هكذا يبدو وجه القطاع الصحي «بشعاً».. وتؤكد بشاعة هذا الوجه انطباعات وشهادات المواطنين المغاربة بشأن قطاع يعتبر من أكثر المجالات فسادا في المغرب. في هذا الجزء من التحقيق نكمل ابراز الصورة السلبية ونوضح حقيقة ارتباط إمبراطورية الصحة في المغرب بالفساد، من مسؤوليها الكبار إلى الموظفين الصغار. كانت منظمة «ترانسبارانسي المغرب» قد أعدّت استطلاعا للرأي حول الفساد والرشوة في عدة قطاعات عمومية في المغرب. بين هذه القطاعات وزارة الصحة. كان المستجوَبون في استطلاع الرأي هذا هم أرباب الأسر، باعتبارهم هم الذين يدبّرون علاقات أسرهم في المستشفيات والمراكز والمرافق الصحية. سطوة الفساد أكد الاستطلاع أن المرافق الصحية هي أولى الإدارات العمومية التي يزورها المغاربة سنويا، تليها المصالح العمومية الخاصة بالماء والكهرباء. كانت نتائج استطلاع الرأي هذه صدمة للغاية، فنسبة 88 في المائة من المستجوبين أوضحوا أنهم يعتقدون أن هناك مشكلا كبيرا في النظام الصحي في المغرب. تصل النسبة إلى 97 في المائة في المناطق الشمالية. 80 في المائة من المستجوبين مقتنعون بأن «الأطر الصحية في المغرب فاسدة وتتعامل بالرشوة».. والأكثر إثارة للانتباه هو أن الناس يصنفون الأطر الصحية في الرتبة الثالثة بعد شرطيي المرور و«المقدمين» و«الشيوخ» من حيث الفساد والارتشاء. تنحو الأرقام نحوا أكثر قتامة وترسم صورة قاتمة عن الوضع الصحي في المغرب، فقد أظهر استطلاع الرأي أن 40 في المائة من المستجوَبين أكدوا أنهم سلّموا، بأيديهم أو بأيدي أحد أقاربهم، رشوة لموظف صحي لتسهيل مأموريتهم، ويوجد 50 في المائة من هؤلاء في المدن وينتمي 71 في المائة منهم إلى الشباب، وأكبر المناطق التي تشهد تناميا للفساد في أوساط الأطر الصحية هي الدارالبيضاء. لماذا تعطى هذه الرشاوى؟ تبرز نتائج استطلاع الرأي أن 56 في المائة من الرشاوى تقدَّم لأطر صحية من أجل تسهيل الولوج إلى المستشفيات و50 في المائة من أجل الحصول على خدمات خاصة. يظهر، أيضا، أن المغاربة، بنسبة 85 في المائة، يعطون رشاوى للأطر الصحية فقط من أجل دخول المستشفى أو الاستفادة من خدمات هي أصلا مكفولة لهم قانونيا ومجانا. حسب استطلاع الرأي المذكور، فإن 61 في المائة من المستجوَبين يقدّمون 50 درهما رشوة لإطار صحي، بينما يقدر المعدل بنحو 140 درهما، بمعنى أنه يمكن لقيمة الرشوة أن تتجاوز هذا المبلغ بكثير. عملة الرشوة يكمل تقرير آخر حول الفساد في وزارة الصحة، تتوفر «المساء» على نسخة منه، الصورة البشعة للنظام الصحي في المغرب، يتعلق الأمر بدراسة رسمية حول ظاهرة الرشوة في القطاع الصحي، أنجزتها الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، ونُشرت في يونيو 2011. يرصد هذا التقرير الرسميّ مظاهر فساد ورشوة في القطاع الصحي، موزَّعة على عدة أشكال، بينها «التدويرة» والمحسوبية والزبونية و«الهدية» أو الابتزاز أو الرشوة المقدمة مقابل خدمات غيرِ مرخص بها. «التدويرة» هي أكثر أشكال الرشوة انتشارا في الوسط الصحي، حسب هذا التقرير، وتقل قيمتها عن 100 درهم بنسبة 75 في المائة، كما أن إتاوات 10 و20 إلى 50 درهما جارية بشكل كبير، خاصة داخل المستشفيات العمومية، في حين يؤدي 14 في المائة من الراشين في المستشفيات، حسب التقرير ذاته، رشوة تتراوح ما بين 100 و200 درهم. يكشف هذا التقرير الرسمي أن ثلاثة أشخاص من بين عشرة يقدّمون رشوة للأطر الصحية للحصول على خدمات. تزكي خلاصات هذا التقرير استطلاع الرأي سالف الذكر، وتبيّن هذه الخلاصات أن نسبة كبيرة من حالات الرشوة تتركز في المدن الكبرى. الدارالبيضاء في المقدمة. ففي هذه المدينة تؤدي نسب متفاوتة من الذين تم استطلاع آرائهم رشوة من أجل ولوج المرافق الصحية أو من أجل الحصول على معلومات أو بغرض توجيههم أو للحصول على شواهد طبية أو قبول ملفاتهم أو من أجل الحصول على أدوية. تزداد الحقيقة المظلمة سوادا مع تقدم نتائج البحث، الذي أكد، أيضا، أن 45 في المائة من الأشخاص الذين يستفيدون من تغطية صحية يؤدون، رغم ذلك، رشاوى للاستفادة من خدمات صحية. وتختلف طريقة فساد الأطر الصحية وكيفية حصولهم على رشاوى وتتنوع، فنسبة 30 في المائة من المرتشين منهم يحصلون على الرشاوى بعد طلبهم لها بكيفية غير مباشرة ويحصل عليها 25 في المائة منهم بالمطالبة بها بشكل مباشر، في حين يحصل 23 في المائة من الأطر الصحية المرتشية على إتاوات يُقدّمها الناس طواعية. لكنْ من هم موظفو الصحة المرتشون بدرجة أكبر؟ تكشف نتائج التقرير أن 63 في المائة من الأطر الصحية المرتشية هم ممرضون و16 في المائة أطباء و10 في المائة حراسُ أمن خاص و8 في المائة أطر مساعدة.