يعتبر المجتمع المدني سلطة خامسة أوكلت إليها مهمة تدبير القضايا المرتبطة بقضايا المعيش اليومي للمواطن تدبيرا ينهج، في عمقه، سياسة التدبير ذي توجه القرب. كل هذا يمكن أن نستشفه من خلال الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء الذي أكد فيه الملك محمد السادس على أهمية تفعيل الدبلوماسية الموازية للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة وحماية حقوق ومصالح الوطن، مسجلا أن المسؤولية تقع اليوم على عاتق الأوساط التي تأخذ بزمام المبادرة من خلال الأدوار الطلائعية التي يقوم بها الفاعلون والنشطاء الجمعويون والتي نذكر من بينها، على سبيل المثال لا الحصر: تقييم السياسات القطاعية، ومن ثمة صياغتها في قالب مطلبي من خلال إعداد وتقديم دراسات ومذكرات مطلبية يتم تضمينها عدة ملاحظات ومقترحات بإمكانها أن تضع اللبنات الأساسية لبناء تصورات واقعية يمكنها أن تساهم، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، في إعداد تصور قبلي عن تطلعات المواطنين المتشعبة، مما يساهم في تمكين القطاعات القائمة على تسيير وتدبير المرافق من إعداد سياسات تنموية استراتيجية تنسجم وانتظارات المواطنين. هذا، ويمكن اعتبار الحقل الدبلوماسي أحد أهم الميادين التي أعطى فيها المجتمع المدني الكثير، لا لشيء إلا لأنه يعتبر مجتمعا للقرب في شقيه، سواء تعلق الأمر بالممثليات والسفارات أو قنصليات المملكة بمختلف بقاع المعمور، من جهة، أو بقضايا الرعايا المقيمين بالخارج، من جهة أخرى. لقد قامت منظمات المجتمع المدني بأدوار طلائعية كان لها وقع كبير على تطوير صورة المغرب في بلدان الاستقبال، إذ نظمت ندوات وأيام دراسية وموائد مستديرة وملتقيات وطنية ودولية، هدفت في مجموعها إلى إبراز عراقة وأصالة العادات والتقاليد المغربية التي تمتاز في عمقها بالتسامح والانفتاح على الآخر. إن تقييم النتائج التي حققتها منظمات المجتمع المدني في الميدان الدبلوماسي لا يخلو من إبراز مجموعة من الاختلالات التي لازالت تؤثر سلبا على جودة النتائج المرجوة من وراء تدخلات المجتمع المدني في الحقل الدبلوماسي، والمتجلية أساسا في: - استمرار التعامل بالنظرة القطاعية الأحادية الضيقة في التعاطي مع القضايا الدبلوماسية المغربية، إذ لا يتم، في أغلب الأحيان، أخذ المصالح الدبلوماسية الرسمية بنتائج الدراسات والأبحاث الميدانية التي تقوم بها فعاليات المجتمع المدني في الميدان الدبلوماسي، الأمر الذي يمكن تفسيره بأن الوصاية المجحفة أو الجامدة لا تفسح المجال لمثل مبادرات كهذه؛ - غياب سياسة الانفتاح الدبلوماسي، وخاصة في بعض السفارات أو القنصليات التي نجدها لا تشرك فعاليات المجتمع المدني في تطوير استراتيجية عملها، مما يجعلها لا تواكب، في أغلب الأحيان، متطلبات المرتفقين بها والذين لا زالوا يشتكون من بطء وتعقد المساطر المتعلقة بالخدمات القنصلية، الأمر الذي ينعكس سلبا على صورة المغرب في بلدان الاستقبال؛ - عدم الاعتماد على سياسة دبلوماسية تشاركية، تقوم على اعتبار المجتمع المدني مدرسة لتكوين طاقات دبلوماسية شابة تسند إليها مهام القرب الدبلوماسي؛ - ضعف المبالغ المتعلقة بالمنح المخصصة لمنظمات المجتمع المدني الدبلوماسي في شقيه المتعلقين بالتعريف بالثقافة المغربية التي تمزج بين الأصالة والحداثة، وكذا بالنهوض بقضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج؛ - غياب شراكات حقيقية للتكوين في الميدان الدبلوماسي، الأمر الذي، إن تحقق، سيمكن بلادنا من القيام بتبادل الخبرات بين الدولة المغربية ودول أجنبية أخرى، استطاعت بفضل انفتاحها على محيطيها الداخلي والخارجي حصد نتائج مهمة جدا جعلت دبلوماسياتها مثالا يحتذى به من قبل الدول الطامحة إلى الانفتاح الدبلوماسي. إن الرقي بالدبلوماسية المغربية إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال رهين ب: - إشراك الهيئات السياسية ومراكز البحث العلمي ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية، في بلورة التوجهات والمبادرات ذات الصلة بالسياسة الخارجية للبلاد؛ - تدبير السياسة الخارجية يعد قضية وطنية بامتياز، باعتبارها الأساس الذي يتم من خلاله التعامل مع مختلف المسائل والملفات المرتبطة بالعلاقات الخارجية؛ - ضرورة فتح نقاش وطني معمق وصريح حول إدارة القرارات في السياسة الخارجية الوطنية، بشكل يسلط الضوء على مراحل وقنوات اتخاذ القرار، وكذا على أدوار الفاعلين والمتدخلين بهدف تمكين المهتمين من الاطلاع على أداء جهاز الدبلوماسية بصفة عامة؛ - تفعيل الدبلوماسية الموازية يتطلب مقاربة شمولية واضحة الملامح، تعتمد استراتيجية مضبوطة وجديدة تنبني على بعد عملي وآخر مؤسساتي؛ - ضرورة بحث إمكانيات أخرى لتفعيل أدوار مختلف الفاعلين في السياسة الخارجية للمغرب ودراسة كل القنوات التي يتعين استخدامها خدمة للمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية؛ - أهمية اعتماد وسائل فكرية وإعلامية مستوعبة وداعمة للتوجه المستهدف، عبر صيغ مؤطرة ومقتحمة لمجالات التواصل والمعلومات أو ما بات يعرف بالدبلوماسية الرقمية، مع الحفاظ على ثوابت السياسة الخارجية، لكن مع ابتكار أساليب أكثر شجاعة في تدبيرها؛ - ضرورة بحث وسائل جديدة تكفل للدبلوماسية الموازية الاضطلاع بدور أكبر في القضايا الوطنية. إنه لا يمكن الحديث عن دبلوماسية مغربية فاعلة وفعالة بدون ضمان إشراك فعلي وحقيقي لمنظمات المجتمع المدني في تدبير الشؤون الدبلوماسية للمملكة، الأمر الذي يجد مبرراته في كون السلطة الخامسة تعبر عن المجتمع للقرب من انشغالات المواطن اليومية واللامتناهية، مجتمع لا ينحصر دوره في برامج مناسباتيه بل يسهر على إعداد بيانات وتقارير دورية مشفوعة بإحصائيات ميدانية حقيقية ومضبوطة يمكنها أن تساهم في وضع الأساس لإعداد استراتيجية مندمجة للقرب الدبلوماسي المغربي المندمج. العباس الوردي