بعد سنوات من العزلة، قررت ابنة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران الخروج عن صمتها وكشف تفاصيل حياتها، خصوصا في مرحلتي الطفولة والمراهقة. وأكدت أن والدها ضرب جدارا من السرية على طفولتها، وكشفت عن علم مقربين منه بأبوته لها. ومع ذك، لم تلم والدها على المعاناة التي لقيتها في طفولتها ومراهقتها، بل ألقت باللوم على نسق عام لم تستبعد أن ينجب مازارين جديدة. «لا يوجد أسوأ من أن يصبح الإنسان عميلا سريا للاستخبارات دون أن يكون كذلك على أرض الواقع. يتسبب هذا الأمر في مشاكل عديدة في الحياة اليومية للإنسان الذي قدر له أن يعيش هذا الوضع». بهذه الكلمات استهلت مازارين بينجو، ابنة الرئيس الفرنسي السابقة فرانسوا ميتيران، التي ظلت سنوات عديدة بعيدة عن الأضواء. خرجت بينجو أخيرا عن صمتها الطويل لتكشف النقاب عن تفاصيل حياتها بعيدا عن الدوائر المقربة من والدها ميتيران. ومن غريب الصدف أن ابنة القيادي الاشتراكي الراحل اختارت تسليط الضوء على معالم طفولتها وكشف النقاب عنها بعد سنوات من التكتم، مع عودة الاشتراكيين من جديد إلى قصر الإليزي إثر انتخاب فرانسوا هولاند رئيسا للجمهورية في يونيو الماضي. عميلة سرية تصر مازارين على تشبيه ما سلف من حياتها بيوميات العملاء السريين، مع فارق بسيط يجعل حياة هؤلاء أفضل من حياتها. ويتمثل هذا الفارق في كونها عاشت هذه الحياة مكرهة عكس العملاء الذين تعتبر السرية مكونا أساسيا للعمل الذي يقومون به. كشفت بينجو كذلك عن المعاناة التي لازمتها طيلة السنوات الماضية نتيجة اضطرارها إلى التزام الصمت وعدم البوح بكلمة واحدة مخافة أن تكشف أمورا مخجلة. تقول إنها «تؤمن بأن التزام الكتمان لا يكون إلا لأمرين اثنين: أولهما مكان كنز والثاني أمور مخجلة». غير أنها تستدرك لتؤكد أن حالتها أكثر تعقيدا لكونها جمعت بين الأمرين: الكنز والأمور المخجلة. وفي ظل هذا الوضع، أكدت ابنة الرئيس الفرنسي الراحل أنها عانت كثيرا قبل أن تستعيد شخصيتها الحقيقية، خصوصا أن الكشف عن هويتها وتفاصيل السنوات التي عاشتها بعيدا عن أعين الإعلام الفرنسي ظلت مطلب كثير من المقربين منها. بيد أن مازارين كانت تصد كل هذه المطالب بحجة واحدة: الرغبة في حماية الأهل والحرص على عدم إزعاجهم، مشبهة نفسها ب«جندي صغير يدافع عن أسرته». وقد امتدت تداعيات هذه الحياة السرية لابنة الرئيس الفرنسي الراحل إلى مختلف أنشطتها، وطبعت علاقاتها بالمال والناس والعمل والشرعية، حتى إنها كانت تجد نفسها مجبرة في مناسبات عديدة على «التماس العذر عن التواجد في أوقات معينة في أماكن محددة»، غير أنها لم تكشف عن طبيعة الأمكنة موضوع الاعتذار الذي تحدثت عنه في آخر استجواب لها نشر في العدد الأخير من مجلة «ليكسبريس» الفرنسية. إذ فرضت عليها الظروف التي عانت منها في طفولتها عيش حياة مزدوجة. فهي ابنة رئيس سابق تلهث وسائل الإعلام الفرنسية، ومعها العالمية، وراءها طمعا في نيل سبق صحافي بخصوص مستجداتها، خصوصا إذا تعلق الأمر بتغير جذري في أسلوب حياتها، ومع ذلك تجد نفسها مجبرة على مواجهة كوابيس من قبيل البحث عن عمل ومفاوضة رب العمل على أن يكون الراتب الذي تحصل عليه من شركته في مستوى قيمتها. الثورة المستحلية رغم الظروف القاسية التي طبعت طفولة مازارين، التي أجبرت على العيش بعيدا عن أسرتها الحقيقية، لم تندم إلى حدود الساعة على التزام الصمت والاستسلام لنمط الحياة الذي فرض عليها. إذ تجزم في هذا السياق بأن الثورة في حالتها كانت مستحيلة. أكثر من ذلك، ذهبت إلى حد اعتبار أي تغيير في أسلوب حياتها، ولا سيما في مرحلة المراهقة، انقلابا وأمرا بالغ الخطورة بالنظر إلى قيمة الأشخاص الذين سيتضررون من هذا التغيير. ومن أجل هؤلاء الأشخاص، قاومت مازارين الرغبة الملحة في الثورة على نمط الحياة المفروض عليها في طفولتها، وبذلك انساقت مع متطلبات النظام الذي فرض عليها من أجل حماية هذا النظام أولا، وصون ماء وجه الأشخاص المهددة مواقعهم الاجتماعية في حالة المساس به. ومع ذلك، تحتفظ مازارين بذكريات جميلة عن حياتها حين كان والدها ميتيران حيا. تتذكر الأيام الجميلة التي قضتها بمعية أمها وأبيها بشقة فاخرة بزنقة برانلي بالعاصمة الفرنسية باريس. غير أنها سرعان ما تعود لتصوغ عالما خفيا من المعاناة كان يجثم على تلك الشقة «بدون حياة ولا تاريخ ولا ذاكرة» على حد قولها. كانت تلك الشقة تحظى بحماية تامة، بعد أن حرص القائمون عليها على أن تخلو واجهاتها من أي إشارات قد توحي للمارين بأنها مكان إقامة أسرة الرئيس. وتصف مازارين هذه الشقة بأنها نوع من أنواع السجن لأنها كانت مجبرة بمعية أمها على التزام الصمت تماما، مثلما تفعل الأجنبيات في قلب العاصمة الفرنسية حين يكنّ ضحيات ممارسات عنف في السفارات المعتمدة لدى فرنسا. تقول مازارين إن تلك الشقة على شساعتها كانت سببا رئيسيا لعزلتها عن العالم بسبب انعدام التواصل بين المجبرين على العيش داخلها ومحيطهم. ورغم أن ابنة ميتيران حظيت في طفولتها بصديقات كن يواظبن على زيارتها واللعب معها داخل الشقة، فقد اكتشفت في وقت لاحق أن تلك الصديقات متورطات في عزلتها وكانت مهمتهن تروم أنسها في وحدتها وليس إخراجها من عزلتها. الخوف من الرئيس حرص ميتيران على كتمان أمر مازارين عن الفرنسيين، وعن بقية أفراد عائلته، ولم يبح بسر وجودها إلا لعدد قليل من المقربين منه. ولهذه الأسباب، اعتبر الحديث أول الأمر عن وجود طفلة سرية في حياة ميتيران مجرد إشاعة صاغها خصومه السياسيون للنيل من الاشتراكيين والمس بصورتهم لدى الرأي العام الفرنسي. الواقع أن ميتيران اختار بعناية فائقة الأشخاص الذين أطلعهم على سره الخفي. والواضح أنه لم يطلع أحدا على وجود مازارين، إلا بعد أن يأخذ منه عهدا بعدم الكشف عنه مهما كانت الأسباب. وفي هذا الإطار، تؤكد مازارين أن الأشخاص العارفين بوجودها في حياة والدها كانوا عاجزين عن كشف سر الرئيس وغير قادرين على مواجهة الرأي العام بتأكيد خبر وجود طفلة اسمها مازارين في حياة ميتيران. «كانوا يخافونه كثيرا ولم يكن من الرجال من يمكن مواجهته بالعبارة التالية: نعلم أن لك ابنة سرية». وتشير مازارين إلى أن قوة والدها في تدبير الأزمات تكمن في قدرته على فرض الأمر الواقع وإجبار المقربين منه على التزام الصمت وعدم المبادرة بكشف الأسرار المكتومة، فكانت هي أبرز ضحايا هذه السياسة. إذ أرخت السرية التي فرضت على مازارين بظلالها على مسارها الدراسي. كانت حريصة بعد جلاء معاناة الطفولة والمراهقة على التأكيد على أن نجاحها الدراسي سيتأتى لها بمجهوداتها الشخصية وليس بسبب علاقة نسب مفترضة مع ميتيران. اختارت بمحص إرادتها دراسة الفلسفة في الجامعة. اختيار صدم عائلتها التي تفضل أن يدرس أبناؤها العلوم بدل الانسياق وراء التخصصات الأدبية. غير أن عائلتها لم تفطن إلى أن اختيار مازارين للفلسفة استمرار لهروبها من الأضواء وحرصها على البقاء بعيدة عن الفضاءات التي يمكن أن تحيي التساؤلات بشأن بنوتها لميتيران. أول ظهور صدم الرأي العام الفرنسي في نونبر سنة 1994 حين نشرت مجلة «باري ماتش» صورة تظهر فيها مازارين بجانب والدها فرنسوا ميتيران. وقد وضعت تلك الصورة حدا لسنوات من العيش في الخفاء والتزام السرية في كل شيء. بالمقابل شكلت بداية تسليط عنف رهيب على الطفلة مازارين، وفق أقوالها. إذ تسببت تلك الصورة في الكثير من المشاكل لها ولوالدها. وترجع أسباب هذه المشاكل، حسب مازارين، إلى قدرة الصورة على الانفلات من الرقابة والثورة على القيود والتحول إلى قصة ترويها الأجيال. والمثير أن مازارين قارنت في خروجها الإعلامي الأخير بين قصتها والتطورات المثيرة التي عرفتها حياة دومينيك ستراوس كان، المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي، بعد تفجر فضائح مغامراته الجنسية السرية. ويتجلى وجه الشبه بين مازارين وستراوس كان في تحول حياتهما مباشرة بعد الكشف عن أشياء خفية من يومياتهما إلى مادة كثيرة التداول في الإعلام ليس فقط في فرنسا، بل في العالم كله. واللافت أيضا أن مازارين تدفع عن والدها ميتيران مسؤولية نشر تلك الصورة، حيث تؤكد أن والديها معا لا دخل لهما في إيصال تلك الصورة إلى المجلة سالفة الذكر، ومع ذلك تعاتب أباها على عدم تقديره للتداعيات السلبية لنشر تلك الصورة على حياتها الخاصة. كما تلوم والديها معا على تركها وحيدة في مواجهة السيل الجارف من الأخبار المتداولة بشأنها، قبل أن تستدرك وتؤكد تفهمها لما قام به والداها على اعتبار أن كشف صورتها جعل حياتهما تحت المجهر كذلك ولم يكن بمقدورهما القيام بالشيء الكثير لدعمها في محنتها مع الإعلام الفرنسي. وقد سلطت مازارين الأضواء على عدد من المقالات التي تضمنت معلومات مغلوطة عنها أو نشرت أنباء مزيفة عن حياتها الخاصة. وفي هذا السياق ذكرت مقالا نشر بمجلة «باري ماتش» نفسها تحدث فيه الصحافي فيليب ألكسندر عن رحلاتها على متن طائرات خاصة إلى مدينة نيويوركالأمريكية برفقة صديقها علي. وترد مازارين بعد سنوات من نشره بنفي سفرها على متن طائرات خاصة وتؤكد عدم سفرها على الإطلاق إلى نيويورك ومواظبتها على التنقل جوا على متن الطائرات منخفضة التكلفة. لا للكراهية تشكل الصورة أبرز مصادر الانزعاج لمازارين، لا سيما الصور المسروقة. وتقول إن نشر هذه الصور لا يطاق ويجب ألا يستمر. وقد كشفت مدى معاناتها من التحول الكبير الذي عرفته صورة والدها من رئيس محبوب إلى شخص مكروه يهاجم من كل جهة بسبب نشر أخبار عن وجود طفلة سرية في حياته. كما سلطت مازارين كذلك الضوء على الوصفة التي اتبعتها من أجل تجاوز محنتها بعد تسرب صورتها من قبل الإعلام الفرنسي، وتحولها إلى أداة للتأثير في الرأي العام للنيل من الاشتراكيين وتعبيد طريق خصومهم لتحقيق مكاسب سياسية. وتتجلى هذه الوصفة في الاستنجاد بالمنطق من أجل التوصل إلى قناعة مفادها أن الكراهية التي عانى منها والدها بسبب انكشاف أمر أبوته لمازارين لم تكن مصوبة نحو الطفلة بحد ذاتها، وإنما لما تمثله هذه الطفلة في حياة الرئيس الفرنسي الراحل. وتخلص مازارين، وفق هذه الرؤية، إلى أنها ضحية للتغير الذي طرأ على حياة والدها، وأنها ليست على الإطلاق سببا فيه. ورغم المعاناة التي طبعت طفولتها ومراهقتها، ترسم مازارين صورة إيجابية للغاية عن والدها الراحل. غير أنها توجه سهام نقدها إلى النسق الذي كان سببا رئيسيا في المعاناة التي طبعت حياتها، لا سيما في مرحلتي الطفولة والمراهقة. كما دقت ناقوس الخطر من استمرار العمل بهذا النسق والحرص الواضح على بقائه واستمراريته. مقابل هذا اللوم نفت مازارين في حوارها الأخير مع مجلة «ليكسبريس»، التي أعادت نشر الصورة الأولى التي ظهرت فيها ابنة فرانسوا ميتيران، الأنباء المتحدثة عن عدم صفاء علاقتها مع أقاربها من جهة الأب، مؤكدة أنها لا تكره عائلتها ولا تلوم أحدا عدا النسق الذي تسبب في إيلامها، محذرة من قدرته على إنجاب مازارين ثانية ومعاناة جديدة. كما تحدثت بفخر كبير عن الإرث الأدبي التي تركه لها والدها. وقالت إنها تواظب على مطالعته بشغف كبير والاستدلال به في بعض نصوصها، قبل أن تصفه ب«الهدية المسمومة». بالمقابل، تأبى مطالعة ما يكتب عن والدها، حيث أكدت أنها تكره ما يكتب عنه، لأنه مزيف لا أساس له من الصحة، وحتى عندما يكون المنشور صحيحا، لا تكون لها علاقة به، لكونها لا تصير ابنته إلا في حياته الخاصة وليس حين يرتدي قبعة رئيس الجمهورية الفرنسية الخامسة.
مازارين.. ساركوزي خطير ولوبين لا تطاق أكدت مازارين أن بدايات الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند على رأس الجمهورية الفرنسية الخامسة مطمئنة. ونبهت إلى الهدوء والحسم اللذين طبعا تدبيره للشأن العام الفرنسي منذ ولوجه قصر الإليزي في شهر يونيو الماضي. ومع ذلك، تنتقد عدم تقدمه بالسرعة المطلوبة في تفعيل الإصلاحات الرمزية، لا سيما فيما يتعلق بمنح الأجانب المقيمين في الديار الفرنسية حق التصويت في الانتخابات المحلية. ورغم هذا البطء، تسجل حسنة أخرى في السجل الرئاسي لهولاند، تتمثل في عدم تسجيل تراجعات إلى حدود الساعة. في المقابل، شنت مازارين هجوما شديد اللهجة على الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي اعتبرته شخصا خطيرا وسياسيا شعبيا لا قناعات له لكونه يعالج مختلف القضايا التي تعرض عليه بمنطق السلطة وليس السياسة. وقالت عنه إنه «لا يحترم أحدا ويتحدث إلى الناس باحتقار ويُذَبِّح اللغة تذبيحا». وارتفعت شدة الانتقادات حين كشفت مازارين عن وجهة نظرها في مارين لوبين، زعيمة الجبهة الوطنية، أبرز الأحزاب اليمينية المتطرفة في فرنسا. إذ أكدت أن لوبين امرأة لا تطاق ولا عاطفة لها، ولا تعدو أن تكون تجسيدا لهوس أبيها باستغلال حالات نفسية تراود الناخبين الفرنسيين لتحقيق مكاسب سياسية.