يبدو أن عزيز الرباح، وزير النقل والتجهيز، كان مدمنا على مشاهدة الرسوم المتحركة في صغره. ذلك، على الأقل، ما تشي به الطريقة التي أعلن بها عن لائحة مستغلي «مقالع الرمال»، والتي تنطوي على كثير من التشويق، كأننا في سلسلة مستلهمة من «جزيرة الكنز»، أشهر الرسوم التي هدهدت خيالنا ونحن أطفال صغار. الوصول إلى الكنز يمر دائما عبر خارطة مليئة بالألغاز. ولأن عائدات مقالع الرمال تقدر بالملايير، اختار الرباح أن ينشر لائحة مليئة بالطلاسم سماها «لائحة المستفيدين من مقالع الرمال». خارطة غامضة تحتاج إلى شخص راسخ في القرصنة، مثل صاحب الرجل الخشبية، كي يفك شفرتها... بعيدا عن الدمياطي والرسوم المتحركة، هناك سؤال يفرض نفسه بعد نشر هذه اللوائح: ماذا بعد؟ أكُلُّ هذا من أجل هذا؟ هل خرج الشباب إلى الشارع، وصوتنا على دستور جديد، وغيرنا الحكومة، وأحدثنا منصب رئيس للوزراء... كي تأتي في النهاية حكومة لا تصنع أكثر من نشر «اللوائح» والتنديد ب«اقتصاد الريع» وشتم «الفساد» وغيرها من الشعارات التي يمكن أن ترفعها أي جمعية أو هيئة مدنية؟ لا أحد يجادل في أن محاربة «اقتصاد الريع» من الأوراش المستعجلة في المغرب لإعادة ملايير الدراهم الضائعة إلى خزينة الدولة والقضاء على أحد الثقوب السوداء التي تبتلع أموال المغاربة دون حسيب أو رقيب، لكن تجربة نشر لوائح مأذونيات النقل تجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول جدية الحكومة في القضاء على «الريع»، لأن كل ما فعلته إلى حد الآن هو نشر قوائم المستفيدين، دون أن تلي ذلك أي خطوة عملية تبشر باجتثاث السوسة الخبيثة، من قبيل بلورة صيغة شفافة وعادلة للحصول على الرخص أو سحب المأذونيات ممن لا يستحقونها أو ممن يملكون أكثر من واحدة، وذلك أضعف الإيمان. ومخطئ من يعتقد أن فضح المستفيدين من الريع يكفي للقضاء عليه، وكل الخشية ألا تؤدي طلاسم الرباح الجديدة إلى أكثر من بعض اللغط العابر ثم تستمر الأشياء كما هي، مثلما جرى مع «لائحة لاكريمات»، إذ ماعدا أننا عرفنا أن مونة فتو ونعيمة لمشرقي ومصطفى الحداوي يملكون رخص نقل، لم يحدث أي شيء، واستمر الوضع على ما هو عليه، بل إن رخصا جديدة سلمت اعتمادا على نفس المعايير السوريالية، وسيكون على الحكومة -إذا ما أطال الله في عمرها- أن تنشر لنا لائحة مزيدة ومنقحة في العام المقبل، كي «تضرب الطر» لمن حصلوا على رخص جديدة، مادام ذلك أقصى ما تستطيع فعله إلى درجة تستحق معها لقب حكومة «ضريب الطر». منذ أن عزز القصر صفوفه بكتيبة من المستشارين، في مقدمتهم فؤاد عالي الهمة والطيب الفاسي الفهري، والحديث يجري في الكواليس والمقاهي والجرائد عن «حكومة ظل» تملك أمور «الحل والعقد» في البلاد، وتسطو على مساحات واسعة من الاختصاصات الدستورية للحكومة، والخشية أن يكون بنكيران ورفاقه قد قبلوا بالأمر الواقع وحولوا الحكومة، التي تملك أوسع صلاحيات في تاريخ البلاد، إلى ما يشبه جمعية من جمعيات المجتمع المدني، لا تفعل أكثر من «الفضح» و«التنديد» و«ضريب الطر» و«التهديد بالاستقالة». ولا بأس أن نذكر من يعنيه التذكير بأن الحكومة جهاز تنفيذي مهمته تحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية وحماية أموال المواطنين من خلال الضرب بقوة على أيدي من يستغلونها بغير وجه حق، لا أن يقول لنا هاهم المفسدون، لأننا نعرفهم واحدا واحدا، ويمكن أن نساعد بنكيران والرباح في العثور عليهم، لكن ماذا بعد؟ «الكنازة حامية والميت فار». إذا كان بنكيران يرى أنه لا يملك سلطة التحرك التي منحه إياها الدستور الجديد، بسبب تدخل المحيط الملكي، عليه أن يرمي الاستقالة وينسحب، لأن حكومة تترك صلاحياتها الدستورية الواسعة كي تتفرغ للعزف على «آلة الطر»، لا يمكن إلا أن تعيد تجربة عبد الرحمان اليوسفي بشكل باهت ومضحك، لأن «التاريخ يعيد نفسه بشكل كاريكاتوري»، كما قال المرحوم كارل ماركس.