رفض شافيز أن يسلم بأن ما يقع في العالم العربي هو ثورات ساهمت في اندلاعها الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المزرية التي لا تختلف إلا قليلا عن الأوضاع التي عرفتها أمريكا اللاتينية في العقد الماضي، والتي كانت وراء حركات الاحتجاج العارمة التي استفادت منها قوى اليسار الأمريكي اللاتيني للوصول إلى الحكم. وكان شافيز يستغل كل اللقاءات الدولية والمناسبات الرسمية، التي تعرف حضورا مكثفا لوسائل الإعلام، للتعبير عن موقفه من الثورات العربية؛ وهكذا ففي الذكرى السابعة عشرة لخروجه من السجن، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها، وأمام جموع حاشدة، قدم صورة أخرى لما وقع في ليبيا في 17 فبراير 2011 وبعده، حيث «خرجت -حسبه- مجموعة من الأشخاص العنيفين والإرهابيين لمهاجمة الجنود في معسكراتهم، ومهاجمة الشعب الأعزل، بالطائرات والدبابات والأسلحة المتطورة»؛ وبسبب ذلك، وجدت كتائب القذافي «نفسها مجبرة على الرد على التمرد المسلح، لأن هذا هو التصرف الطبيعي الذي يجب أن يفعله أي نظام عندما يوضع في مثل هذا الموقف»؛ وأضاف قوله: «لن أدين القذافي، سأكون جبانا إذا أدنت من اعتبرته صديقي لمدة طويلة دون أن أعرف بالضبط ما يقع في ليبيا»، وشبه ما كان يقع ب«حرب الكلاب». وبعد نجاح الثورة الليبية، رفض الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي: «نحن لا نعترف إلا بحكومة واحدة، هي التي يقودها القذافي، ولا حكومة في ليبيا بالنسبة إلينا سواها»، واصفا المجلس الوطني الانتقالي ب«مجموعة من الإرهابيين». ويعتز شافيز بصداقة القذافي، وبالخيمة التي أهداه إياها والتي لا يتردد في تسخيرها في حملاته الدعائية، كما فعل عقب الفيضانات التي ضربت كاركاس في نهاية سنة 2010، فقد دعا بعض العائلات المنكوبة إلى الإقامة بالقصر الجمهوري بعد أن أخلاه، وانتقل هو للإقامة في الخيمة التي وضعها في حديقة القصر. ولم يختلف موقف شافيز من الثورة السورية عنه من الثورة الليبية؛ فبشكل اختزالي اعتبر أن أصل المشكل في سوريا هو مظاهرات احتجاج سقط فيها قتلى، وتم بعد ذلك: «توجيه أصابع الاتهام ظلما إلى رئيس على درجة كبيرة من الإحساس الإنساني المرهف، تكون في المدارس الإنجليزية، لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفه بالمتطرف». ودائما حسب شافيز، فإن الأسد والقذافي «زعيمان اشتراكيان ملتزمان بالثورة». موقف شافيز الرافض للثورات العربية تحركه، أولا، دوافع اقتصادية، فقد بلغت قيمة الصفقات التجارية التي تمت بمقتضى الاتفاقية التي وقعت في 2010 بين فنزويلا وليبيا مليار دولار؛ ومع سوريا كذلك ترتبط فنزويلا بتعاون اقتصادي متين، عرف دفعة جديدة عقب زيارة شافيز لدمشق في أكتوبر 2010. موقفه الرافض لهذه الثورات تحركه كذلك دوافع إيديولوجية، فهو لا يستطيع أن يرى ذاته في نفس صف الولاياتالمتحدة، وكان يكفي أن تعبر هذه الأخيرة عن موافقتها على التغيير في العالم العربي، ليقف هو في الطرف النقيض. وقد شبه شافيز تدخل حلف الأطلسي في ليبيا، للحيلولة دون وصول كتائب القذافي إلى بنغازي، ب«الجنون الإمبريالي» الذي لا يختلف عما قامت به إسرائيل ضد أطفال غزة، لأن هذا التدخل -حسبه- استهدف «المدارس والمراكز التجارية»؛ يقول: «عليهم أن يحترموا سيادة الأمة العربية، وشعبها وحكوماتها. إلى متى سيستمر الأمريكيون وحلفاؤهم في الحلف الأطلسي يظنون أن لهم الحق في قنبلة العالم؟ كفى من الدوس على حقوق شعوب العالم الثالث». ويعتمد شافيز في دعمه للنظام السوري على عدد من النافذين من أبناء الجالية السورية في فنزويلا، الذين يتكتلون في ما يسمى ب«فيدرالية المؤسسات العربية في فنزويلا»، التي عبرت عن دعمها للنظام السوري من خلال رسالة جاء فيها: «أمام الهجوم الإمبريالي الذي تتعرض له سوريا، تعبر فيدراليتنا عن دعمها الكامل للحكومة والشعب السوري، في مواجهة واحدة من أخطر المناورات الاستعمارية الإمبريالية والصهيونية التي عرفها التاريخ». وتضيف الرسالة، الموقعة من طرف رئيس الفيدرالية عادل الزبيار: «ليس هناك أدنى شك في أن أغلب المتظاهرين يتم استعمالهم وتحريكهم من طرف مجموعات صغيرة، لها أهداف محددة تتمثل في إجهاض وضرب الحكومة القومية والوطنية السورية». كما يعتمد شافيز على مجموعة من السياسيين العرب الذين عينهم في حكومته، مثل وزير الداخلية طارق العصامي الذي كان والده كارلوس العصامي ممثلا لحزب البعث في فنزويلا، ومثل رايموندو قبشي، مستشاره الخاص في شؤون الشرق الأوسط، الذي يصف نفسه ب«أذن شافيز التي يسمع بها ولسانه الذي يتحدث به حول قضايا الشرق الأوسط»، ويعتبر قبشي أن الحراك في العالم العربي ما هو إلا استمرار للحرب الباردة وجزء من الحرب العالمية الثالثة التي هي حرب اقتصادية تحركها الإمبريالية الأمريكية، أما الثورات الحقيقية -حسبه- فهي ثورة الضباط الأحرار في مصر وثورة شافيز في فنزويلا، يقول: «في بداية شبابي وأنا في لبنان، ناضلت من أجل ثورة جمال عبد الناصر، ولما جئت إلى فنزويلا ناضلت من أجل الثورة البوليفارية». يظهر أن شافيز وغيره من القادة الثوريين في أمريكا اللاتينية، من أمثال كاسترو وأورتيغا وموراليس، سيواصلون موقفهم الرافض لطموحات الشعوب العربية في الوصول إلى الديمقراطية، كما سيواصلون رفضهم للثورة السورية، وهو ما تجلى في القمة العربية الأمريكية الجنوبية الثالثة، التي عقدت مؤخرا في البيرو، فرغم كل الخطابات الرنانة، التي تدعم هذه الثورة والتي حرص الزعماء العرب المشاركون في المؤتمر على تكرارها في كلماتهم الرسمية، نجح اليسار الأمريكي اللاتيني في منع إدراج أي بند في البيان النهائي حول هذه الثورة، مع أن هذا البيان تضمن سبعين بندا.