المهدي السجاري ما فتئ الملك محمد السادس يؤكد، في خطبه وتوجيهاته، على ضرورة إصلاح المنظومة القضائية، وحرصه على أن يعرف القضاء المغربي «ثورة» حقيقية تجعل من السلطة القضائية ركيزة أساسية لتنمية البلاد. ويأتي الخطاب الملكي الأخير، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية التاسعة، في ظرفية دقيقة، بعد بضعة شهور من تنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، والتي قادت جلسات حوار واستماع مع مختلف المتدخلين، ستتوج بصياغة مقترحات ومشاريع توصيات سيتم عرضها على مناظرة الحوار الوطني، والتي سيتمخض عنها ميثاق وطني لإصلاح منظومة العدالة. بيد أن توجيهات الملك ركزت في الخطاب الأخير على دور المؤسسة البرلمانية، بمجلسيها، في إصلاح منظومة العدالة، وتسريع عملية الإصلاح. وأكد الملك محمد السادس أنه «فيما يخص الإصلاح القضائي، فاعتبارا لبعده الاستراتيجي، فإنه يتعين، في ما يرجع إلى مهمة البرلمان، اعتماد القوانين التنظيمية الخاصة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والنظام الأساسي للقضاة». وشدد الملك محمد السادس على ضرورة «الالتزام الدقيق بروح ومنطوق مقتضيات الدستور المتعلقة بالسلطة القضائية». وحث الخطاب الملكي الهيئة العليا للحوار حول إصلاح المنظومة القضائية، على أن تجعل من استقلاليته الحجر الأساس ضمن توصياتها. تأكيد الملك محمد السادس على مبدأ الاستقلالية، في التوصيات التي ستخرج بها الهيئة العليا للحوار حول إصلاح المنظومة القضائية، وضرورة الالتزام بروح ومنطوق الدستور خلفت أصداء إيجابية وارتياحا لدى نادي قضاة المغرب والودادية الحسنية للقضاة. فقد أكد ياسين مخلي، رئيس نادي قضاة المغرب، في تصريح ل«المساء»، أن «النادي استقبل بارتياح كبير الخطاب الملكي، خصوصا أن جلالة الملك أكد على توصيته للبرلمان بأن يعكس روح الدستور فيما يخص استقلال السلطة القضائية، وبالإضافة إلى ذلك أوصى اللجنة العليا للحوار الوطني بالتركيز واعتبار موضوع الاستقلالية حجر زاوية الإصلاح في هذا الميدان، وهذه هي مطالب نادي قضاة المغرب، والتي على أساسها تم تنظيم الوقفة أمام محكمة النقض في الرباط». وأوضح مخلي أن «القضاة طالبوا بالتأويل الديمقراطي للدستور فيما يخص استقلال السلطة القضائية، وهذا ما جاء به الخطاب الملكي بحثه على الالتزام بروح الدستور فيما يخص النصوص التنظيمية المنظمة للسلطة القضائية، ونفس الأمر فيما يخص ضمان استقلال السلطة القضائية فيما يخص الحوار الوطني». وسجل أن «جلالة الملك وضع خارطة طريق لإصلاح العدالة منذ توليه العرش، وتجسد ذلك بشكل واضح في الخطاب التاريخي لعشرين غشت 2009، من أجل الإصلاح العميق والشمولي لمنظومة العدالة، والآن بعد الخطاب الملكي الأخير تأكد بأن الإرادة الملكية حاسمة من أجل ضمان استقلال السلطة القضائية على مستوى النصوص التنظيمية». من جهته أكد عبد الرحمان المصباحي، نائب رئيس الودادية الحسنية للقضاة، في حديث ل«المساء»، أن «الودادية استقبلت مضامين الخطاب الملكي بفرح كبير، لأنه يشكل المنوال الذي نتجه فيه، ويحمل أيضا تنبيها للغافلين ولأي شخص يحاول أن يفكر أو يخرج عن السكة المرسومة، وهو خطاب يطلب مسايرة العملية الإصلاحية ويطلب منا الاستقلالية، وهاتان النقطتان مهمتان، إلى جانب أخرى، ونحن الآن نشتغل عليها». وأوضح أن «الخطاب الملكي يشكل دفعة للأمام، لأنه حدث نوع من الفتور فيما يخص العملية الإصلاحية، التي ربما طالت شيئا ما، وبالتالي فبعد مناظرة الحوار الوطني ستتم كتابة النصوص بطريقة تشاركية وطبقا للتوجيهات الملكية، لتدخل بعد ذلك لدواليب التشريع على مستوى البرلمان، فنحن قمنا بالحوار لكن الذي سيختتمه هو الشعب الممثل في البرلمان للمصادقة على النصوص، وبالتالي فالخطاب حمل تنبيها للبرلمانيين الممثلين للأمة من أجل مسايرة التوجه الدستوري وألا يحيدوا عنه». تلازم دعوة الملك، الضامن لاستقلال السلطة القضائية حسب منطوق الدستور، إلى التقيد بالنص الدستوري والحرص على ضمان استقلالية القضاء ينطلق مما نص عليه الدستور الجديد من جعل السلطة القضائية مستقلة عن باقي السلطات، وهذا ما يفرض على القضاة الدفاع عن استقلاليتهم، وأن القاضي يجب عليه، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما نص الدستور الجديد على أن كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهني جسيم، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة، إضافة إلى معاقبة القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة. توجيهات ملكية حملت رسالة واضحة بضرورة التنزيل والتأويل السليم للمقتضيات الدستورية، وتركيز الهيئة المكلفة بتدبير الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة على مبدأ استقلالية القضاء، وكذا جعل المؤسسة البرلمانية تتحمل مسؤولياتها التشريعية من أجل إصلاح شامل وعميق لمنظومة عدالة تضمن حقوق المتقاضين، وكرامة القاضي، وتؤسس لسلطة قضائية حقيقية تتمتع بالاستقلالية والنزاهة والحياد.