إنهم يشكلون الدرع الواقي لنظام محمد السادس. ليسوا مستشارين تقليديين، كما جرت بذلك التقاليد المرعية للملكية. فلائحة هذه الفئة تقوت وتجددت بالتحاق وجوه شابة ببلاط الملك، الذي لم يفرط في القدماء، ولكنهم مستشارون بصيغة أخرى يتكلفون بملفات حساسة بعضها ذو صبغة سياسية محضة، والبعض الآخر اقتصادي اجتماعي. لذلك لا يتردد البعض في وصفهم برجال يعيشون تحت شمس الملك، وليس تحت ظله. حينما كان الربيع العربي يغزو شوارع القاهرة وطرابلس، وقبلها تونس، ثم الدارالبيضاءوالرباط، كان هؤلاء يشكلون المادة الخام لشعارات المتظاهرين فيما أطلق عليه بحركة عشرين فبراير. كما كان عليه أمر أصدقاء الملك والمقربين منه من أمثال فؤاد عالي الهمة، ومنير الماجيدي وياسين المنصوري. وعلى الرغم من أن مطالب شباب العشرين من فبراير طالت بعض هؤلاء، إلا أن محمد السادس اختار ألا ينتبه لأصواتهم، التي هدأت من روعها خطوة تعديل الدستور، بكل ما لها وما عليها. والحصيلة هي أن هؤلاء هم من يصنع السياسة الحقيقية للبلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
فؤاد عالي الهمة : مفرد بصيغة الجمع عاشت مدينة بنجرير، على غير عادتها، مثل يتيم العيد بعد أن قرر رجل الرحامنة وصديق الملك فؤاد عالي الهمة ألا يتقدم لاستحقاقات الانتخابات التشريعية الأخيرة، رغم كل الأصوات والعرائض التي وقعت تطالبه بالعدول عن قراره. وبدا أن فؤاد التقط وقتها، وبسرعة إشارات الشارع المغربي وشعارات العشرين من فبراير وهي تنادي برحيله عن المشهد السياسي، لذلك لم تنفع كل المحاولات التي قادها أمين عام الأصالة والمعاصرة آنذاك الشيخ بيد الله في ثني الرجل عن قراره، الذي كان قد افتتحه بالاستقالة من مهامه على رأس لجنتي التتبع والانتخابات في الأصالة والمعاصرة. اليوم يبدو الهمة بعيدا عن المشهد السياسي، وإن كان لا يزال يرسم خيوطه من خلف الستار باعتباره مستشارا لمحمد السادس. إنه أشبه بذاك الذي يصفه بيت شعري يقول " بعيد عن قرب، قريب عن بعد". جاء فؤاد عالي الهمة إلى السياسة من قربه وصداقته لمحمد السادس الذي سبق أن تقاسم معه حجرة الدرس. بل إنه كان من أقوى أصدقاء الملك حيث ظل يزوره بمنزله ببن جرير ليتقاسم معه وجبات أكل تضعها والدة الهمة على شرف ولي العهد آنذاك خصيصا. ولد فؤاد عالي الهمة بمراكش في السادس من دجنبر من سنة 1962. وبعد دراسته رفقة ولي العهد، اختار أن يجرب حظه في السياسة حيث انتخب رئيسا للمجلس البلدي لمدينة بنجرير خلال الولاية الممتدة من سنة 1992 إلى 1997، قبل أن يعود في الاستحقاقات النيابية لسنة 2007 ليحصد كل مقاعد الرحامنة الثلاثة في انتخابات شكلت الحدث السياسي للبلد. تحمل مسؤولية كاتب الدولة في الداخلية. بل كانت يده هي الطولى في عدد من الملفات الأمنية الأكثر حساسية على اعتبار أن قربه من محمد السادس فرض عليه الإضطلاع بهذه المهام. ولم يكن غريبا أن يوصف على أنه ظل من أكبر مهندسي السياسة الأمنية للبلد، وأحد صانعي القرار، لدرجة أن الصراع مع خصمه منير الماجيدي للتقرب أكثر من الملك، لم يكن خفيا. لم يكن فوزه بمقاعد الرحامنة وهو يركب "التراكتور"، الذي اختاره رمزا للائحته في استحقاقات 2007، غير بداية نزوله من برج السلطة والأمن، إلى الحياة السياسية. وفي أول رد فعل على نتائج تلك الاستحقاقات، فتح النار على الإسلاميين الذين رأوا أن الرجل ترك خلفه مقعد السلطة فقط لمواجهتهم. سيؤسس الهمة جمعية أطلق عليها " حركة لكل الديمقراطيين" ضمت طيفا من مناضلي اليسار الجذري، وبعض الطامعين في التقرب من الهمة، وعددا من المجربين للسياسة. حركة أسالت الكثير من المداد، ووصفت بالكثير من النعوت، حيث قال عنها عباس الفاسي، وهو وقتها يستعد ليكون وزيرا أول، "إنها مجرد ناد للتأمل". النادي الذي سيحوله الهمة بعد ذلك إلى حزب سياسي، سيأتي على الأخضر واليابس حينما حول شعار حملته الانتخابية "التراكتور" إلى شعار للحزب الجديد الذي حمل اسم "الأصالة والمعاصرة"، "البام" اختصارا. وبذكاء الرجل الثاقب، اختار ألا يكون في الواجهة حينما استدعى الشيخ بيد الله لينتخب أمينا عاما للحزب الجديد، الذي راهن منذ البدء على محو الإسلاميين من الطريق، ووضع اليد مع من يعتبرهم الهمة حداثيين أينما وجدوا سواء في اليسار أو اليمين، أو أقصى اليمين أيضا. من ثلاثة مقاعد برلمانية حملتها لائحة الهمة من الرحامنة، سيولد حزب وفريق برلماني تحول إلى الصف الأول وهو يلتهم في طريقه عددا من الأحزاب الصغرى في تحالف غريب. وعشية آخر استحقاقات تشريعية، وعلى الرغم من ذلك السبات الشتوي الذي اختاره صديق الملك، كانت لا تزال أفكاره تجري على الطريق حيث ولد وقتها تحالف" الجي 8" بتكتيك منه. أما الهدف الأكبر فكان هو أن يظل المغرب للحداثيين فقط، ولا عزاء للإسلاميين. هل كان يتعلق الأمر بسياسة الملك التي يصرفها صديقه هنا وهناك، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون اجتهادا للهمة، ووجهة نظر يؤمن بها؟ مهما يكن من أمر، ستكشف نتائج استحقاقات الخامس والعشرين عن الوجه الحقيقي لفؤاد عالي الهمة، غير وجهه الذي عرفه المغاربة كمخطط بارع للسياسة الأمنية للبلاد، وأحد الذين رسموا صورة المغرب على عهد محمد السادس، وعراب لحزب الأصالة والمعاصرة. والحصيلة هي أنه خرج من باب السياسة ليعود اليوم من نافذتها وهو يشغل مستشارا لصديقه الملك.
محمد منير الماجيدي: الساهر على ثقافة القصر هو المستشار الخاص للملك. وهو من يدير ثروته بالكثير من الذكاء والدهاء أيضا. لذلك ظل متظاهرو العشرين من فبراير ينظرون إليه كواحد من الرموز التي يجب أن ترحل، حيث كانت اللافتات ترفع حاملة اسمه مع كل النعوت والصفات التي أطلقت عليه. وحينما كان موعد مهرجان موازين بكل ثقله يقترب، كان الماجيدي، باعتباره رئيس مؤسسة "مغرب الثقافات" التي تشرف عليه، يتنفس الصعداء بعد أن توالت الصيحات من أجل إلغاء تظاهرة رغم حمولتها الثقافية الفنية إلا أنها تشكل عنوانا من عناوين البذخ الثقافي، الذي لا تحتاجه البلاد في مثل الظروف التي تعيشها. إنها المهمة الأصعب، غير الإشراف على ثروة الملك، باعتبار موازين الصيغة الثقافية التي يريدها النظام للبلد. خرج الماجيدي وفريق عمله منتصرا من معركة موازين بعد أن كشف "مغرب الثقافات" عن مصار تمويل التظاهرة، وحضرت كل تلك الأعداد ممن يعشقون فن " موازين". وانتصر بذلك في واحدة من الجبهات التي يخوضها، وهي الجبهة الثقافية للنظام. قوة منير الماجيدي اليوم هي أنه لا يزال قادرا على أن يكسب الملك ثروة كبيرة، وإن كان هذا الامتياز يجر عليه غضب المنافسين من رجال الأعمال. لكن ثقافيا، لا تزال جمعية مغرب الثقافات التي تشرف على موازين قادرة على أن تقدم للمغاربة الصيغة الثقافية التي يريدها نظام محمد السادس. عبد اللطيف المنوني : فقيه من اليسار لبس جبة القصر لم يكن الفقيه الدستوري عبد اللطيف المنوني، ذو الميولات اليسارية، غير أستاذ جامعي في القانون قبل التاسع من مارس من سنة 2011 قبل أن يختاره محمد السادس على رأس اللجنة الخاصة التي كلفت بإعداد مسودة دستور، اعتبره الكثيرون ميلادا جديدا للمملكة المغربية. غير أن الرافضين لصيغة التعيين الذي طال لجنة المنوني، فتح عليه النار. وأضحى ينظر إليه على أنه رجال النظام لأنه قبل أن يكون معينا، بدلا من أن يتم انتخاب اللجنة الخاصة التي كان يجب أن تعد بنود الدستور الجديد لمملكة محمد السادس. اشتغل المنوني رفقة فريق عمله. وخرجت مسودة الدستور الجديد. وصوت المغاربة على الصيغة الجديدة والمعدلة للدستور، الذي سيأتي بعد ذلك بانتخابات تشريعية سابقة لأوانها، سيقطف ثمارها حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة بصفة جديدة يتحملها عبد الإله بنكيران لأول مرة، وهي رئاسة الحكومة. أما الفقيه الدستوري عبد اللطيف المنوني، فقد ارتقى من أستاذ جامعي ورئيس لجنة، إلى مستشار ملكي. البعض رأى في المنوني، الذي يعتبر واحدا ممن صنعوا الكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي ترأسها نوبير الأموي، كما أنه سبق أن ترأس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، كواحد من القلاع اليسارية الحصينة على عهد الملك الراحل، الرجل الذي أحدث ثورة هادئة من خلال جملة من الفقرات التي حملها دستور الفاتح من يوليوز. لكن البعض الآخر اعتبره رجلا قد تحرقه شمس النظام، لأنه قفز على الكثير من المحطات التي كان المغاربة يتطلعون لتأتي بها تعديلات الدستور الجديد، لعل أقواها هو أن ينعم المغاربة بالقوة والفعل بملكية برلمانية حقيقية فيها ملك يسود ولا يحكم. يعرف عن عبد اللطيف المنوني أنه رجل نزيه منذ كان في يوم من الأيام أستاذا للملك محمد السادس، رغم انتمائه الحقيقي لليسار. هل يقوى بعد أن دخل دار المخزن على حماية نفسه من شمس النظام الحارقة، وهي التي قاومها على امتداد سنوات الرصاص. شكيب بنموسى : البوليتكنيكي المستعد لكل المهام منذ يناير من سنة 2010 غاب شكيب بنموسى عن الأنظار حينما غادر منصبه كوزير للداخلية ليحمل حقيبته بعد ذلك الطيب الشرقاوي. غير أن هذا الإبعاد من محيط الملك لم يغير من رجل البوليتيكنيك شيئا، وظل جاهزا للخدمة التي دعي إليها ليكون رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، تلك المؤسسة التي لم تتحرك منذ جاء بها دستور المملكة. اليوم يشرف بنموسى على هذا المجلس، الذي يعتبر مؤسسة للتفكير والاقتراح في كل ما هو اقتصادي واجتماعي حيث يضم ممثلين يصل عددهم المائة، عن النقابات والجمعيات المهنية من مختلف الأطياف. يعاب على بنموسى أنه رجل الهمة بامتياز، منذ جمعتهما أسرار وملفات وزارة الداخلية، قبل أن يختار صديق الملك الخروج للعمل السياسي ويؤسس حزب الأصالة والمعاصرة. ولذلك لا يخفي الكثيرون أنه أدى ثمن هذه العلاقة الخاصة، حيث أقيل من منصبه بعد حكاية الدعم التي قيل إن "البام" تلقاه خلال الإستحقاقات الجماعية لسنة 2009 من قبل بعض ممثلي الادارة الترابية التي تقع تحت مسؤولية شكيب بنموسى. يصنفه الكثيرون على أنه من بين أفضل وزراء الداخلية الذين تعاقبوا على هذه الحقيبة ذات الخصوصية. لكن خصومه يرون أنه قد يحول المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى مجرد ناد خاص لا يرجى منه أمل، في الوقت الذي يصنفه دستور البلاد بالمؤسسة التي يفترض أن تضع للبلاد خريطة طريق في كل ما هو اقتصادي واجتماعي. ادريس اليزمي : رجل من اليسار في ملفي حقوق الانسان والجالية كأن محمد السادس أراد الرد على شعارات العشرين من فبراير حينما اختار اليساري ادريس اليزمي رئيسا للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أسبوعين فقط على انطلاق الحركة. لم يكن اليزمي رجلا بعيدا عن عالم حقوق الإنسان، الذي جربه من سنوات السبعينيات حينما اختار المنفى بالديار الفرنسية، وهو وقتها من الذين صدرت في حقهم أحكام بالإعدام. لقد ترأس وقتها الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان. وحينما اختار العودة إلى البلد بعد أن وضعت حرب سنوات الرصاص أوزارها. كانت الوجهة هي نفس الهم الحقوقي الذي قاده لهيئة الانصاف والمصالحة، إلى جانب رفيق دربه الراحل ادريس بنزكري، حيث اشتغل على ملفات الاختطاف القسري والنفي والسجن، وملفات تازمامارت وقلعة مكونة وغيرها من المعتقلات، التي أضحت اليوم في ذمة التاريخ. يعاب على إدريس اليزمي أنه راكم اليوم أكثر من مهمة ذات حساسية وخصوصية. لقد سبق أن عينه محمد السادس في 2007 ريئسا للمجلس الاستشاري للجالية المغربية في الخارج، باعتباره مهاجرا سابقا وله ما يكفي من العلاقات والتجارب في هذا المجال، على الرغم من العديد من الانتقادات التي تعرض لها من قبل متتبعي هذا الملف الحساس. واليوم يقود رفقة محمد الصبار ملفا لا يقل حساسية هو ملف حقوق الإنسان، الذي يقع على كاهله تحريك توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة من الجمود وتفعيلها على أرض الواقع. البعض رأى في المجلس الوطني لحقوق الإنسان مجرد واجهة نابت عن المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ولن يكون مصير توصياتها أفضل من مصير كل التوصيات السابقة التي اشتغلت في المجال، ومن بينها توصية هيئة الإنصاف والمصالحة. غير أن الخطوات العملية التي قام بها مجلس اليزمي والصبار في بعض الملفات، دفعت بالمشككين لإعادة النظر في أحكامهم المسبقة خصوصا حينما نجح المجلس في نزع فتيل أحداث خريبكة، وإضراب السلفيين. وفي بعض قرارات العفو التي طالت عددا من المعتقلين في قضايا الإرهاب. محمد الصبار : من اليسار الجذري إلى دار المخزن يشهد لمحمد الصبار نزاهته وصلابته النضالية، التي لم تغير منها أي من المسؤوليات التي راكمها شيئا. لقد قال في عز حركة العشرين من فبراير إن ما تقوم به هو عين العقل. ووجه لها، حتى وهو يتحمل مسؤولية رسمية باعتباره كاتبا عاما للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كل الدعم والمساندة. لذلك يراهن الكثير من الحقوقيين على الدور الذي قد يلعبه في تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي عاش في كنفها. انتمى لليسار الجذري. وجرب التربية والتعليم قبل أن يدخل عالم المحاماة بعد سنوات الاعتقال السياسي، وهي التجربة التي أكسبته ما يكفي من معرفة بملفات حقوق الإنسان، التي نجح في الكثير منها لعل أقواها هي نجاحه في تحريك ملف بلعيرج، حيث غادر أبواب السجن خمسة من المعتقلين السياسيين على ذمة هذا الملف. ولأن الرجل ظل على نفس نهجه، فقد اختار أن يحمل هؤلاء المعتقلين الخمسة بسيارات رسمية تابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لينتقل بهم إلى حيث مقر المجلس. ما يعاب على الصبار هو أنه لا يزال غير مدرك لخطورة دروب المخزن، التي قد تؤدي في بعض اللحظات إلى الباب المسدود. عبد السلام أبو درار : الباحث للمغاربة عن نظافة اليد كان الاستقبال الملكي لعبد السلام أبودرار، رئيس الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة في عز حركة العشرين من فبراير والحراك الشعبي الذي رافق الإعداد للدستور الجديد، بمثابة اعتراف رسمي بالدور الذي تلعبه الهيئة التي تراهن على تنظيف الحياة العامة للمغاربة من خلال الحد من ظاهرة الرشوة، التي يحتل فيها المغرب مراتب جد متقدمة في جل المجالات لعل أقواها هو مجال الصحة والنقل والطرقات. اليوم يصنف أبودرار على أنه رجل المرحلة بامتياز بعد أن أضحت الرشوة آفة، وبعد الخطوات العملية التي نجحت فيها الهيئة. لقد تلقى ما يكفي من الدعم لتتحول هيئته إلى مؤسسة شبه رسمية تتقصى وتحقق وتضع الأرقام، التي يفترض في الجهات المعنية استثمارها. اليوم لم تعد هيئة أبو درار مجرد مؤسسة تحقق في قضايا الرشوة من الخارج، بل أصبحت لها كل الإمكانيات لتباشر التحقيق في ملفات الرشوة بداخل المؤسسة العمومية والجماعات المحلية. كما نجحت في فرض وجهة نظرها حينما تبنت الحكومة السابقة قانونا يحمي شهود وضحايا الرشوة. وهي الخطوة التي جعلت الهيئة الوطنية لحماية الرشوة تحظى باحترام جل المتدخلين سياسيا واقتصاديا. عبد الإله بنعمور : رجل أعمال يسعى لنزاهة اقتصاد البلد منذ إحداث مجلس المنافسة في 2001، ظلت هذه المؤسسة شبه معطلة، لأنها لم تكن غير مجرد ناد لا يصل صداه إلى من يعنيهم الأمر. لكن في 2008 اختار محمد السادس أن يمنح هذا المجلس ما يكفي من الدعم الرمزي ليباشر المهام التي وضع من أجلها، حينما عين على رأسه السيد عبد العالي بن عمور، أحد المنتمين لأسرة اليسار على عهد والده الراحل الحسن الثاني. وفي خضم حركة العشرين من فبراير سيختار بن عمور أن يخرج للعلن ليعلن عن خطة طريق هذا المجلس، الذي تقع على كاهله مسؤولية الحكم في الحياة الاقتصادية، في مباراة لا تعترف إلا باللعب غير النظيف. قال بن عمرو في ندوة صحافية، عقدها ليعرض لبرنامج عمل مجلس المنافسة، إن هذه المؤسسة في حاجة لإجراءات قانونية ولإمكانيات مالية وبشرية لتنجح في مهامها. وهي الرسالة التي وصلت للتو إلى الملك الذي ثمنها. والحصيلة اليوم هي أن رجال الاقتصاد يتطلعون لينجح مجلس السيد بنعمور في تحريك هذه البركة الآسنة التي يعرف أدق تفاصيلها باعتباره رجل أعمال. محمد المعتصم : هو الفقيه الدستوري على عهد ادريس البصري، الذي استقطبه من صفحات جريدة الاتحاد الاشتراكي على عهد الحسن الثاني. ظل يقود المفاوضات مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني حول الدستور الجديد، حيث لقب بعراب دستور محمد السادس. وكان المعتصم، وهو أستاذ للقانون الدستوري، قد شغل حقيبة وزارية على عهد الملك الحسن الثاني ثم انتقل بعد ذلك إلى الديوان الملكي. ولعب المعتصم دورا سياسيا، وهو المحاور داخل الديوان الملكي للأحزاب والنقابات، ويتولى أيضا بعض المهام الإدارية داخل الديوان الملكي حيث يضطلع عادة بكتابة الرسائل المهمة والخطب الملكية. :زليخة نصري هي المستشارة الوحيدة في الديوان الملكي. وأول امرأة في تاريخ المغرب تعين مستشارة ملكية. وتتولى نصري بصفة أساسية الإشراف على مؤسستي "محمد الخامس للتضامن" و"مؤسسة محمد السادس"، وهما مؤسستان تشرفان على جميع الأعمال الخيرية، وتنفيذ برامج "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية". المشروع الذي سبق للراحل مزيان بلفقيه أن اقترحه على محمد السادس بناء على دراسة للبنك العالمي. وسبق لنصري أن كانت وزيرة في عهد الملك الحسن الثاني، وهي من المتخصصين في قطاع المالية والتأمين.
رهان القوة المتبادل بين مستشاري الملك وحكومة بنكيران في كتاب "الأمير" لميكيافيلي، الذي كان يعشقه الحسن الثاني لدرجة أن أستاذه في الرياضيات المهدي بن بركة قال إنه كان يترك دروسه الخاصة ليحفظ فصول هذا الكتاب، حديث ذو شجون عن دور مستشار الملك أو الرئيس. فالقاعدة الأساسية في كل حكم هي أن يلجأ الأمير إلى طلب الاستشارة من أي جهة كانت حتى يضمن لقراراته أن تكون صائبة وحتى يظهر دائما أميرا حكيما". غير أن بعض الأسئلة تطرح حينما نتحدث عن نظام الاستشارة الملكية في المغرب، منها: أين تبدأ حدود عمل وتحركات المستشار الملكي وأين تنتهي؟ وهل المستشار رجل يعمل تحت جناح الملك، أم أنه فاعل سياسي؟ وهل مستشارو الملك منافسون لجهاز الحكومة؟ وهل هناك قانون ينظم عمل المستشار الملكي. لقد ظل النظام السياسي المغربي على عهد الراحل الحسن الثاني يقوم في أسسه على منطق الاستشارة، ذلك أن نواب الأمة هم بمثابة وزراء يساعدون الملك ويقدمون له المشورة لتدبير الشأن، خصوصا وأن أغلبية المجالس التي تم إحداثها اتسمت بطابعها الاستشاري كالمجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وهو نفس المنطق الذي سيسود في عهد خلفه الملك محمد السادس. أما في عهد الراحل محمد الخامس، فقد كان مجال الاستشارة الملكية ضيقا جدا لأن البلاد كانت في مرحلة التأسيس، وقد كان ولي عهده الحسن الثاني في مرتبة مستشار السلطان، على الرغم من كونه لم يكن يحمل هذه الصفة بشكل رسمي. فضلا عن بعض الوجوه التي عرفت بقربها من الراحل محمد الخامس كإدريس المحمدي، الذي شغل منصب مدير ديوانه، وامبارك البكاي.. فالملوك ورؤساء الدول يختارون مستشارين يستشيرونهم عندما تقتضي الحاجة ذلك، وبالرغم من أن الدستور لا يشير إلى موقعهم على اعتبار أنهم مجرد موظفين تسند إليهم مهام بجانب الملك. إلا أن العديد منهم لعب أدوارا في صناعة بعض القرارات، رغم أن السمة الأساسية التي تطبع مستشاري الملوك ورؤساء الدول إلى جانب الكفاءة والخبرة، هي ابتعادهم عن الأضواء. يطلب من المستشار الملكي تقديم المشورة حينما تطلب منه أو يبادر بإسدائها. أما عمله فيتميز بالسرية اعتبارا لحساسية القضايا المعروضة على الديوان الملكي. كما يجب أن يكون متسلحا في وظيفته بعاملين أساسيين هما مؤهلاته المعرفية وخبرته التقنية، ثم الثقة التي يحظى بها من طرف الملك. حينما تولى محمد السادس الحكم كان يجب أن يرسم لنفسه مسارا غير الذي وضعه والده بشأن الاستشارة الملكية. لم يبادر إلى كثير من الإعفاءات، على الرغم من أن عددا كبيرا من المستشارين ظلوا بدون مهمة داخل الديوان الملكي. لكنه استقدم في المقابل عددا من رفاقه ليشغلوا مهام جد حساسة كما كان عليه أمر صديق دراسته فؤاد عالي الهمة، العائد اليوم بقوة إلى نفس المحيط. لقد ظل مزيان بلفقيه، قبل أن توافيه المنية، مستشارا مكلفا بملفات التعليم، والأمازيغية. وكانت ولا تزال زليخة نصري مستشارة الملك في ما يتعلق بالقضايا ذات الطابع الاجتماعي والخيري. وكلف أندري أزولاي بمهمة تحسين صورة المغرب في الخارج، على الرغم من أن مهامه كانت على عهد الحسن الثاني هي الشق المالي والاقتصادي. أما عباس الجيراري، فقد ظل مكلفا بمهام الشأن الديني. فيما وضعت الشؤون القانونية والدستورية بيد المستشار محمد المعتصم، قبل أن يلحق به الفقيه عبد اللطيف المنوني، ليواصل ما سبق أن قام به في ملف إعداد الدستور الجديد. ثم ياسر الزناكي، الذي وضع بيده ملف السياحة، التي تعتبر هي الأخرى رهانا كبيرا. وأخيرا صديق الملك فؤاد عالي الهمة، الذي يصفه الكثيرون برئيس حكومة الظل. وبالمقابل، أضحى دور بعض المستشارين محتشما من أمثال أندري أزولاي. فيما سبق لمحمد القباج أن أعفي من مهامه. إنها حركية دخول وخروج من وإلى المربع الذهبي للملك، فرضتها هذه التحولات التي عاشها ويعيشها المغرب. فهل ستكون هذه الوجوه الجديدة التي ستشتغل إلى جانب ملك البلاد هي الفريق الثاني في تدبير الشأن العام إلى جانب الفريق الأول الممثل في حكومة عبد الإله بنكيران. أم أن مستشاري الملك، الذين عزز صفوفهم صديقه فؤاد عالي الهمة، سيكونون بالقوة والفعل حكومة الظل التي ستشرف على الملفات الكبرى للبلاد.
الدكتور حسن قرنفل يشرح المجتمعات الحديثة تحتاج دوما لنخبة تحكمها يرى الدكتور حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع السياسي، "أن آليات إنتاج النخبة السياسية في المغرب ظلت تتحكم فيها السلطة الملكية. لذلك كان اختيار مستشاري الملك، سواء على عهد الحسن الثاني أو محمد السادس بعده يخضع لمقاييس مضبوطة لا مكان فيها لهامش الخطأ". لا بد أن نعرف، يشرح الدكتور قرنفل، أن نظرية النخبة ظلت تعتمد معيار السلطة وتشتمل على كل النظريات التي ترد النخبة السياسية إلى الفئة الحاكمة، ونظريات تعتمد معياراً أخلاقياً وتشتمل على كل النظريات التي تجعل من النخبة الفئة المتسمة بجملة من القيم تؤهلها لممارسة الحكم، وأخيرا نظريات تعتمد أسسا وظيفية وتشتمل على كل النظريات التي تحدد النخبة السياسية من خلال وظيفتها في المجتمع. وبالرغم من الخلافات القائمة على مستوى طبيعة النخبة، فإن كل الدراسات تتفق على القول بأن النخبة ظاهرة ملازمة لكل المجتمعات، بل أصبحت ضرورة مؤكدة بالنسبة للمجتمعات الحديثة التي تحتاج بالضرورة لنخبة تسيرها. وعن النخبة السياسية بالمغرب، يقول قرنفل إنها كانت تتشكل، لفترة طويلة، من المخزن والخاصة. ويقصد بالمخزن هنا السلطان مع عدد من المقربين اختلفت أصولهم من مرحلة تاريخية لأخرى ويقصد بالخاصة "نخبة حضرية في معظمها تتكون أساسا من الشرفاء والعلماء وشيوخ الزوايا والمحتسبين ورؤساء الحرف. أما في عهد الحماية، يشرح قرنفل، فقد تراجع دور النخبة حيث همشت بشقيها المخزن والخاصة لتظهر، بعد ذلك، نخبة جديدة، تلقت تكوينا عصريا بالمدارس الفرنسية الحديثة أو بمدارس المشرق العربي فانخرطت في العمل السياسي في مواجهة المستعمر الفرنسي. وأخيرا، عرفت النخبة السياسية بالمغرب تغييرات جذرية بعد استقلال البلاد وقد شملت هذه التغييرات أصول النخبة ومستوياتها الثقافية وهيكلتها وطرق اختيارها. وعن دور الأحزاب السياسية، يقول الدكتور قرنفل إن هذه الأحزاب شكلت "أكبر مدرسة لتكوين النخبة". غير أن ذلك لا يجب، في نظر قرنفل، أن يلغي دور المجتمع المدني، الذي أفرزته مجموع التحولات التي عرفها المغرب خلال العقود الأخيرة وعلى رأسها التحولات الاقتصادية. أما الحديث عن أن ظهور وتنامي المجتمع المدني قد يؤدي إلى تراجع بل واختفاء الأحزاب السياسية، فإن دكتور علم الاجتماع يرى أن المجتمع المدني غير مؤهل للإضطلاع بأدوار سياسية ولا يمكنه بالتالي تعويض الأحزاب السياسية. وبما أن وجود النخبة السياسية قد بات ضرورة مؤكدة واعتبارا لتراجع العمل السياسي بالمغرب، فإن الأحزاب السياسية مطالبة ب"أن تسارع إلى ترميم بيوتها وإصلاح هياكلها وإعادة النظر في طريقة اشتغالها، لكي لا يحدث رهان قوة بين سلطتين هما سلطة مستشاري الملك، أو حكومة الظل، وسلطة الحكومة التي يفترض أن تتكون من قبل الأحزاب السياسية. أما الحديث على أن جل مستشاري الملك ورجالات السياسة هم من أهل فاس، فيشرح الدكتور قرنفل من خلال مؤلفه في هذا الموضوع ما سبق أن كتبه "جون واتربوري" في كتابه الشهير الذي كتبه في بداية السبعينيات من القرن الماضي "أمير المؤمنين: الملكية المغربية ونخبتها"، بأن "حزب الاستقلال كان يعتبر، بشكل عام، حزب الفاسيين. فقيادته كانت دائما بيد بورجوازية المدن الكبرى حيث كانت العناصر المنحدرة من فاس هي المهيمنة. وكانت الجماعة الوطنية تتشكل قبل 1934، من علال الفاسي وأحمد مكوار، وحمزة الطاهري، ومحمد بن طالب بناني، وأحمد وحسن بوعياد، وعمر السبتي، وعبد القادر التازي، وحسن الوزاني. وهذه "الزاوية" تقوت وتعززت بوفود عمر عبد الجليل، وأحمد بلافريج، ومحمد اليزيدي، وعبد السلام بنونة، ومحمد داوود، وأحمد غيلان ومحمد غازي، ومحمد بلكو.. وقد كشفت أكثر من دراسة عن هذا المعطى. ففي الدراسة التي قامت بها الأستاذة الجامعية، أمينة المسعودي، والتي تحمل عنوان الوزراء في النظام السياسي المغربي 1955-1992: الأصول، المنافذ، المآل، فإن الوزراء المنحدرين من مدينة فاس يهيمنون بشكل كبير على الحكومات المتعاقبة منذ عام 1955 إلى سنة 1985. وحسب نفس الدراسة فإن من أصل 196 وزيرا خلال تلك الفترة، 67 وزيرا ينحدرون من مدينة فاس وحدها، أي بنسبة 34.1 في المائة، ثم تليها مدينة الرباط ب18 وزيرا، أي بنسبة 9.1 في المائة. وتحل مدينة مراكش في المرتبة الثالثة ب12 وزيرا، أي بنسبة 6.1 في المائة. أما مدينة الدارالبيضاء فتحل في المرتبة الرابعة ب11 وزيرا، أي بنسبة 5.6 في المائة. وقالت أمينة المسعودي في دراستها "في جميع دول العالم، تكون العاصمة الإدارية ممثلة حكوميا تمثيلا قويا، كما هو الأمر مثلا، بالنسبة للعاصمة الإسبانية مدريد، أو بالنسبة لعاصمة الجمهورية المصرية القاهرة، وكذلك بالنسبة لعاصمة الجمهورية التونسية، أما بالنسبة للمغرب، فإن العاصمة العلمية هي التي تحظى بالأولوية في التمثيل، بالمقارنة مع العاصمة الإدارية أو السياسية». ثم تتابع الباحثة المغربية دراسة مدعومة بأرقام وإحصائيات، تؤكد هيمنة أهل فاس على الوظائف السياسية منذ الاستقلال وحضورهم القوي في وزارات العدل والخارجية والوزارة الأولى، قبل أن يمتد الأمر إلى مستشاري الملك.. وخلال المظاهرات التي شهدها المغرب في خضم الربيع العربي، رفع عدد من المواطنين شعارات من بينها شعار "إسقاط حكومة الفاسيين". بالرغم من الحمولة العنصرية التي يحملها هذا الشعار، إلا أنه مع ذلك لا يخلو من حقيقة وواقع مفاده أن "أهل فاس" أو النخبة الفاسية لها موقع قدم في هرم السلطة في المغرب، سواء من خلال احتلالها مواقع المسؤولية داخل الحكومة، أو من خلال احتلالها لمواقع مهمة داخل المؤسسات العمومية أو شبه العمومية.