اعتبر سياسيون ونقابيون إقدام الحكومة، من خلال الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بتحديث القطاعات العامة محمد عبو، على الاقتطاع من أجور الموظفين، خطوة «غير ديمقراطية» ولا تستند إلى خلفية قانونية، كما أنه سابقة خطيرة من نوعها في تاريخ الحكومات المغربية، التي ظلت تهدد بنفس الإجراء غير أنها لم تقدم عليه، إلا في ظل حكومة عباس الفاسي الحالية. ويستطرد هؤلاء الرافضون لإجراء الحكومة، بالقول أن لا أساس ارتكزت عليه هذه الأخيرة في ما ذهب إليه، لكون حق الإضراب يكفله الدستور وهو القانون الأسمى للدولة، وبأن «الحكمة كانت تقتضي من الحكومة، بدل اللجوء إلى الاقتطاع من أجور موظفي الإدارات العمومية وشبه العمومية، تهييء قانون منظم لحق الإضراب، كما ينص على ذلك الدستور المغربي»، يقول عضو اللجنة التنفيذية في حزب الاستقلال الحاكم محمد الخليفة الذي أضاف أن «مثل هذا القانون يمكنه تعريف الإضراب أولا، والتفريق بين الإضراب والتغيب عن العمل ثانيا، سواء كان بمبرر أو بدونه، وبالتالي من شأن مثل هذا القانون المنظم أن يحدد الأسباب والمعايير التي تستند إليها الحكومة في الاقتطاع، وتوضيح مبررات وخلفيات ذاك الاقتطاع». والغريب أن الحكومة، التي لا تدع مناسبة إلا وتحدث عما تراه مكاسب في إطار الحريات العامة التي تحققت في عهدها، هي اليوم من يسجل سابقة خطيرة في تاريخ الحكومات الوطنية السابقة، كما يرى ذلك القيادي الاستقلالي في حديثه إلى «المساء»، مضيفا أنه «تاريخيا، ورغم أن العديد من الحكومات في الماضي كانت تهدد بمثل هذا الإجراء، فإن أن أية حكومة لم تقدم على عملية الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين رغم التهديدات التي كانت تطلق بشأن هذا الغرض». وأكد الخليفة على أن القانون صريح في ما يخص الاقتطاع من أجر الموظف الذي لا يذهب إلى عمله، وبدون تقديم مبررات غيابه عن أداء المهام الموكولة إليه، وبالتالي، يضيف الخليفة، فإن إجراء الحكومة هو مخالف لما يقتضيه الدستور الذي يكفل الحق في الإضراب، مشيرا إلى أن الدستور رغم سكوته عن تنظيم الحق في الإضراب، فإن ذلك لن يكون بأي حال من الأحوال مبررا لدى الحكومة لاقتطاعها من أجور المضربين، لأن ممارسة حق الإضراب ليس تغيبا عن العمل يستدعي الاقتطاع من الأجر، داعيا إلى ضرورة صياغة قانون منظم لهذا الحق. من جهته، أشار القيادي في الحركة الشعبية والكاتب العام الوطني للنقابة الشعبية للمأجورين، حسن المرضي، إلى أن إقدام الحكومة على الاقتطاع من الأجور هو إجراء للتغطية على ما أسماه «عجز» الحكومة عن إيجاد حلول لمطالب ممثلي المأجورين و»هروباً إلى الوراء بقصد لي أذرع» النقابات الوطنية، مضيفا أن «حق الإضراب هو حق مشروع ودستوري ولا يمكن لأحد أن يقفز على ذلك تحت أي ذريعة أو مبرر». وألقى المرضي بقسط كبير من المسؤولية على بعض الفرقاء الاجتماعيين الذين لا يستجيبون لدعوات الإضراب، خاصة القطاعية، بكيفية جماعية، مما يسمح للحكومة، يقول القيادي في حزب الحركة الشعبية المعارض، بتطبيق إجرائها القاضي بالاقتطاع؛ مفسِرا ذلك قائلا «إنه في الوقت الذي يخوض فيه مناضلو هذه المنظمة النقابية أو تلك إضرابهم، يأبى مناضلو نقابة أخرى ذلك ويحضرون إلى العمل، مما يوحي للحكومة بأن المضربين هم ليسوا كذلك، بل هم فقط متغيبون عن العمل». ويرى الأستاذ الباحث وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، حسن طارق، إقدام الحكومة على تلك الخطوة تم انطلاقا من مستويين سياسي وقانون؛ فعلى المستوى السياسي، يعتبر اقتطاع الأجور حلقة أخرى في مسلسل التوتر الاجتماعي الحاصل على المستوى الوطني، حيث تدهور بشكل فظيع. بينما على المستوى القانوني، يلاحظ أن هناك فراغا تشريعيا كبيرا، مما يستدعي حوارا تشارك فيه كل مكونات المجتمع من حكومة ونقابات وأحزاب سياسية بقصد إيجاد إطار قانوني ينظم حق الإضراب ويسمح للنقابات كذلك بإعادة تكوين نفسها. وخلص طارق، الذي تحدث إلى «المساء»، إلى أن المبرر الذي تسوقه الحكومة، في سياق تفسيرها لحيثيات الاقتطاع، هو تبرير لا يستند إلى أساس، باعتبار أن الاجتهادات القضائية التي استندت إليها الحكومة، تخص الإضرابات الفجائية، وليس الإضرابات المنظمة التي يعلن عنها مسبقا.