حقائق تنشر لأول مرة على لسان محمد الحبابي، «الشيوعي» الذي أسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية رفقة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، دون أن يتخلى عن صداقته لمستشاري الحسن الثاني وجنرالاته الأقوياء. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يتحدث أستاذ الاقتصاد عن علاقته بالجنرالين القادري والدليمي وبإدريس البصري، وكيف جمع بين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد لتأسيس الكتلة الوطنية، ثم اتصل بالقصر الملكي لتشكيل حكومة الكتلة في 1971؛ ويتطرق الحبابي إلى علاقة الاتحاديين بالانقلاب على الحسن الثاني سنة 1972. ويميط اللثام عن أسرار غير معروفة في قضية المهدي بنبركة، وكيف خطط رفقة اليازغي لاختطاف «قتلة» المهدي، وكيف سجنه الحسن الثاني رفقة بوعبيد واليازغي بعد رفضهم الاستفتاء حول الصحراء سنة 1981. - في سنة 1960، تم إبعادك عن مكتب الأبحاث والمساهمات الصناعية من طرف بعض المحيطين بولي العهد (الحسن الثاني) الذين قلت إنهم كانوا يسعون إلى تحقيق أرباح شخصية.. قبل أيام كنت أقرأ إحدى اليوميات المغربية الناطقة بالفرنسية، ووقفت على مقال يتطرق إلى تطور الصناعة في كوريا الجنوبية، التي كانت خلال الستينيات في أسفل سلم التصنيع الدولي؛ وأشار المقال إلى الكيفية التي وضعت بها كوريا الجنوبية سياسة تصنيعية حرصت على تطبيقها بدقة لتصبح اليوم من أهم دول العالم تصنيعا. ما قامت به كوريا الجنوبية في الستينيات هو نفسه ما كنا نحن نريد القيام به؛ فقد سطّرنا رفقة عبد الرحيم بوعبيد، سنة 1958، عندما كان هو وزيرا للاقتصاد وكنت أنا مديرا لمكتب الأبحاث والمساهمات الصناعية، برنامجا، وضعنا فيه منطقة الريف والشرق، حيث نتوفر على مناجم الفحم بجرادة ومناجم الحديد في الريف، كما توجد مناجم أخرى للحديد لم يتم التنقيب فيها إلى يومنا قرب تافيلالت، كما نتوفر هناك على المنغنيز. وقد قمنا حينها بدراسة خلصنا فيها إلى أهمية بناء معمل لتصنيع الفولاد، يقوم أيضا بتصنيع «الحديد-منغنيز (ferromanganèse)»، ويعمل على تغيير وجه الريف والمنطقة الشرقية، من الناظور حتى تافيلالت. وبعد الدراسة وضعنا طلب عروض، فجاءنا عدد من الاقتراحات قبلنا أحدها، لكننا لاقينا صعوبات ولي العهد حينها (الحسن الثاني) الذي لم يستسغ السرعة التي كنا نمشي بها. - لماذا؟ لأن ولي العهد الحسن كان يريد أن يكون كل شيء تحت يده، خصوصا في الريف التي واجه سكانها بشكل شخصي خلال أحداث 1958-1959، لأنه لم يكن يثق فيهم. المهم أننا بعد أن أنجزنا طلب العروض وتلقينا عرضا يتضمن شروطا مهمة وإيجابية للمغرب، طلب سفير تونس في المغرب لقائي، والتمس مني إمداده بمعلومات عن المشروع، فشرحت له المحطات التي قطعناها وكذا أهم ملامح مشروعنا، ثم بعد ذلك قام التونسيون بالاتصال بالشركة التي كنا قد قبلنا عرضها، وهي شركة فرنسية اسمها «Compagnie des Ateliers et Forges de la Loire»، واتفقوا معها على إنشاء معمل في بنزرت مشابه لما كنا قد اتفقنا معها على إنشائه في الريف. من ناحية أخرى، وفي ما يتعلق باستغلال وتطوير صناعة الفوسفاط، فكرنا، في نهاية الخمسينيات، على اعتبار أن المغرب يتوفر على ثلثي احتياطي العالم من الفوسفاط، أن نتوقف عن تصدير الفوسفاط خاما، وأعددنا مشروعا يتعلق ببناء مركب كيميائي في آسفي، وعندما رأت الشركات الأجنبية أهمية ذلك المشروع، خصوصا مع علمها بوفرة الفوسفاط المغربي وقربه من البحر، بدأت في الاتصال بنا، واقترحت علينا شركة «شيل» الهولاندية-البريطانية، المتخصصة في البترول والتي كانت تعرف أن مستقبل العالم سيكون في المجال الفلاحي الذي يحتاج إلى الأملاح والسماد، إقامة مركب لتصنيع «فوسفاط الأمينيوم» الذي لم يكن يصنع حينها إلا في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي اليابان، وهو مزيج من الفوسفاط والأمينيوم، والأمينيوم من الأمونياك الذي هو من مشتقات الغاز، لذلك عرضت علينا شركة «شيل» أن نبني مركبا ل«فوسفاط الأمينيوم» قرب مركب الفوسفاط في آسفي، وقد كان الاتفاق مع مسؤوليها بداية على أن يقوموا هم بجلب الغاز، لكن بعد العثور على الغاز قرب الصويرة، قبلوا أن يتم تصنيع «فوسفاط الأمينيوم» بالغاز المغربي، وقد وقعنا اتفاقية للبدء في ذلك، لكنه تم إفشال هذا المشروع أيضا. - من أفشله؟ ولي العهد (الحسن الثاني) الذي كان خائفا مما نقوم به. - ولكن حينها كانت هناك حكومة قوية ومستقلة، هي حكومة عبد الله ابراهيم! بالرغم من وجود حكومة عبد الله ابراهيم لم نتمكن من إنجاز ذلك المشروع المهم، فعندما بدأنا في بناء مركب آسفي، أعطى ولي العهد أوامره للجيش ببناء مطار قرب آسفي، لأن مركب آسفي كان سيضم العديد من العمال، وهي الطبقة التي لم يكن ولي العهد يثق فيها، لذلك فكر في أن يضع قريبا من المعمل مطارا يمكنه أن ينزل فيه قوات الجيش في أي وقت شاء. ومع كل ذلك، فبمجرد ما علمت العديد من الشركات العالمية بأن «شيل» قدمت إلينا عرضا في مجال الفوسفاط، تقاطرت علينا طلباتها. في تلك المرحلة، قمنا بأبحاث عن «البوتاس» بداية من سنة 1960 مع شركة مناجم البوتاس في منطقة الألزاس، فوجدنا أن المغرب يتوفر على كنز من البوتاس يفوق الفوسفاط، وعلى امتداد مئات الكيلومترات بين آسفي والمحمدية، والمنطقة الغنية هي الخميسات. وقد قمنا بثلاث دراسات: الأولى حول المنجم والثانية حول مدّ سكة حديدية من الخميسات إلى القنيطرة، والثالثة لبناء ميناء معدني في القنيطرة بغاية تصدير البوتاس؛ واتفقنا مع شركة مناجم البوتاس في منطقة الألزاس بفرنسا على إقامة معمل ستكون قيمته أكبر من معمل بوتاس الألزاس بفرنسا، بحيث لم يكن مطروحا أن يكون لنا وقتها من منافس غير الاتحاد السوفياتي الذي كان يتوفر على البوتاس في منطقة جبال الأورال النائية. لكن حكومة عبد الله ابراهيم سقطت وغادر عبد الرحيم بوعبيد وزارة الاقتصاد، وبقيت أنا لأيام في «مكتب الأبحاث والمساهمات الصناعية» لكوني كنت أتفاوض مع شركتي «سيمكا» و«فياط» للسيارات، و«بيرلي» للشاحنات، على تصنيع السيارات والشاحنات في المغرب، بدل تركيبها، قبل أن يتم إبعادي بدوري بعدما اعترضت على طلب مولاي علي العلوي، ابن عم الحسن الثاني، أن يستفيد من نسبة 10 في المائة من صفقة تصنيع السيارات والشاحنات، دون أن يقدم أي شيء للمشروع، اللهم ما كان يقول إنه دراسة جاء بها عن سوق السيارات.