تشكل زيارة الملك محمد السادس لدول الخليج والأردن تتويجا للشراكة الاستراتيجية بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي، والتي سيستفيد بموجبها المغرب من دعم مالي يصل ل5 ملايير دولار ما بين 2012 و2016 بمعدل مليار دولار سنويا، كهبة تخصص لدعم المشاريع الكبرى والمخططات القطاعية في المغرب مثل الطرق السيارة، الموانئ، البنيات التحتية، الصحة، الفلاحة والسياحة. لكن بغض النظر عن عمق وقوة العلاقات السياسية بين المغرب وهذه الدول في عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي دأب على عقد القمم العربية في الرباط وفاس لتدارس قضايا النزاع العربي الإسرائيلي والوضع في الخليج، خاصة إبان غزو العراق للكويت سنة 1990 والتدخل الأمريكي آنذاك في ما عرف ب»حرب الخليج الأولى»، وبعيدا عن الإطار السياسي، كيف يمكن للإطار الاقتصادي أن يرسم أفقا جديدا لهذه العلاقات المتينة؟ لقد دأب الملك محمد السادس على تأكيد أن التغيير في المغرب تغيير في ظل الاستمرارية، وهو توجه ينسجم وأداء الدبلوماسية المغربية في علاقاتها بالعالم العربي، حيث يطغى حاليا البعد الاقتصادي على البعد السياسي. ولعل ارتفاع حجم تمويلات الصناديق العربية، خاصة السعودية والإمارات والكويت، يكرس هذا التوجه، إضافة إلى تفعيل اتفاقات التبادل الحر مع الدول الموقعة على إعلان أكادير، كالأردن ومصر وتونس، للرقي بحجم المبادلات التجارية مع هذه المنطقة. وبالأرقام بلغ حجم المداخيل البترولية لدول مجلس التعاون الخليجي 538 مليار دولار سنة 2011، وقدرت احتياطاتها من العملة الصعبة ب1900 مليار دولار خلال نفس السنة، وهو رقم سيصل إلى 2000 مليار دولار سنة 2012. لذا يجب على الحكومة إعداد استراتيجية واضحة لجلب استثمارات الصناديق السيادية الخليجية وتمكينها من دعم المشاريع الكبرى، المهيكلة والمخططات القطاعية بالمغرب. إن مقولة «الرأسمال جبان» مقولة صحيحة تنطبق على الرأسمال العربي الذي يبحث عن الربح أولا وقبل كل شيء، لذا يجب خلق الإطار الملائم والمشجع على ديمومة الاستثمارات العربية عموما والخليجية خصوصا، وذلك بتفعيل دور الوكالة المغربية للاستثمارات في هذا الإطار. وهكذا، فقد استفادت الدبلوماسية الاقتصادية المغربية من عدة اتفاقات نوجزها في ما يلي: - دعم سعودي للمغرب بما قيمته 1.25 مليار دولار للفترة المتراوحة ما بين 2012-2016، وتمويل مشاريع تهم: ميناءي آسفيوالناظور، والطريق السيار وجدة-الناظور والحسيمة-تازة، وسدَّي الراشيدية والحسيمة، وذلك بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية؛ - دعم قطري لرؤية 2020 للسياحة بعد خلق شركة مشتركة بين البلدين في نونبر 2011، ومساهمة مستقبلية في القطاع البنكي المغربي مقابل استفادة قطر من اليد العاملة المغربية المؤهلة؛ - تمويل ثان للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية لمشروع القطار السريع طنجةالدارالبيضاء، ولسدٍّ بإقليم ورزازات، وكذا للمشاريع الطرقية؛ - دعم صندوق أبوظبي ومجموعة «الطاقة الإمارتية» لمشروعين للطاقة الكهربائية بالجرف الأصفر يقدر ب13 مليار درهم، وهو ما يبرز رتبة الإمارات كثالث مستثمر أجنبي في المغرب سنة 2010 بحجم استثمارات يصل في المتوسط إلى 5 ملايير دولار سنويا. لكن مساهمة التمويلات العربية في دعم الاقتصاد الوطني تمر أيضا عبر دعمها للأبناك الإسلامية بحكم خبرتها وتجربتها في هذا المجال منذ سنوات خلت، إذ يمكن للخبراء والمستثمرين الخليجين إغناء التجربة المغربية في هذا القطاع الناشئ. إن زيارة الملك محمد السادس لدول الخليج والأردن ترسم إطارا اقتصاديا جديدا لعلاقات سياسية أصيلة ومتجذرة، وتؤكد الدور الريادي للمغرب في المنطقة العربية رغم تعثر مسلسل السلام العربي الإسرائيلي والمبادرة السعودية في هذا الاطار؛ لكنها، من جهة أخرى، تفرض على المغرب الموازاة بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الاقتصادية، إذ إن إعادة إحياء المفاوضات المجمدة منذ سنة 2000 بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتدخل المغرب فيها بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة إذا ما تم انتخاب الرئيس أوباما لولاية ثانية، سيعطي زخما للعلاقات بين المغرب والولاياتالمتحدة والدول العربية بشكل يبرز المغرب أكثر كشريك استراتيجي لكلا الطرفين، وكفاعل رئيسي في حل النزاعات الإقليمية وحفظ السلم والأمن الدوليين. عضو المعهد المغربي للعلاقات الدولية