقليمية والدولية، والتفكير في بعض أساسيات تخطيط لغوي علمي متوازن ومقنع، يعمل مكتب تنسيق التعريب، بتعاون ودعم مادي وعلمي مثمر مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ ، على إنجاز معجم تقني ARABTERM تتولى تمويله الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، وهو مشروع يقوم على أساس توحيد المصطلحات التقنية العربية، يديره المكتب تحت إشراف المنظمة، بالاشتراك مع الجامعة الألمانية الأردنية، وبتكليف من معهد جوته بالقاهرة، ويساهم في تنسيق إدارته الأستاذ
GuidoZebisch. وهذا القاموس التقني متوفر على الشبكة باللغات العربية والألمانية والإنجليزية والفرنسية، وقد صدر منه لحدّ الآن معجمان:معجم هندسة وتكنولوجيا السيارات، ومعجم هندسة المياه، وستصدر في السنة المقبلة وتباعا حتى سنة 2014 بقية المعاجم الأخرى في مجال الطاقات المتجددة والهندسة الكهربائية وصناعة النسيج والنقل والمواصلات.
- كيف تتم هذه الأعمال مثل إصدار المعاجم وضبط المفاهيم الواردة من لغات أخرى؟
هناك منهجية علمية يتبعها مكتب تنسيق التعريب في إنجاز المعاجم الموحدة وترتكز أساسا على تحديد قائمة بالمعاجم التي يقترح المكتب إنجازها، ويطلع اللجان الوطنية للتربية والثقافة والعلوم بمختلف البلدان العربية عليها لتمكينه من أسماء الباحثين المتخصصين الراغبين في التعاقد مع المكتب لإنجاز المشروع المعجمي. وبعد التعاقد والإنجاز يتتبع خبراء المكتب هذا المشروع بالمراجعة والتدقيق قبل توزيعه على اللجان الوطنية والمجامع اللغوية لدراسته وإبداء الرأي فيه، قبل أن يتمّ عرض المشروع على مؤتمر للتعريب من أجل الإقرار النهائي ليصبح المعجم معتمدا وموحّدا على الصعيد العربي.
- هل هناك مراكز عربية أخرى في العالم العربي؟ وهل من تنسيق بينها وبين مركز تنسيق التعريب أم أن العمل يتم بشكل انفرادي وخاص؟
كما قلت سابقا، العمل المعجمي الذي ينجزه مكتب تنسيق التعريب يستجيب للخطط التي تسطرها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وتراعي فيها الاهتمامات المشتركة بين الإدارات والمراكز الخارجية الخمسة، وقد أشرت إليها في بداية حديثي إليك، ولذلك تتمحور البرامج والمشاريع حول الاهتمام باللغة العربية وتحديث أساليب التعليم وإعداد البرمجيات وتحديث الذخيرة اللغوية المعجمية ونشر الكتب المرجعية في مجالات العلوم؛ ولذلك فالتنسيق بين كل المراكز يتم في ضوء كل هذه الأهداف المشتركة، وفي مجالات التربية والتعليم والثقافة والبحث العلمي.
- كيف تتم الاستفادة من هذه الأعمال التي يقوم بها المركز مغربيا وعربيا؟ وهل توزع مثلا على من يطلبها من إدارات وجامعات أم أنها تبقى مركونة في الظل في انتظار من يطلبها؟
يحرص مكتب تنسيق التعريب في حدود إمكاناته المتاحة على أن يوزع رصيده العلمي المتمثل في المعاجم الموحدة ومجلة «اللسان العربي» على المعاهد والجامعات والمؤسسات المهتمة، داخل المغرب وخارجه، لكنه يصطدم بمشكل التوزيع، وميزانيته لا تسمح بتغطية كل النفقات؛ لذلك نسعى اليوم إلى البحث عن شركاء يدعمون المكتب لتجاوز صعوبة التوزيع. إن تملّك رصيد لغوي موحّد وتنسيق الجهود البحثية يمكن أن يتمّ أيضا من خلال توفير شبكة عربية للمصطلحات وإنشاء معجمية حاسوبية محيّنة... وهذه إجراءات كفيلة في تقديري بمواجهة صعوبات توزيع المعجم الورقي، من غير تعويضه بالمعجم الرقمي حتى تواصل اللغة العربية مواكبة تدفق العلوم والمستجدات، وإقامة تفاعل نقدي مع المعرفة في مختلف مجالات البحث العلمي والاجتماعي والتقني.
- هل توجد هذه الأعمال في السوق؟ وهل من تواصل بينكم وبين الوزارات القريبة من استعمال المعاجم كوزارة التعليم مثلا؟
المعاجم التي يصدرها مكتب تنسيق التعريب معاجم متخصصة ويصعب وجود أعدادها الأولى في السوق، خاصة المعاجم التي لم يتم تحيينها بعد؛ وقد تكون متوفرة في بعض المكتبات المتخصصة أيضا؛ لكننا نتوفر بالمكتب على نقطة بيع محلية وعلى مكتبة علمية مفتوحة في وجه عموم الباحثين والطلبة وذوي الاهتمام؛ كما أننا نسعى إلى تمكين وزارة التعليم وكل معاهد التكوين والجامعات من إصداراتنا على سبيل الإهداء أحيانا،أو من خلال شراكات أحيانا أخرى.
- هل أصدر المركز مثلا بعض المعاجم الموجهة إلى النشء تستحضر التطور الذي يعرفه العالم؟
لا ، لم يصدر المكتب لحدّ الآن هذا النوع من المعاجم، لكن للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إصدارات من هذا القبيل موجهة لتعليم النشء أنجزها خبراء، وتهدف إلى تطوير محتوى المناهج التعليمية وتعلّم اللغة العربية؛ ولدينا في المكتب توجّه لإنجاز مثل هذه المعاجم، نحتاج فقط لتعميق الفكرة أكثر مع خبراء وعلماء تربية ولغة، وسنعقد مطلع السنة المقبلة يوما دراسيا وحلقة بحثية للتفكير في المعايير العلمية الممكنة والاستفادة من التجارب الراهنة لصناعة معجم مدرسي موحّد.
- هل هذه الأعمال التي تقوم بها مثل هذه المراكز قادرة على خلق شحنة في عمق اللغة العربية أم أن تطور هذه اللغة يبقى رهينا بمدى تطور أصحابها على مستويات الحياة الأخرى؟
سؤالك وجيهٌ وفي غاية الأهمية، لا شكّ أن كل سياسة لغوية، وفي غياب توجه موحّد وعملي ومُمَعْير للكفاية اللغوية ستظل مفتقرة إلى كل فاعلية في التحصيل الدراسي والبحث العلمي ومتطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية والعمومية ما لم تأخذ بالاعتبار ما يعيشه العالم العربي اليوم من لحظة فارقة ومحفوفة بانتظارات وتحديات ومتطلبات تخص مسار التنمية الاجتماعية وتكوين الإنسان وإنجازات قيم الحداثة والديموقراطية. وترعى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في هذا الإطار عملا نبيلا يراعي الوحدة الثقافية والفكرية العربية مانحة أسئلة القيم في التربية والتعليم والبحث العلمي مكانة استثنائية من خلال خطط وبرامج آخرها «مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة»، أي نحو مجتمع عربي يتعولم ولم يعد محكوما بأواصر المحافظة، بل أضحت تتجاذبه أقطاب أخرى أفرزتها سياقات التواصل الثقافي والحوار الحضاري. وليس التوجه نحو مجتمع المعرفة شعارا عابرا ومؤقتا، بل هو متغير أساسي للتفكير في الآليات الخاصة بتدابير الانتقال إلى مجتمع المعرفة عن طريق تثبيت الهوية العربية والمحافظة عليها ومعالجة مسائل التنمية البشرية ونشر اللغة العربية وترقية استعمالها في المجتمع والمحافل الإقليمية والدولية.
- حينما نتحدث عن مراكز التعريب يتبادر إلى ذهن المغاربة اسم الأخضر غزال، فهل هناك علاقة للراحل بالمركز؟ وهل من تنسيق بينكم وبين الجهة التي عمل فيها؟
كان المرحوم والعلامة محمد الأخضر غزال أول مدير لمعهد الدراسات والأبحاث للتعريب، وهو مؤسسة جامعية تابعة لجامعة محمد الخامس، أحدثت سنة 1960، في حين كان إنشاء مكتب تنسيق التعريب سنة 1961 وعقد مجلسه التنفيذي بعد ذلك بسنة ثم ألحق بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية منذ 1969، ثم بمنظمة الأليكسو سنة 1970 بغاية تنسيق الجهود العربية وإغناء اللغة العربية بالمصطلح العلمي والتقني. لذلك فالتنسيق بين المؤسستين قائم وتبادل الخبرات يغني مهامهما من خلال تنظيم لقاءات علمية مشتركة.
- في رأيك ما هو المطلوب من المتحدثين باللغة العربية من أجل تطويرها في وقت يشير البعض إلى تراجعها؟
سأكون في هذا المجال متفائلا، بالرغم من أن العديد من عوائق التنمية التي تواجهها الدول العربية تجد صداها ضمن الرهانات الثقافية وفيما يتعلق منها باختيارات تعميم التربية والتعليم ومحاربة الأمية وتصوّر سياسة لغوية متجانسة مع خطط التكوين والبحث العلمي، باقتناع وإرادة؛ لأن تجاوز عوائق التنمية والدخول إليها يتمّ من خلال/ وعبر اللغة. من هنا أيضا أهمية التفكير في إيجاد منهجية موحّدة قادرة على مواكبة التحوّلات العلمية التي يستتبعها مجتمع المعرفة، لكي لا تظل اللغة متأخرة في المواكبة والاستعمال، وتكون بالتالي معاصرة فاعلة ومنفعلة مع مكاسب العصر.وتلك سمة من سمات متطلبات البحث العلمي، بما هو فضاء ثقافي يتميز بوتيرة معرفية سريعة للتقدم العلمي على صعيد العلوم الإنسانية والتقانية، وتشعب هذه العلوم وتفرعها إلى تخصصات تتطلب الإلمام والاستيعاب الآنيين للمصطلحات الوليدة؛ من هنا ضرورة إيجاد «لغة علمية عربية مشتركة» لا تكمن وظيفتها في تقريب المعارف والمدارك بإيجاد المقابلات العربية للمصطلحات الأجنبية فقط، بل تكمن أيضا في إنتاج المعرفة وتيسير سبل تداولها. لقد أثبتت الأبحاث اللسانية المعاصرة أن الولوج إلى عالم المعرفة ليس حكرا على لغة دون أخرى، وأن تحصيل المعارف لا يكون فقط بلغة عالمية مقابل لغات وطنية ومحلية غير ممتلكة قدرة الانخراط في قيم العصر. لأجل ذلك لن يكون هناك أي تخطيط لغوي ناجع ما لم يكن مصحوبا بسياسة لغوية فاعلة وقادرة على تلبية حاجيات التنمية الوطنية وترسيم استعمال اللغة العربية في التربية والإعلام والإدارة وشتى مرافق أجهزة الدولة.
- كيف ذلك؟
لقد كانت حاجة الدول العربية غداة استقلالها ماسة للتعريب لا بهدف التخلص من الإرث اللغوي الاستعماري فحسب، بل من أجل أن يكون للعربية موقعها في اختيار التوجهات العامة للمجتمعات. وتظل تصوّرات عبد الله العروي في كتابه «ثقافتنا في ضوء التاريخ» ممتلكة لراهنيتها وجديرة بالاعتبار لأنها استطاعت تسمية أسس للتعريب ليس بوصفه خيارا لغويا وتقنيا، بل بوصفه أداة فكرية قادرة على بناء المعرفة وتوسيع مشروع النهضة العربية.لقد اعتبر العروي أن قضية التعريب قضية اللغة في المجتمع العربي، ولم تتولّد عن حالة طارئة غير متوقعة، ولن تحلّ بالتالي باتخاذ بعض القرارات في حقل التربية أو السياسة الإعلامية. ذلك أن كل مجتمع يعرف مشكلة لغوية، والفرق بين مجتمع وآخر كامن في مقدار الوعي بالمشكلة، ومقدار الجدية والهمّة في معالجتها.أضيف إلى ما سبق اعتبارا آخر هو من بين أهمّ الخلاصات التي ضمنها جان لوي كالفي في بحثه la guerre des langues ou les politiques linguistiques والقاضي بكون اللغة التي لا تتطوّر تتجمّد وتصبح أقرب إلى الموت؛ وأن كل سياسة لغوية تسعى بالأساس إلى تغيير العلاقات بين اللغات والمجتمعات، أي أن التغيير اللغوي هو تعبير عن حركات اجتماعية، ما دام تاريخ اللغة هو جزء من تاريخ المجتمع. لذلك يصحّ اليوم أن نتحدث عن تاريخ للتعريب، بل عن فلسفة للتعريب لم تعد كامنة فيما يمكن أن تستفيده اللغة العربية من اللغات الأخرى، بل كامنة فيما يمكن أن تفيد به اللغة العربية اللغات الأخرى .
ليس مهما اليوم التفكير في كيف نجعل من اللغة العربية لغة عالمية، بل الأهمّ أن نفكر في الكيفية التي نجعل بها اللغة العربية لغة معاصرة.
- هل ترى أن ما يقوم به المبدعون العرب من شعراء وروائيين وقصاصين يشكل رافدا قويا في تطوير اللغة أم أنه يقوض كيانها كما يقول البعض؟
نعم، أوافقك الرأيّ.. إن ما يقوم به المبدعون العرب، شعراء وروائيين وقصاصين ومسرحيين، ويبتكرونه من أساليب وعبارات يعدّ رافدا خصبا ومغنيا للرصيد اللغوي العربي. اللغة مادة الأدب، لكن ليس معنى هذا أن على الأديب أن يكون عالم لغة. اللغة الأدبية كائن حيّ خاضع لمواضعات المجتمع وتحوّلاته، والأدب يحتاج إلى لغة جديدة، لأن المجتمع يحتاج إلى تجديد تصوّراته حول الأدب. كما أن الوعي بتحوّل اللغة وتحديثها ينبغي أن يكون جزءا من التحوّل الحاصل في المجتمع ثقافيا واجتماعيا وسياسيا. كما تحدث الباحثون والمختصون في تعريب المصطلح العلمي عن التعريب المُوجّه والتخصصي واضعينه موضع التجريب والتنفيذ في العديد من الخطط والبرامج والبحوث وتوصيات المؤتمرات؛ ورغم ذلك، بقي استهلاك العلوم والتقنيات في التعليم العالي خاصة معتمدا على وساطة اللغة الأجنبية (الفرنسية والإنجليزية)، مثلما بقيت طرق التلقين ومناهجه متعلقة بها، وانحصرت إشكالية التعريب في إيجاد المصطلح وبناء القياسات الصوتية والدلالية من غير أن يكون التعريب شاملا للمواد العلمية في مختلف أسلاك التعليم. وينبغي الإقرار بأن تعلّم اللغات الأجنبية يحقق الجودة في تلقي الخبرة، كما أن استخدام اللغة العربية في البحث يجعلها لغة قادرة على مواكبة التطورات العلمية والتقنية وليس مجرد لغة للأدب والفقه والتعبّد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.