مبارك عليكم العيد، فللأعياد حلاوة، ولكن الموظفين المضربين سيكون عيدهم مرّا بسبب أزمة الاقتطاع من الأجور لأن الحكومة قررت ذلك ردا على الإضراب، هي تقول إن الموظفين تغيبوا أثناء الإضراب وعليهم أن لا يتقاضوا الواجب، وهم يقولون إن الإضراب حق دستوري. أما المجذوب فيسأل: ولماذا يتغيب البرلمانيون ولا يتم الاقتطاع من أجورهم؟ ويرد عليه الدغوغي: تلك من أسرار مملكة الحكمة. وإذا كانت الحكمة ضالة المؤمن، فيمكن للراغبين طلبها في البرلمان؛ إذ في الوقت الذي يقتطع فيه وزير العدل والحريات من أجور المضربين في قطاع العدل، يسعى البرلمان إلى تحفيز الناس الذين فيه عبر منحهم تعويضات مالية جزاء وفاقا على مواظبتهم على الحضور، وذلك لحكمة لا يعرفها العامة. وفي هذه الحالة، لا أعرف كيفية تعويض البرلمانيين الذين يرفضون مغادرة القبة التشريعية ويفضلون البقاء هناك بانتظار الجلسة المقبلة من أجل تسمين التعويضات أكثر، هل سيتم اتهامهم باقتحام المؤسسة كما حصل مع موظفي العدل المضربين وتحريض الأمن عليهم أم سيتم التنويه بتفانيهم في العمل مع النفخ في تعويضاتهم؟ يجيب الدغوغي: البرلمان مؤسسة للتشريع، وهو لا يُسأل وأنتم تُسألون؛ أما المضربون، فليشربوا بول النمل. ويبدو أن الخطأ خطأ المعطلين الذين يطالبون بالشغل كل يوم أمام مقر البرلمان، إذ يحتمل أن يكون البرلمانيون قد ظنوا أن حاملي الشهادات الجامعية يحتجون على المساواة بين الذين يحضرون والذين لا يحضرون للجلسات، لأنها قسمة ضيزى أن يتساوى ما يتلقاه الحاضرون والغائبون في نهاية كل شهر، فوقع للمعطلين ما وقع للرعية في مسرحية سعد الله ونوس «الفيل يا ملك الزمان». وفي هذا الزمان صرنا نعيش البعبعة السياسية، على وزن فعللة، كل واحد يبعبع بطريقته، أو يفعلل، ورحم الله نوبير الأموي عندما أطلق عبارته القديمة حين ظهرت كلمة العولمة في المغرب وسماها «العوعوة»، فقد كان يقصد الذئاب التي ستظهر مع العولمة وتأكل الضعاف، أما نحن فنقصد بالبعبعة الحملان، فالعوعوة تأكل البعبعة، ولذلك يقول المغاربة في ما بينهم «البعابع» عندما يقصدون الخواء، ولو أن البرلمان بالفعل زاد في تعويضات المسافرين على مقاعده لما ترك للمعطلين أمام بابه سوى «البعابع». وهذه طريقة جيدة جدا في التوزيع العادل للثروة، فالمشكلة التي كان يعيشها المغاربة طيلة العقود الماضية وحتى آخر دستور هي سوء توزيع الثروات التي تتوفر عليها البلاد، لهذا السبب لا بد من تطبيق نفس الإجراء في المهن والوظائف الأخرى، وبالأخص في المجالس والجماعات، عملا بالمبدأ الذي يشكل جوهر فكرة المساواة في المغرب «زيد الشحمة في ظهر المعلوف». ويمكن لهذا الإجراء أن ينهي إلى الأبد ما يعانيه المواطنون من البطء الإداري، لأن تغيب المسؤولين في الإدارات العمومية والتماطل في قضاء حاجيات المواطنين يعود إلى عدم استفادتهم من التعويض عن الحضور، على غرار التعويض عن المهام المعمول به في مختلف المؤسسات الكبرى والوزارات، رغم أن بعضها لا يقوم بأية مهمة تعود بالنفع على المواطنين، فالعديد من هذه المؤسسات حتى الآن عاد بالنفع على مسؤوليها فقط، ويمكن لمن يشك في هذا الكلام أن يفتح أي تقرير للمجلس الأعلى للحسابات في عهد الميداوي، أما ادريس جطو فنحن بانتظار أن يكشف لنا أسماء الذين زادوا «الشحمة» بأنفسهم في ظهورهم دون انتظار قرار رسمي يخول لهم فعل ذلك، من الفعللة، على وزن بعبعة. وشخصيا وبعيدا عن المزاح، الهزل لا الفاكهة، أعتقد أن المسألة فيها غلط في الحساب ليس إلا، وهو غلط يمكن تداركه؛ ذلك أن الذي حصل هو أن البرلمان أراد التجاوب مع مطالب الفئات الشعبية بالتقليص من التعويضات المالية التي يتقاضاها أعضاؤه نهاية كل شهر، فاختلط الحساب، وعوض جدول الطرح تم استعمال جدول الجمع، ولذلك جرى الحديث عن «التعويض على الحضور» بدل «عدم التعويض عن الغياب»، وفي جميع الأحوال يهون الأمر ما داموا لم يعتمدوا جدول الضرب، وإلا لكانت الطامة الكبرى، وهذا هو السبب في الأزمة التي أصابت بعض أعضاء مجلس المستشارين الذين اتخذ الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة قرارا شجاعا بتوقيف تعويضاتهم الشهرية بسبب انتهاء ولايتهم في الأسبوع الماضي، إذ رغم أن هناك دستورا جديدا فإن البعض ما يزال يصر على أن يكون صرف المال على أساس الدستور القديم. ولكن المجذوب له رأي آخر غير رأي بنسودة: لماذا لم يتخذ هذا القرار في حق صلاح الدين مزوار؟ ويرد الدغوغي: تلك من أسرار مملكة الحكمة.