يعيش قطاع الصحة العمومية مظاهر فساد واختلال تنخر جسم جسد من المفروض ان يسهر على صحة المواطنين، الذين يتكدسون امام ابواب المستشفيات وداخل غرف الانعاش والتطبيب طلبا لخدمة/حق يضمنه لهم الدستور. كما ان هذا القطاع يعرف مشاكل عديدة في علاقة مستخدميه بالإدارة الوصية عليه، وهي مشاكل تؤثر سلبا على سير عمليات تقديم الخدمة العمومية للمواطنين وكذا على مستوى وجودة هذه الخدمة.
وتميز الدخول الاجتماعي في قطاع الصحة هذه السنة بارتفاع في حرارة الاحتقان بين الشغيلة والادارة، حيث أشهرت النقابات والتنسيقيات سلاح الإضراب في وجه الحسين الوردي، وزير الصحة، وذلك في عملية شد وجذب قد تنذر بالمزيد من الاضطراب في هذا القطاع الحيوي.
وتأتي هذه الاحتجاجات ردا على مشروع مرسوم المدرسة الوطنية للصحة العمومية التي ستعوض المعهد الوطني للإدارة الصحية، والذي حرمت فئات الممرضين والتقنيين والإداريين والمتصرفين من الولوج إليها، وكذا على إثر تمرير والمصادقة على مشروع مرسوم يغير ويتمم المرسوم رقم 620-06-2 الصادر في 13 أبريل 2007 في شأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الممرضين بوزارة الصحة، بهدف فتح مباراة التوظيف لحاملي دبلوم التقني المتخصص في إحدى شعب التكوين شبه الطبي المسلم من مؤسسات التكوين المهني الخاص.
وبالنظر إلى حيوية قطاع الصحة وارتباطه بصحة المواطن كحق من الحقوق الاساسية التي نص عليها الدستور، في ارتباط بالحقوق الأخرى، فإن تدبير موضوعة الصحة على مستوى السياسات العمومية لا يجب أن يكون قطاعيا، بل مندمجا، وذلك لتحقيق هدف تعزيز صحة الناس. وبالنظر إلى الانعكاسات السلبية المترتبة على إضاعة هذا الهدف/الحق وما يترتب عنها من تكاليف اجتماعية مهمة وتراجع في إنتاجية الساكنة، يجدر بنا تناول الموضوع والسؤال حول ما بعض المظاهر التي تساهم في إضعاف القطاع وتؤثر على صحة المواطن او حقه في التطبيب والتداوي التي يكفلها له الدستور، وتعتبر الرشوة من بين الظواهر المتفشية في المجتمع على العموم وقطاع الصحة بالخصوص حيث تستاثر باهتمام المتتبعين والمؤسات المهتمة بالموضوع كجمعية ترانسبارانسي المغرب والهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة والفساد..
لا يمكن اختزال مفهوم الصحة في حالة الخلو من المرض، ولا حصر عمل مهنيي الصحة في محاربة المرض بعد اليوم، ولا حتى الوقاية منه، بل يتوسع المفهوم ليشمل حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية، وعمل مهنيي الصحة (والمجتمع المدني) إلى تعزيز أنماط الحياة الصحية.
ويرتبط قطاع الصحة بمظاهر الفساد والرشوة بمختلف أشكالها، من "التدويرة" والمحسوبية والزبونية و"الهدية" أو الابتزاز أو الرشوة المقدمة مقابل خدمات غير مرخصة بها.
ومن أكثر أشكال الرشوة انتشارا في الوسط الصحي، حسب تقرير حول الفساد في وزارة الصحة والذي قدمته الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة والفساد نشرت في يونيو 2011، "التدويرة" وهو نوع الرشوة الذي تقل قيمته عن 100 درهم بنسبة 75%، كما أن اتاوات 10 و20 إلى 50 درهما جارية بشكل كبير خاصة داخل المستشفيات العمومية، في حين يؤدي 14% من الراشدين في المستشفيات، حسب نفس التقرير، رشوة تتراوح بين 100 و200 درهم.
وتبين في التقرير أن حالات الرشوة تتركز في المدن الكبرى، وعلى رأسها الدارالبيضاء، ففي هذه الأخيرة تؤدي نسبة متفاوتة من الرأي العام رشوة من أجل المرافق الصحية أو من أجل الحصول على معلومات أو بغرض توجيههم أو للحصول على شواهد طبية، أو قبول ملفاتهم من أجل الحصول على أدوية.
وكما تختلف أشكال الرشوة، أيضا تختلف طرق تقديمها و طرق فساد الأطر الصحية، فنسبة 30% من المرتشين منهم يحصلون على الرشاوى بعد طلبهم لها بكيفية غير مباشرة ويحصل عليها 25% منهم بالمطالبة بها بشكل مباشر، في حين يحصل 23% من الأطر الصحية على إتاوات يقدمها المرضى طواعية، حسب ما قدمه التقرير.
كما كشفت نتائج التقرير أن 63% من الأطر الصحية المرتشية هم ممرضون و16% أطباء، 10% حراس أمن خاص ثم 8% أطر مساعدة.
إن قطاعا اجتماعيا كالصحة بحاجة إلى إبداع آلية ناجعة ومستمرة للاستماع والتشاور والتشارك، ليس على مستوى الوزارة فقط، ولكن على مستوى المديريات الجهوية والمندوبيات الإقليمية والمراكز الصحية، كما ان الانفتاح على الفاعلين الجمعويين في المجتمع المدني من شأنه ان يساهم في إيجاد حلول او التخفيف من حدة المشاكل التي يتخبط فيها القطاع..