كما العالم يبدو، ولأول مرة، عصيا على التصنيف، منفلتا، منهدرا كشلال جارف في سياق زمنه ووجوده، تبدو المجموعة القصصية الأولى للقاص المغربي الطاهر حمزاوي «لا نملكها» مغرية بتشذرها الموضوعاتيّ ما بين بوح السارد بصيغة المخاطب/ المدين. في فضاء ينزّ قبحا، تتوارد فيه شخوص ينخرها العطب الأخلاقيّ، أولا وأخيرا. لغة شرسة في عنفوانها، منهدرة كصخر حط من عل، سرد لا مبال بنظام الحكي الأرسطيّ المعهود، يستمد بناء النص وجاهته الأدبية من الغنى الباذخ للغة الشعرية، كأنها فيوضات جوانية من ذاتِ صوفيٍّ يسكن أعلى تل القرية، وكل صباح ومساء ينادي أهل القرية: أنا أرى ما لا ترون، ثم ينكفئ الجمع نحو ذواتهم، مرعوبين. يتخذ هذا النفَس المحكوم بلغة الإدانة من فضاء الرباطوالدارالبيضاء -الغول- مناطا للسخرية والهزء من تبعات هذا الزمن الموبوء، كأنما صوت السارد المركزيّ يلهو بتنضيدات الحكي في رقعة شطرنج سردية وفق نظام ماكر من التضمينات الساخرة التي تخِز بمهماز الهزء. نحن الآن في حضرة التجريب: الواقع والذات، وبالتالي الموقف منهما معا، والكل وفق رؤية فلسفية شوبنهورية متصادمة، متشائمة.. بانوراما ضحلة في مستنقعها الأسود تزهر ورودا سوداء وفراشات عمياء، هي كالبلد في نزقها وزيفها، عندما يتعرش القبح والدناءة على جدار القلب وتصير الذات ملاذا لاستلاب يزوغ عن الواقع بفيض المماراة واللامبالاة.. كذلك هي بالضبط الرباط، الدارالبيضاء، دكالة: ينثال الوصف كمؤسس أول في العملية السردية باعتبار السارد -الكاتب شاهدا على العالم/ الذات. إنها كتابة تنطلق في أواليتها من متواليات تنتضد في النهاية لتشكّل نصا مراوغا، منفلتا، مستعصما باندفاعه المتحرر من كل تعاقد بنائيّ معهود، إنه بمثابة شطح الصوفي في دائرات منغلقة من التّيه المحكوم بها حس الإدانة. السارد شاهد، إذن، على البوار الذي يتآكل مهيلا، بطيئا في نسغ الوطن.. ولئن نأى الطاهر حمزاوي عن نسقية البناء الخطي للعمل القصصي كشكل، فإنه في محتواه ومضمونه ظل وفيا للعبة التطهير الأرسطية، إنه يفتح أعيننا جيدا لنرى ما لا يراه الآخرون. كاتب