كان مقررو السياسة في إسرائيل مستعدين لفوز أوباما في الانتخابات. وكان آخر لقاء تم بين رئيس الوزراء وساسة أمريكيين قبل الانتخابات مع ثلاثة شيوخ ديمقراطيين كبار لم يعتقد أحد منهم أن نتنياهو يتدخل في المعركة الانتخابية الأمريكية لصالح ميت رومني. أكد الديمقراطيون اشتراك المصالح بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وقد عبر كاتب هذه السطور في الأشهر الأخيرة، بالكتابة والمحاضرة والأحاديث الخاصة مع ناس من الإدارة في واشنطن، عن كون إسرائيل ترى كل من سيُنتخب في نونبر حليفا لها. ينبغي ألا نُنكر أنه وُجد عدم اتفاق واختلافات في الرأي، شديدة أحيانا، في شؤون حيوية مختلفة؛ ومن الواضح أنه ينبغي منع المواجهات مع حليفتنا بكل ثمن تقريبا، لكن لا يمكن أحيانا الامتناع عن ذلك حينما تفضي خطوة خاطئة، افتراضا، إلى إحداث واقع كارثي في الأمد البعيد. لم يوجد قطع للاتصال طول سنوات إدارة أوباما وحكومة نتنياهو كلها، لا في الشؤون الأمنية، التي ازداد التعاون عليها خاصة، ولا في الشأن الفلسطيني الذي تمت، ارتباطا به، مشاورات دائمة واضحة بين مبعوث رئيس الوزراء الكبير والقيادة العليا السياسية في الولاياتالمتحدة. ومن الطبيعي مع ذلك أنه كانت لإسرائيل في شؤون، كالربيع العربي، باعتبارها «جانبا مهتما» مباشرا، تقديرات تختلف عن تقديرات إدارة أوباما. إن قضية إيران مختلفة في الحقيقة، لكن يبدو أنه تم بشأنها في المدة الأخيرة تقارب مشترك ما بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل (كانت الإدارة قد أبلغت نتنياهو مسبقا بأمر مبادرات واشنطن المختلفة في الشأن الإيراني) وخطبتا نتنياهو وأوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة شهادة على ذلك. في الأشهر أو ربما حتى في الأسابيع القريبة، سيتبين ما إذا كان في هذا التقارب رد كافٍ على الموقف الإسرائيلي الذي يرى أن «الخط الأحمر» ذا الصلة في شأن جُهد طهران الذري هو النقطة التي يكون لها عندها مادة لإنتاج عدة قنابل ذرية بخلاف التوجه الأمريكي الذي يرى أنه بعد أن تبلغ إيران هذه النقطة أيضا سيبقى وقت كافٍ لمنع إنتاج السلاح الذري. أُثيرت في الأيام الأخيرة رسائل متناقضة في الشأن الإيراني؛ فمن جهة عززت الإدارة الأمريكية العقوبات، ومن جهة أخرى تكثر الأنباء في طهران وفي واشنطن أيضا عن جولة جديدة من المحادثات الدبلوماسية التي ستستغلها إيران كما كانت عليه الحال في الماضي بيقين من أجل الدفع إلى الأمام ببرامجها الذرية. وقد أحصى نيكولاس بيرنز، نائب وزير الخارجية في إدارة بوش الابن، وهو الآن أستاذ كبير في جامعة هارفارد، في المدة الأخيرة في مقالة نشرها، (أحصى) تحديات أوباما الملحة في السنوات الأربع القريبة في مجال السياسة الخارجية، وهي أفغانستان والدوامة في الشرق الأوسط، ومن ضمن ذلك الشأن السوري. وقد غاب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن قائمته. ويشاركه الرأي في ذلك كثيرون في الولاياتالمتحدة خلافا للموقف الذي كان رائجا هناك منذ وقت قريب، وهو أن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هو مصدر جميع المشكلات في الشرق الأوسط، والسبب الرئيس، إن لم نقل الوحيد، لعداوة أمريكا. ينبغي أن نفترض أن يكون أوباما ومستشاروه أيضا متنبهين إلى هذه التقديرات. يمكن أن نشك في أن يريد الرئيس، والمشكلات الاقتصادية الضاغطة في مقدمة اهتماماته، أن يدخل في شرك النار الفلسطيني في ولايته الثانية. إن العلاقات الوثيقة المتوقعة بين أوباما ونتنياهو، إلى جانب جهد دبلوماسي ودعائي ذكي من قبل إسرائيل، قد يفضيان إلى تناول أكثر عملية للواقع على الأرض ولمواقف إسرائيل الأساسية. إن جاهلا مطلقا، ويوجد أشباه له عندنا، يستطيع أن يعتقد أن أوباما «سينتقم» من إسرائيل في ولايته الثانية؛ فالسياسي الجدي، وأوباما كذلك، لا يحدد سياسته حسب الحب أو الكره، والصلة الوثيقة بإسرائيل وبمن يرأسها مصلحة أمريكية واضحة، ويدرك أوباما أن نتنياهو سيكون شريكه ومُحادثه طول فترة الرئاسة القريبة كلها، وهذا ما سيوجه سياسته. إن ساسة إسرائيليين يُشيعون تنبؤات كئيبة بحرب عالمية تقريبا بين واشنطن وتل أبيب ويحاولون أن يبنوا أنفسهم سياسيا بذلك، سيضطرون كما يبدو إلى أن يأكلوا قبعاتهم.