نفذ نادي قضاة المغرب، أخيرًا، إضرابًا رمزيًا، من خلال حمل شارات حمراء، احتجاجًا على "تعنت الحكومة في تنفيذ الخطاب الملكي ورفضها مبدأ الحوار"، وهو أول شكل احتجاجي للقضاة من هذا الحجم في تاريخ المملكة. وتزامنت هذه الحركة الاحتجاجية مع تنصيب أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة. وتتكون هذه الهيئة من 40 شخصية حقوقية، وقضاة، ومحامين، وإعلاميين. والهيئة هي بمثابة مجلس للتوجيه والتنسيق، وتتولى الإشراف على إدارة الحوار الوطني وتأطير أشغاله وصياغة المقترحات ومشاريع التوصيات التي سيجري عرضها على مناظرة الحوار الوطني، والتي سيتمخض عنها ميثاق وطني لإصلاح منظومة العدالة. وقال ياسين مخلي، رئيس نادي قضاة المغرب، في حوار مع "إيلاف"، إن قرار خوض الاحتجاج غير مرتبط بتنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، بل هو مرتبط أساسا بالملف المطلبي لنادي قضاة المغرب، الذي تقدمنا به ابتداء من شهر كانون الثاني.
ما هي أسباب دخول القضاة في أشكال احتجاجية؟ تقدم نادي قضاة المغرب بطلب مقابلة رئيس الحكومة من أجل مناقشة الملف المطلبي المؤسس على الخطاب الملكي ل 20 آب/ أغسطس 2009، غير أنه لم يتلق أي رد بخصوص طلبه. كما أنه جرى منح الحكومة آجال كافية، ابتداء من شهر كانون الثاني/ يناير إلى غاية 15 أيار/ مايو الجاري، قصد الرد، علمًا أن توصيات المجلس الوطني، الذي انعقد يوم 5 أيار الجاري، وضعت مجموعة من الأشكال الاحتجاجية وفوضت للمكتب التنفيذي تنفيذها ابتداء من 15 من الشهر الجاري. وحقيقة نحن كنا مضطرين إلى خوض مثل هذه الأشكال، وهناك أشكال تعبيرية أخرى سيتم اعتمادها من طرف المكتب التنفيذي الذي سينعقد، يوم 26 أيار (مايو) الجاري، وحاليا ملفنا المطلبي عادل، ومشروع، ومؤسس على خطاب ملكي. لذلك، فالحكومة الحالية أو الحكومات السابقة لم تتفاعل مع محاور الخطاب الملكي، ومنها محور تحسين الوضعية المادية، لذلك نحن مضطرون إلى خوض جميع الأشكال الاحتجاجية لتحقيق مطالبنا. أليس هناك تواصل مع وزير العدل والحريات؟ صراحة، هناك اتصالات بين وزارة العدل ونادي قضاة المغرب من أجل وضع برنامج للحوار حول الملف المطلبي للنادي. ونحن في جمعية نادي قضاة المغرب نؤمن بالحوار، لأن الهدف ليس هو الاحتجاج في حد ذاته، بل الهدف أكبر من ذلك ويتمثل في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية. تزامنت هذه الاحتجاجات مع تنصيب أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، هل هناك أي ارتباط؟ في ما يخص الاحتجاج فقد جرى تقريره في شهر كانون الثاني/ يناير 2012، وحدد تاريخ 15 أيار كآخر أجل أمام الحكومة قصد الاستجابة إلى الملف المطلبي العادل لنادي قضاة المغرب. إذن، قرار خوض الاحتجاج غير مرتبط بتنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، بل هو مرتبط أساسا بالملف المطلبي لنادي قضاة المغرب، الذي تقدمنا به ابتداء من شهر كانون الثاني، حسب بيان للمكتب التنفيذي. وبالتالي هذا الاحتجاج لا علاقة له بتنصيب الهيئة، وإن كان لدينا ملاحظات على تشكيلتها، لكونها لا تضم الفاعلين الحقيقيين في منظومة العدالة، خصوصا عدم إشراك نادي قضاة المغرب، باعتباره يمثل 2900 قاضٍ من قضاة المملكة. ونحن كنادي قضاة المغرب، سواء كنا داخل الهيئة أو خارجها، سنسعى إلى بلورة تصورات المؤسسة لاستقلال السلطة القضائية بكل موضوعية وجرأة، ووفق التنزيل الديمقراطي للدستور. إذن، مواقفنا سنعلن عنها للرأي العام من أجل بناء سلطة قضائية، لأن هذا المطلب مطلب ثابت ومجتمعي، وبالتالي نحن سنشارك في الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة كملاحظ، وذلك في أفق عرض هذا الموضوع على المجلس الوطني، الذي سينعقد يوم 9 حزيران/ يونيو المقبل، بهذا الخصوص. هل يمكن إصلاح منظومة العدالة في ظل التصور المتوفر حاليا من قبل الوزارة الوصية؟ نعتقد أن هناك مواضيع آنية لا تحتاج إلى الحوار، منها موضوع تحسين الوضعية المادية، الذي هو مرتبط بالخطاب الملكي. والأكيد أن إقحام هذا الموضوع في الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة لا داعي له في هذه المرحلة. فهذا الموضوع محسوم بخطاب ملكي، ولا أظن أنه يجب أن يكون ضمن أجندة الحوار الوطني من أجل إصلاح العدالة، والأمر نفسه يرتبط بأمر آخر ألا وهو تأهيل الموارد البشرية، وضمان عدم تمركز المصالح المركزية لوزارة العدل، بالإضافة إلى التحديث والمكننة وتسهيل ولوج المتقاضين إلى منظومة العدالة. فهذه المواضيع لا تحتاج أصلا إلى حوار، بل تحتاج إلى وجود إرادة وميزانية لإنجاح هذه الورش، وكذلك وجود استراتيجية تقييمية، وتتبع جميع مراحل تنفيذ هذه الإستراتيجية. أكيد أن الحوار الوطني سيكون مرتبطًا بضمانات استقلال السلطة القضائية، وهذا هو الموضوع المهم الذي يجب أن يكون، حسب اعتقادي، في أجندة الحوار الوطني. أما موضوع تحسين الوضعية، والتحديث، والمكننة، وبناء بنايات جديدة للمحاكم، وتسهيل الولوج للخدمات، وتقريب القضاء من المواطنين، فأعتقد أنه يحتاج إلى إرادة وتكلفة وميزانية وموازية ولا يحتاج لأي حوار. لهذا، نحن نرفض إقحام موضوع تحسين الوضعية، ضمن أجندة الحوار الوطني، لأن هذا من شأنه أن يؤجل هذا الموضوع إلى سنوات أو عقود، وهو الأمر الذي نرفضه في نادي قضاة المغرب، وسنسعى إلى تكريس تحسين الوضعية المادية للقضاة، باعتباره أهم مدخل من مداخل إصلاح القضاء. كيف ترى تخليق الحياة العامة عبر بوابة القضاء؟ الحراك المسجل حاليا هو الذي سيؤسس لسلطة قضائية قوية، وسيخلق المناخ الإيجابي لاستقلال هذه السلطة، وهذا هو المدخل الحقيقي لدور الجمعيات المهنية الفاعلة والمدافعة عن حقوق المواطنين الفردية والجماعية. وسأتحدث عن موضوع التخليق، الذي أعتقد أنه أصبح مطلبا مجتمعيا، وأن القضاء مدعوٌ إلى المساهمة في تخليق الحياة العامة، ولكن أظن أن جميع الفاعلين يجب أن يؤسسوا لتخليق منظومة العدالة كل من المجال الذي يشتغل فيه.