حقائق تنشر لأول مرة على لسان محمد الحبابي، «الشيوعي» الذي أسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية رفقة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، دون أن يتخلى عن صداقته لمستشاري الحسن الثاني وجنرالاته الأقوياء. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يتحدث أستاذ الاقتصاد عن علاقته بالجنرالين القادري والدليمي وبإدريس البصري، وكيف جمع بين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد لتأسيس الكتلة الوطنية، ثم اتصل بالقصر الملكي لتشكيل حكومة الكتلة في 1971؛ ويتطرق الحبابي إلى علاقة الاتحاديين بالانقلاب على الحسن الثاني سنة 1972. ويميط اللثام عن أسرار غير معروفة في قضية المهدي بنبركة، وكيف خطط رفقة اليازغي لاختطاف «قتلة» المهدي، وكيف سجنه الحسن الثاني رفقة بوعبيد واليازغي بعد رفضهم الاستفتاء حول الصحراء سنة 1981. - بعد غياب المهدي بنبركة، كيف أصبحت علاقتكم في الحزب بجناح عبد الله ابراهيم والمحجوب بن الصديق؟ عندما مات المهدي في 1965، ساءت علاقتنا بالجناح النقابي بقيادة المحجوب بن الصديق وإلى جانبه عبد الله ابراهيم، ولم يتم تطبيعها نسبيا إلا عندما اعتقل المحجوب بن الصديق على إثر الاحتجاجات التي أعقبت حرب 6 يونيو1967، بعد أن اعتبر النظام أن المحجوب بن الصديق يقصده بمقال حمل عنوان «التأثير الصهيوني على مراكز القرار الأساسية لسلطة الدولة»، مع أن المحجوب لم تكن له علاقة بهذا المقال الذي كتبه أخوه عبد الرحمان بن الصديق، النقابي في قطاع الفوسفاط بمدينة خريبكة. وقبل اعتقال المحجوب بمدة قصيرة، كنت أشارك في ندوة بالجزائر رفقة عبد الواحد الراضي والفقيه البصري ومحمد اليازغي ومصطفى القرشاوي والتهامي الأزموري (الطالب الذي كان مع المهدي بنبركة لحظة اختطافه)... - بأية صفة كان معكم التهامي الأزموري؟ اصطحبنا معنا الأزموري إلى الجزائر لأن قضية بنبركة كانت ما تزال مطروحة، وقد كان في حالة سيئة بفعل ما حدث للمهدي بحضوره. - ما هي المداخلة التي تقدمتَ بها في ندوة الجزائر هذه؟ تحدثت عن «بنك باريس والأراضي المنخفضة» الذي حلّ بالمغرب بعد توقيع اتفاقية الحماية، وكان يتحكم في رقبة الاقتصاد الوطني ويمتص ثروات المغرب، وكان وقتها يهيمن، باتفاق مع الحسن الثاني، على مجموعة «أونا» (أومنيوم شمال إفريقيا)، وقد كنا نسمي «بنك باريس والأراضي المنخفضة» ملكة المغرب. خلال هذه الندوة، كان وزير الخارجية الجزائري حينها، عبد العزيز بوتفليقة، يحدثني ويمازحني كما لو أن صداقتنا كانت تمتد ل20 سنة خلت. وبعد الندوة، تم استدعائي رفقة عبد الواحد الراضي إلى حفل عشاء رفقة الرئيس هواري بومدين وبوتفليقة. وقد وقف بوتفليقة وربت على كتفي وهو يقول لبومدين: هذا هو الأستاذ الحبابي الذي كان متألقا اليوم. وقد تناقشنا أنا والرئيس الجزائري هواري بومدين في بعض الأمور المتعلقة بالتوجه الاقتصادي للحسن الثاني وقدمت وجهة نظري النقدية له. - عدتم إلى المغرب مع اندلاع حرب الأيام الستة في يونيو 1967؟ عدنا يومين قبل اندلاع حرب 6 يونيو، وكان قد تم اعتقال المحجوب بن الصديق؛ فبادر عبد الرحيم بوعبيد إلى مد اليد إلى عبد الله ابراهيم من أجل توحيد الحزب بين جناحنا وجناح الاتحاد المغربي للشغل، وقد نجح عبد الرحيم وعبد الله إبراهيم في عقد اجتماع للجنة الإدارية للحزب بكل مكوناتها، ونجم عن ذلك إحداث مكتب سياسي مشكل من نواة ثلاثية أساسية مكونة من كل من عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله ابراهيم والمحجوب بن الصديق، الذي كان لا يزال معتقلا، مع تطعيم هذه النواة بثلاثة أعضاء هم: عبد اللطيف بن جلون ومحمد الفشتالي وأنا. لكن العمل الوحدوي، للأسف، لن يذهب بعيدا لأن الجناح النقابي مضافا إليه عبد الله ابراهيم كان يسعى إلى إخضاع الحزب للنقابة، واستحضار ذلك في أي اتفاق مع الملك لتشكيل الحكومة. وهكذا عادت علاقاتنا بجناح عبد الله ابراهيم والمحجوب بن الصديق إلى سابق عهدها إلى حين إعلان الحسن الثاني عن طرح دستور 24 يوليوز 1970، بعد خمس سنوات من تعطيل المؤسسات بفعل حالة الاستثناء، حيث ستتأسس الكتلة الوطنية بين حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية؛ وستُصدِر يوم 27 يوليوز 1970، بعد ثلاثة أيام على طرح الدستور، بلاغا شديد اللهجة، جاء فيه: «إن حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، تشبثا منهما بالمبادئ الوطنية الصحيحة لبناء مغرب ديمقراطي، متحرر من سيطرة الرأسمالية والإمبريالية والاستعمار الجديد، مناضل لرفع مستواه في نطاق حضارته العربية الإسلامية واتجاهه التقدمي، متضامن مع القوات التحريرية في العالم التي تجمعه وإياها وحدة المصير. وبعد تحليل الحالة العامة في المغرب، المتميزة في الوقت الراهن بالميزات الآتية على الخصوص: تدهور عام في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تتفاحش أخطاره باستمرار، وتشتد وطأته على سواد الشعب، يوما بعد يوم؛ انعدام الضمان الديمقراطي الذي لا يمكن بدونه أن يتحقق حكم سليم متجاوب مع الجماهير، ذو فعالية في معركة البناء الوطني؛ تآمر الرجعية المحلية مع الإمبريالية والاستعمار الجديد ضد الجماهير الشعبية ومنظماتها الوطنية في البلاد؛ محاولة استئصال كل القيم التي ناضل الوطنيون من أجلها طيلة عشرات السنين وأدوا في سبيلها تضحيات باهظة؛ وخنق جميع المطامح المغربية العميقة التي كانت هدفا أساسيا لتحقيق الاستقلال. وبالنظر إلى أن الجماهير الشعبية المغربية سبق لها أن برهنت، كجماهير شعبية منظمة، عن كفاءتها ونضج وعيها في مرحلة نضالها الشاق الطويل ضد الاستعمار لانتزاع حريتها منه، وفرض احترامها عليه؛ ثم لتحديد اختياراتها الكبرى بعد الاستقلال. وبالنظر أيضا إلى المحاولات التي تهدف الآن إلى التشكيك في كفاءة الجماهير المغربية، قصد تحجيرها، وتسعى إلى نسف مكاسبها النضالية، وتفكيك صفوفها المنظمة ليسهل استغلالها الطبقي. وحيث إن التوجيه العام اللاشعبي واللاديمقراطي الذي يوجه الحياة الوطنية في المغرب، يعرض، بشكل محسوس، حاضر الشعب المغربي إلى الانهيار واليأس، ومكاسبه التي انتزعها بثمن تضحيات شاقة إلى الضياع، ومستقبله الوطني إلى الفشل. وبما أن النتائج الناجمة عن هذه الحالة تجلت، منذ الأيام الأخيرة على الخصوص، في تنشيط جهاز القمع وسط الشعب؛ في أزمة التعليم بالجامعة التي نجمت عنها إضرابات الطلاب والتلاميذ؛ في توجيه سياسة المغرب الخارجية نحو كسب الأنصار، مهما كان الثمن الذي يؤديه الشعب المغربي لذلك فاحشا».