مسلسل مشوق اسمه إدريس البصري لم ينته بعد. مر الفصل الأول منه الذي دار حول شخصية ذلك «العروبي» ابن حارس سجن «عين علي مومن»، والذي كان الشخصية الأكثر قوة في البلاد بعد الملك. الفصل الثاني كان عنوانه الانهيار. خلاله تمت تنحية البصري واختياره حياة المنفى الاختياري، الذي ظل يقذف منه شظايا حارقة عبارة عن تصريحات آذنت ببداية الفصل الثالث من قصة البصري، التي استمرت بعد وفاته، وكان أبناؤه وأقاربه أبرز شخوصها. في هذا الجزء من الملف نقرب الصورة أكثر حول ما حدث لأقرباء البصري بعد وفاة أبيهم، ونقدم معطيات جديدة بشأن مآل تركة أعتى وزير داخلية في تاريخ المغرب. كان إدريس البصري، ابن سيدة متواضعة اسمها امباركة ورجل بسيط اشتغل حارسا لسجن عين علي مومن، قد انتقل من حي «البوطوار» بسطات إلى فيلا فاخرة بمدينة بنسليمان، مسقط رأس زوجته فتيحة السليماني. في بنسليمان إذن شب أبناؤه، هشام وخالد وتوفيق. ظل الأبناء يرافقون بين الفينة والأخرى أباهم إلى سطات لزيارة جديهما اللذين بنى لهما وزير الداخلية فيلا فخمة بخدم وحشم يسهر على شؤونهما. أبوا البصري ليسا الوحيدين اللذين استمرت صلتهما بسطات، بل حتى شقيقه الوحيد، بوشعيب البصري، الذي كان رئيسا لجماعة «المناصرة»، حيث نشأ البصري، وعضو مجلس المستشارين حينها. بقية شقيقات البصري الثمان استقررن أيضا بسطات. أبناء البصري لم تربطهم علاقة وثيقة بمسقط رأس والدهما، بحكم أنهم انتقلوا صغارا إلى بنسليمان. في هذه المدينة الرابضة قرب أكبر غابات الشاوية نشأ أبناء البصري، وتحديدا بفيلا فخمة تحتل مساحة شاسعة بمدخل المدينة. باب الفيلا هو ما يمكن رؤيته، أما بنياتها فتوجد في مكان قصي من تلك الأرض الهائلة. حتى الشلال الاصطناعي الذي شيدته سلطات المدينة وصار رمزا لها يوجد ضمن نطاق فيلا آل البصري الشاسعة. ببنسليمان أيضا وأحوازها دارت حروب خفية كشفت جانبا آخر من عائلة البصري. حروب حول الأراضي والمشاريع. انتقلنا بدورنا إلى هذه المدينة وسنحاول تتبع آثار آل البصري هناك. من سطات إلى بنسليمان شخصيات نافذة تسيطر على أجود أراضي بنسليمان، بينها صراعات. ورثة إدريس البصري وفي مقدمتهم أرملته فتيحة السليماني، المتحدرة من بنسليمان، وأبناء البصري، وعلى رأسهم الابن البكر هشام. عارفون بأحوال المدينة كشفوا ل»المساء» سيطرة ورثة البصري على أراض شاسعة ببنسليمان. ففضلا عن تملكهم أرضا واسعة تم وسطها بناء فيلا فاخرة للعائلة، فإن آل البصري تملكوا هكتارات كثيرة في عهد والدهم. مصادر «المساء» تحدثت عن وجود عدة هكتارات من بنسليمان في ملكية أرملة البصري فتيحة السليماني. بعض هذه الأراضي كانت في ملك عائلتها وأخرى تملكتها إبان سيطرة زوجها على الداخلية. تفجرت هذه الحقيقة بعد أفول نجم البصري وخفوت سطوته، حيث بدأ الناس ببنسليمان يتحدثون عما كان يقوم به آل البصري هناك، وصارت الأصوات تُسمع بشكل أوضح بعد خروج حركة 20 فبراير ببنسليمان في مسيرات. خلال هذه المسيرات كان يشارك محتجون يتحدرون من دوار «محمد بنسليمان». يدعي هؤلاء أنهم شرفاء متحدرون من نسب الولي بنسليمان، أصل المدينة ومبدأ نشأتها. هؤلاء «الشرفاء» ظلوا يرفعون شعارات يطالبون فيها الدولة بمساعداتهم على استرجاع أراضيهم السلالية التي حصلت عليها، حسبهم، فتيحة السليماني، أرملة إدريس البصري. من تحدثت إليهم «المساء» أوضحوا أن المعطيات تفيد أن فتيحة السليماني حصلت على هذه الأراضي بطريقة قانونية عن طريق توقيع عقود مع مالكيها، لكن ذلك كان يتم بناء على سلطة زوجها الذي كان يحكم الداخلية بقبضة من حديد، إذ كانت السليماني تعمد إلى إغراء بائعي أراضيهم بمنحهم «كريمات» نقل كانت الداخلية في عهد البصري توزعها بسخاء إلى درجة أن ابن عم فتيحة السليماني، عبد المغيث السليماني، الذي كان رئيسا سابقا للمجموعة الحضرية للدار البيضاء الكبرى قبل اعتقاله، حصل بدوره على «كريمة». أشخاص آخرون باعوا أراضيهم لفتيحة السليماني مقابل تدخلها من أجل إلحاقهم أو أبنائهم وأقاربهم بسلك الأمن الوطني الذي كان يشرف عليه البصري باعتباره وزيرا للداخلية. بهذه الطريقة تملكت فتيحة السليماني مساحات شاسعة من الأراضي ببنسليمان، وبهذه الطريقة أيضا استطاع باقي أبناء البصري أن يحوزوا في ملكيتهم أراضي كبيرة يقيمون فيها الآن مشاريع عقارية. ثروة من تراب بين هذه الأراضي عقار يوجد في مدخل المدينة من جهة المحمدية. يحمل الرسم العقاري رقم 8068/C، وتبلغ مساحته 127 هكتارا و60 آرا. هذا العقار مملوك لشركة في ملكية ورثة البصري، ويسيرها فعليا ابنه البكر، هشام البصري، لكن رئاسته، كما هو مدلى به في الوثائق، معهودة ليونس الوليدي، رفيق درب هشام البصري وواجهته مشاكل في كل مشاريعه، بدءا من شركة للاتصالات تم تأسيسها في 1993، مرورا بشركة عقارية أخرى تستثمر في منطقة بوزنيقة، ووصولا إلى مشاريع أخرى ذات ارتباط بالاتصالات والعقار. المعطيات المتوفرة ل»المساء» تفيد أن هشام البصري واجه مشاكل كثيرة خلال مشاريعه السابقة، آخرها مشروع بناء وحدات سكنية بمحيط مدينة بنسليمان. السبب هو صراعات. هكذا انتظر هشام البصري طويلا قبل الترخيص له بإنجاز مشروعه السكني. هذا المشروع، المودعة ملفاته ووثائقه ببلدية بنسليمان ومصالح أخرى قبل سنتين، رصدت له ميزانية كبيرة، وينقسم إلى منطقتين: منطقة الفيلات، التي يكشف دفتر تحملات المشروع أن شركة آل البصري ستبني فيها 694 فيلا تبدأ مساحتها من 200 متر مربع وتصل إلى 1261 مترا مربعا، ثم منطقة العمارات، حيث تقرر بناء 492 عمارة مكونة من طابقين إلى أربعة طوابق، وتتراوح مساحتها بين 186 مترا مربعا و660 مترا مربعا. هذا المشروع ومشاريع أخرى دارت أساسا حول العقار، ودخل في إحداها أبناء البصري مع شخصيات اقتصادية بارزة مع حفيظ العلمي، رئيس الباطرونا الأسبق، شكلت استمرار ثروة أبناء البصري. هذه الثروة تجلت أساسا في الأراضي التي تم الحصول على جزء كبير منها عبر استغلال إدريس البصري لسطوته ومنصبه وزيرا للداخلية في عهد الحسن الثاني، الذي أنعم على «خادمه الوفي» وأغدق عليه أعطيات كانت عبارة عن أراض شاسعة في قلب الشاوية ببنسليمان. كان ذلك إبان توطد علاقة آل البصري بالقصر إلى درجة أن هشام البصري، الابن الأكبر، كان صديقا لمحمد السادس حينما كان وليا للعهد، كما كانت تربط الابن الأصغر للبصري، توفيق البصري، علاقة صداقة بالأمير مولاي رشيد، إلى درجة أنه كان شريكا له في الغولف الملكي ببوزنيقة. لكن ما الذي حدث حتى صار آل البصري أعداء للدولة؟ كيف تطورت الأمور لتصير ثروة الوالد ونعمته نقمة على الأبناء، وتحول اسم البصري إلى صك اتهام؟.. هذا ما نحاول الكشف عنه من خلال المحور التالي التي نقرب فيها المجهر أكثر من أبرز أقارب البصري.