عندما كانت تجارة المخدرات في أوجها، بدأت العمارات والإقامات تنبت كما تنبت سنابل الحشيش في كتامة ونواحيها، وكانت الملايير تُبيّض في عمليات عقارية ضخمة، إلى درجة أنه صار من الطبيعي أن يبني تاجر مخدرات عشر عمارات أو أكثر في أقل من سنة. وفي سنوات الثمانينيات، عندما كان الحشيش المغربي يخرج إلى أوربا والعالم كما يخرج الفوسفاط، اعتقد كثير من الناس أن تجارة الحشيش حلال، أو قانونية بعبارة أصح؛ وأكبر دليل على ذلك هو أن تجار المخدرات المشاهير كانوا يحضرون حفلات رسمية ويصلون إلى البرلمان ويهبون المال من أجل بناء مقرات الشرطة، وكثير من المسؤولين كانوا يتلقون منهم الهبات والهدايا، بما في ذلك أضحيات العيد. تقول الهيئات الدولية إن تجارة المخدرات في المغرب تدر مدخولا سنويا يقدر بأزيد من 15 مليار أورو سنويا، وهذا المبلغ غير قار، لأنه من الممكن أن يكون أعلى من ذلك بكثير، بالنظر إلى أن تجارا كثيرين كانوا يهربون الحشيش في الماضي صاروا اليوم يتاجرون في الكوكايين، وهو مخدر يترك خلفه أرباحا مذهلة، طبعا مع نكبات اجتماعية وإنسانية مهولة. المهم في كل هذا هو أن أكبر مجال تم فيه تبييض أموال المخدرات هو مجال العقار، والسلطات المغربية لم تكن تحاسب بالمرة هؤلاء الذين كانوا يبنون العمارت بأموال المخدرات ويتركونها، في غالب الأحيان، فارغة تنعق البوم في أرجائها. عندما تراجعت نسبيا طفرة المخدرات واصل مجال العقار تقدمه وازدهاره، لكن هذه المرة مع أغنياء جدد ظهروا من الفراغ وتحولوا في رمشة عين إلى «ملايْريّة» وأصحاب أرصدة ضخمة في البنوك المغربية والأجنبية. لكن رغم ذلك، فإن تبييض أموال المخدرات استمر معتمدا بشكل كبير على مجال العقار، لأن تجار المخدرات لم يعودوا يبنون عماراتهم ومجمعاتهم السكنية بشكل مباشر، بل صاروا يكتفون بشراء مساكن وشقق كثيرة من المجموعات العقارية الكبرى التي حولت المدن المغربية إلى كوارث مخيفة. بهذه الطريقة، ربحت المجموعات العقارية أموالا ضخمة لأن تجار المخدرات كانوا يخلقون الرواج داخل هذا القطاع عن طريق الشراء بعد أن كانوا يخلقونه عن طريق البناء. وفي هذه الحالة فإن الجميع ربح، وحوش العقار الجدد ربحوا كثيرا من بيع الشقق لتجار المخدرات، وتجار المخدرات اشتروا الكثير من الشقق دون أن يعرفهم أحد لأنهم لم يعودوا في الواجهة. بهذه الطريقة، ظل العقار والمخدرات دائما مرتبطين بزواج كاثوليكي يستحيل فيه الطلاق، وهو زواج لا يزال مستمرا حتى اليوم. الآن، وفي مختلف المدن المغربية، يقوم وحوش العقار بتدمير المآثر والغابات والمناطق الخضراء من أجل بناء عمارات ومجمعات أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها كارثة وطنية؛ ففي أماكن كثيرة هناك مجمعات لمئات الآلاف من الناس بدون حديقة واحدة، بل ولا شجرة واحدة، ولا مدرسة ولا طرق ولا مسجد ولا مستودع سيارات، ولا أي شيء. لكن رغم كل هذا، فإن وحوش العقار ظلوا يبيعون هذه الشقق كما يبيعون الخبز الساخن في الأيام الباردة. لقد تقاطر عليهم الناس واشتروا كل شيء، فشجع ذلك وحوش العقار على بناء المزيد من المساكن التي لا تعتبر لائقة حتى لأسر من الحيوانات فبالأحرى لأسر من بني البشر. إذا نظرنا اليوم إلى لوائح كبار الأغنياء، نجد على رأسهم أسماء وازنة من وحوش العقار. وكلمة «وحوش» ليست قدحا فيهم، بل هي صفة واقعية جدا، بل يمكن اعتبارها عبارة مُلطّفة في حقهم، لأن الوحوش الحقيقية لو دخلت المدن المغربية لما أحدثت فيها كل هذا الدمار والتشويه الذي تسبب فيه وحوش العقار الآدميين. لو شئنا، إذن، أن نقارن بين تجار المخدرات، الذين كانوا يبنون عمارات لائقة وجميلة من أجل تبييض أموالهم، وبين وحوش العقار الذين يبنون اليوم كوارث حقيقية من أجل الاغتناء الفاحش، فمن الطبيعي أننا سنعتبر تجار المخدرات أقل سوءا بكثير من وحوش العقار. ثم إن مهربي المخدرات يتعبون كثيرا من أجل تهريب وبيع مخدراتهم، وهم مهددون بالموت والسجن في أي وقت، بينما وحوش العقار لا يعرفون معنى التعب، وتم إعفاؤهم من الضرائب، وحصلوا على كثير من الأراضي بالمجان، واستولوا على أخرى بالنصب والاحتيال، ودمروا قيم الأسر المغربية من خلال بناء أقفاص ضيقة يعيش فيها الأب والأم والأخ والأخت بدون عزلة ولا حشمة ولا حميمية. هكذا، تبدو المعادلة واضحة، فوحوش العقار تسببوا لهذه البلاد في تسونامي حقيقي، وجمعوا الكثير من الأموال من المخدرات وغيرها، لكنهم لم يحلّوا بالمرة أزمة السكن، ومع ذلك صاروا من أغنى الأغنياء.. إنها معادلة رهيبة.