وتتواصل بلا هوادة الحرب التي تشنها جهوية الدرك بالجديدة على مروجي '"الماحيا"    أمريكا: "برج" يقتل ركاب طائرتين    الشهيد محمد الضيف.. جنرال كتائب "القسام" ومهندس "طوفان الأقصى"    مدة البت في القضايا تتقلص بالعيون    فاتح شهر شعبان لعام 1446 ه هو يوم الجمعة 31 يناير 2025    نتائج الخبرة العلمية تكشف قدرة خلية "الأشقاء الثلاثة" على تصنيع متفجرات خطيرة (فيديو)    الجيش الملكي يخسر بثنائية بركانية    الجديدي وفتحي ينتقلان إلى الوداد    ساو تومي وبرينسيب تؤكد دعمها الثابت للوحدة الترابية للمغرب وتعزيز التعاون الثنائي    تعليق الرحلات البحرية بين طنجة وطريفة بسبب اضطرابات جوية وارتفاع الأمواج    الشرقاوي: خلية "الأشقاء الثلاثة" خططت لاستهداف مقرات أمنية ومحلات عمومية    النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام بإقليم العرائش تكرم منجزات شخصيات السنة    خروج 66 فلسطينيا حالة صحية متردية من سجون الإحتلال    الولايات المتحدة تبدأ أكبر حملة لترحيل مهاجرين جزائريين غير الشرعيين.. هل يجرؤ النظام الجزائري على الرفض    رحيمي ينقذ نادي العين من الخسارة    مشروع الربط المائي بين وادي المخازن ودار خروفة يقترب من الإنجاز لتزويد طنجة ب100 مليون متر مكعب سنويًا    اغلاق المجال الجوي البلجيكي بسبب عطل تقني    من المدن إلى المطبخ .. "أكاديمية المملكة" تستعرض مداخل تاريخ المغرب    زياش إلى الدحيل القطري    «استمزاج للرأي محدود جدا » عن التاكسيات!    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء-سطات تواصل تنفيذ برنامجها السنوي لتنقية شبكة التطهير السائل    رئاسة الأغلبية تؤكد التزامها بتنفيذ الإصلاحات وتعزيز التعاون الحكومي    الوداد يضم لاعبا فرنسيا ويستعير آخر من جنوب إفريقيا    أداء إيجابي ببورصة الدار البيضاء    الوداد يعزز صفوفه بالحارس مهدي بنعبيد    برقية تعزية ومواساة من الملك إلى خادم الحرمين الشريفين إثر وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود    ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين: المغرب يعتمد خيارا واضحا لتدبير إنساني للحدود    أمر تنفيذي من "ترامب" ضد الطلاب الأجانب الذين احتجوا مناصرة لفلسطين    إطلاق النسخة الأولى من مهرجان "ألوان الشرق" في تاوريرت    بلاغ من طرق السيارة يهم السائقين    الملك يهنئ العاهل فيليبي السادس    مقتل "حارق القرآتن الكريم" رميا بالرصاص في السويد    عصام الشرعي مدربا مساعدا لغلاسكو رينجرز الإسكتلندي    قرعة دوري أبطال أوروبا غدا الجمعة.. وصراع ناري محتمل بين الريال والسيتي    ارتفاع مفاجئ وتسجل مستويات قياسية في أسعار البيض    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يبقي سعر الفائدة دون تغيير    الشرع يستقبل أمير قطر في دمشق    حاجيات الأبناك من السيولة تبلغ 123,9 مليار درهم في 2024    استقرار أسعار الذهب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    المغرب يحقّق أرقامًا قياسية في صادرات عصير البرتقال إلى الاتحاد الأوروبي    ""تويوتا" تتربع على عرش صناعة السيارات العالمية للعام الخامس على التوالي    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    أمطار رعدية غزيرة تجتاح مدينة طنجة وتغرق شوارعها    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرسوم المساعدة القضائية أم مرسوم إهانة مهنة المحاماة؟
نشر في المساء يوم 18 - 10 - 2012

صادق مجلس الحكومة مؤخرا على مرسوم وعدل بمقتضاه المرسوم الصادر في 20 أبريل 2011 والمتعلق بتطبيق الفقرة الثانية من المادة41 من القانون المنظم لمهنة المحاماة والتي جاء فيها أن المحامي يتقاضى عن المساعدة القضائية أتعابا من الخزينة العامة يتم تحديد مبلغها وطريقة صرفها بمقتضى نص تنظيمي. ولعل المرسوم، في صيغته التي صادق عليها مجلس الحكومة،
يثير أكثر من علامة استفهام بالنظر إلى الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها الدولة المغربية والتي أدت إلى إخراج النص التنظيمي إلى الوجود.
إن مهنة المحاماة، وعلى مدى السنوات التي تلت خروج سلطات الحماية من المغرب، كانت تعتبر المهنة الحرة الوحيدة التي يتكفل أصحابها بتقديم يد المساعدة إلى الفئات الاجتماعية المعوزة بدون مقابل، بل يصرفون على الملفات من مداخيلهم المحدودة بالنظر إلى أن ملفات المساعدة القضائية تحال عادة على المحامين حديثي العهد بالمهنة والمنحدرين أصلا من الفئات الاجتماعية المعوزة.
ولعل التنصيص على نظام الأداء في المساعدة القضائية من طرف المشرع قد أخذ بعين الاعتبار الوضعية الاجتماعية التي أصبح يعيشها حاملو البذلة السوداء في السنوات الأخيرة. ولعل العمل على إخراجه إلى الوجود مرتبط بمحاولة الخروج من مأزق الحراك الاجتماعي الذي تعيشه المنطقة بالنظر إلى الدور الريادي الذي لعبته المهنة في العديد من الأقطار بالمنطقة.
وبقراءة في المشروع المصادق عليه من طرف مجلس الحكومة، نجد أنه لم يخرج عن تكريس آليات الاحتواء ولم يأخذ بعين الاعتبار الدور الذي لعبته المهنة للمساهمة في الاستقرار واحتواء مشاكل الدولة المغربية، وعلى رأسها احتواء بطالة خرجي كليات الحقوق، ذلك أنه اعتمادا على معطيات وزارة العدل نفسها، والتي جاءت في برنامج الندوة المنظمة بالدار البيضاء بمناسبة الحوار الوطني حول إصلاح العدالة، نجد أن المهنة تستوعب أزيد من 25 في المائة من خريجي كلية الحقوق إلى درجة أن محترفي المهن القانونية جميعها من موثقين عصريين وعدليين وخبراء على مختلف تخصصاتهم ومفوضين قضائيين وتراجمة ونساخة لا يتجاوز عددهم بالمغرب 9535 وفق ما يلي :
الموثقون 915؛ العدول 3318؛ المفوضون القضائيون 1232؛ الخبراء 3019؛ التراجمة 327؛ النساخة 739.
في الوقت الذي استوعبت فيه المهنة أكثر من 11754 من حاملي الشواهد العليا بكلية الحقوق في المغرب، يضاف إليهم 1225 مرشحا من حاملي شواهد الأهلية هذه السنة. إن مهنة المحاماة كانت أذن الوعاء الذي أنقذ إلى حد ما الدولة من بطالة الأطر العليا الحاملة للشواهد من كلية الحقوق، وذلك وفق الإحصائيات الرسمية التي قدمت في العروض التركيبية للحوار الوطني حول إصلاح العدالة.
إن المرسوم، في مقتضياته المتعلقة بالطريقة التي سوف تصرف بها مبالغ المساعدة القضائية، لم يأخذ بعين الاعتبار دور ومكانة المهنة في المجتمع الحديث، حيث تعتبر الإجراءات التي أتى بها والمبلغ المخصص للمساعدة القضائية، بالنسبة إلينا، إهانة للمهنة وأصحابها أكثر مما هي اعتراف بدورها الريادي في الدفع بعجلة التنمية والحفاظ على دولة الحق والقانون.
وهكذا وإن كان واضعو المرسوم قد تداركوا في متن هذا الأخير الإشكال المتعلق بمبلغ المساعدة القضائية وعلاقته بأتعاب المحامي، حيث اعتبر المرسوم المبلغ عبارة عن المصاريف المدفوعة من طرف المحامين مقابل الخدمات التي يقدمونها في إطار المساعدة القضائية، بمعنى المصاريف المرتبطة بالتنقل وغيرها من المصاريف، فهذه المبالغ لا تغطي حتى المصاريف ذاتها، بحيث لا يمكن تصور مبلغ 1200 درهم لتغطية مصاريف التنقل وغيرها من المصاريف في الملفات المدنية بالدائرة القضائية للدار اليضاء مثلا، ولا يمكن تصور تحديد مصاريف التنقل وغيرها في مبلغ 2000 درهم بالنسبة إلى محام مقبول لدى محكمة النقض سوف ينتقل من وجدة إلى الرباط بمناسبة تعيينه في ملف المساعدة القضائية لدى محكمة النقض.
لذلك فإن كان واضعو المرسوم قد اعتبروا هذه المبالغ عبارة عن مصاريف مدفوعة من طرف المحامي وليست أتعابا، فإن هذه المصاريف نفسها تشكل إهانة بالنظر إلى طريقة صرفها وما يرتب عنها من إفراغ المؤسسات المهنية من محتواها.
إن المطالبة بتعامل المحامي مع الخزينة العامة بشكل مباشر وإقصاء المؤسسات المهنية من جمعية هيئات المحامين بالمغرب والنقباء ومجالس الهيئة، يشكل إضافة متاعب جديدة إلى المحامي ستدفع به لا محالة إلى رفض هذا ا النوع من التعامل الذي لا يرقى إلى المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه التعامل مع مهنة شكلت العمود الفقري في المطالبة والنضال من أجل الحق والقانون.
إن المرسوم، من جهة أخرى، نص على أنه يتم تحديد الاعتمادات المالية لتغطية الأتعاب المعتبرة بمثابة مصاريف مدفوعة من طرف المحامين مقابل الخدمات التي يقدمونها في إطار المساعدة القضائية، وذلك على صعيد ميزانية وزارة العدل، بمعنى أن المبلغ المرصود لنظام المساعدة القضائية لن يأخذ بعين الاعتبار كل الملفات والقضايا المشمولة بالمساعدة القضائية بقدر ما سيكون هناك مبلغ محدد، بانتهاء صرفه ينتهي التعويض عن المساعدة القضائية. وبالرجوع إلى المبلغ المقترح سوف نجد أنه لن يغطي حتى ملفات الجنايات والأحداث، حيث تعتبر ضرورة الاستعانة بمحام لضمان حقوق الدفاع من الإجراءات المسطرية الملزمة.
إن الخروج من مأزق المرسوم لن يتم إلا بتجنب التصعيد وطلب الحكومة تمرير المبلغ المنصوص عليه إلى الشؤون الاجتماعية للمهنة متمثلا في تعاضدية هيئة المحامين بالمغرب، ذلك أنه عوض إهانة المهنة بهذه الطريقة فإن تحويل المبلغ برمته إلى تعاضدية هيئة المحامين في المغرب واعتباره موردا من مواردها في إطار المادة 34 من قانون التعاضدية سوف يساهم في أهداف التعاضدية المتمثلة في تغطية المصاريف الطبية والجراحية والصيدلية ومصاريف اقتناء أدوات التقوية التي يتم دفعها من طرف المستفيدين من خدمات التعاضدية، وصرف التعويض عن الوفاة وحماية الطفولة والأسرة بالنسبة إلى أرامل ويتامى المحامين.
وإذا لم تكن لدى الدولة المغربية الإمكانيات المادية لأداء الأتعاب الحقيقية لمهنة المحاماة التي أعطت الكثير للدولة، فعلى الأقل يجب أن تتجنب إهانة المهنة وإحالة المبلغ على المحتاجين والأعمال الاجتماعية للمهنة.
ويبدو أن الحكومة الحالية، شأنها شأن الحكومات السابقة، وضعت لخدمة الفئة المتحكمة في دواليب الدولة، لكن عليها أن تعلم بأن التشريع وإن كان إجباريا، باعتباره متحكما فيه من طرف أجهزة الدولة وسلطتها التشريعية، فإن مساهمته في التطور والتنمية لن تكون إلا إذا كان مقبولا في الوسط والواقع الاجتماعي، وأنه (التشريع) ينبغي أن يخدم المواطن لا نخبة الدولة.
أستاذ القانون الدستوري/
جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء




محمد أمغار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.