الضحك بهجة النفوس، لكنه قد يصبح «هبالا» كما تقول الأغنية الشعبية القديمة، ولذلك ميز السابقون بين «الضحْك» و«الهبال»، وهناك مسرحية جميلة للراحل محمد مسكين بعنوان «مهرجان المهابيل»، وكأني بالمغاربة اليوم يعيشون مثل هذا المهرجان الذي طال أكثر من سبعة أيام. نحن اليوم في مهرجان المهابيل، الباب مفتوح للضحك وكل واحد حسب هواه، لكن حذار من «الهبال»؛ ف«الهبال»، الذي كان يأتي من المجتمعات السفلية في الماضي وكان خاصا بها، أصبح اليوم يأتينا من الحكومة، أي من الأعلى، وهذه هي الطامة الكبرى التي يسميها المغاربة «الحشومة»، ويقول عنها الفصحاء «أعمال العقلاء منزهة عن العبث»، أما الفقهاء فيسمونها «خوارم المروءة»، والخرم هو النقص عند اللغويين، ولذلك أتوقع -والله أعلم- أن ينقص التعديل الحكومي الذي يدعو إليه حميد شباط وزير التربية الوطنية في حكومة بنكيران، أي أن الحكومة المقبلة المعدلة -لو صحت- ستخرم السيد محمد الوفا بسبب... خوارمه. وقد أضحكني كثيرا وزير الثانوية عندما سمعته يقول «ولله أوباما باباه ما عندو هاد الثانوية اللي كاينة في المغرب»، أمام حشد من رجال التعليم في زيارة له لإحدى الثانويات، أما سبب ضحكي فهو ليس أنني أعرف أن السيد الوزير لم يحنت، لأن أوباما، فعلا، لا يملك مثل تلك الثانوية، ولكن لأنني أعرف أن الرئيس الأمريكي لا يملك في إدارته وزيرا مثل وزيرنا، ولهذا السبب لم يرفع أوباما دعوى قضائية ضد وزير حكومة بنكيران بتهمة السب والقذف، لأنه يعرف أن الوزراء شيء والوفا شيء آخر. أما كبرى الخوارم فهي ما صدر عنه قبل أيام خلال زيارته لإحدى المؤسسات التعليمية بمراكش، عندما خاطب إحدى التلميذات التي لا يتجاوز عمرها 12 سنة وسألها «انتي آش كاديري هنا؟ راه انتي ما خصك غير الراجل»، وسيكون الأمر كارثة حقيقية علينا وعلى المغرب لو أن هذا الكلام كان قد ترجم، فعلا، إلى الإنجليزية وقرأه أوباما، فقد كان (باباه) سينفجر بالضحك رغم الحملة الانتخابية. لو أن معلما قال مثل هذا الكلام لتلميذة في القسم لكان عيبا لا يغتفر، أما أن يقوله وزير يمثل جميع المعلمين في المغرب فهذه، للحقيقة والتاريخ، فضيحة. وحسب أرقام وزارة التربية الوطنية، فإن في المغرب حوالي 5800 معلم ومعلمة، وهذا يعني أن السيد الوزير قال ما يخجل 5800 شخص أن يقولوه مجتمعين. السيد الوفا كان سفيرا لبلادنا في ثلاث دول، آخرها البرازيل، غاب سنوات عدة وعاد لكي يعوض السفارة بالوزارة، ويحتمل أن يكون ما زال على العهد ويدرك أن الوزير وزير في كل مكان وفي كل شيء، كما كان الأمر أيام زمان، ولم يفهم أنه وزير داخل وزارته لا مع بنات الناس. لكن الغريب أن التلميذة اسمها راوية، وهي مصادفة مذهلة، لأن الراوية في العربية هو راوي قصص التاريخ، وهي كلمة تؤنث وتذكر، ومن ذلك اسم «حماد الراوية» الكوفي الذي كان عالما بأخبار العرب وأيامهم، ومن هنا فإن الذين سيؤرخون لوضعية التعليم في المغرب في السنوات المقبلة سيقفون طويلا أمام الوفا بوصفه أسوأ وزير تعليم في تاريخ المغرب، لأن راوية التاريخ سيقف عاجزا أمام هذه الحالة الفريدة. لكن لا يجب أن ننظر دائما إلى الكوب الفارغ مثلما يفعل المتشائمون والعياذ بالله، فما يهم هو النصف الملآن وهو أن هذه الحكومة فيها وزير يضحك. انتهى زمن العبوس في المدرسة، ومن واجب الوزير الوصي على المدارس أن ينشر فيها الضحك لأن الضحك بهجة النفوس، شرط ألا يتحول إلى «هبال». فهذا، على الأقل، سيجعل المواطنين يهتمون بجديد العمل الحكومي ويملؤون أوقاتهم بالفكاهة، فإذا ما لم يسمعوا «أوباما باباه» سمعوا «فهمتيني ولا لا»، المهم أن تعم الفائدة.