ظل البطل العالمي والأولمبي السابق سعيد عويطة يثير الجدل، سواء وهو عداء أو وهو مدير تقني أو بعدما أصبح محللا ل«الجزيرة الرياضية». عندما نجح عويطة في الفوز بذهبية ال5000 متر في أولمبياد لوس أنجلوس 1984، لم يتردد الملك الراحل الحسن الثاني في التأكيد، في خطاب رسمي له، على أن العالم يعرف المغرب بعويطة أكثر مما يعرفه بملكه. نقش عويطة اسمه في قلوب المغاربة، بل ونال لقب «الأسطورة» وهو يراكم الألقاب ويطيح بالكثير من الأرقام القياسية العالمية. في «كرسي الاعتراف»، يحكي عويطة ل«المساء» عن طفولته وعن الكيفية التي أصبح بفضلها عداء لا يشق له غبار، قبل أن يقرر الاعتزال؛ كما يحكي عن الكثير من المعارك التي خاضها فوق المضامير وخارجها، وعن علاقته بالملك الراحل الحسن الثاني وبوزراء الشباب والرياضة الذين عاصرهم، ويسرد أيضا قصة ارتباطه ب«الجزيرة الرياضية»، والكثير من الخبايا التي يكشفها لأول مرة. - متى بدأت علاقتك بالعداء السابق هشام الكروج؟ علاقتي بهشام الكروج علاقة قديمة، لقد شاهدته أول مرة في بطولة العالم لألعاب القوى للشبان التي جرت بسيول سنة 1992. كنت أقضي فترة عطلة رفقة زوجتي بكوريا الجنوبية، وتابعته في بطولة العالم هناك، حيث شارك في سباق ال5000 متر وحصل على المركز الثالث. في ذلك الوقت كنت قد أنهيت مساري كعداء، وعندما توليت مهمة الإدارة التقنية في سنة 1993 عقب بطولة العالم التي جرت بشتوتغارت، بقي الكروج عالقا في ذهني وقررت أن أحول تخصصه من ال5000 إلى ال1500 متر، حيث بدأ في التدرب على هذه المسافة رفقة عدائين آخرين، بينهم عز الدين الصديقي وصلاح الغازي. لم يكن الكروج أفضلهم في ال1500 متر في ذلك الوقت، ولكنه كان المفضل بالنسبة إلي، وكان بمثابة ابن أو أخ أصغر لي؛ وما يؤكد عمق هذه العلاقة هو أنه بعد أن عاش على إيقاع خلافات مع الإدارة التقنية الوطنية بعد مغادرتي لها، استقل الطائرة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم جاء عندي، إلى بيتي، مرفوقا بصلاح حيسو وابراهيم لحلافي، ليعبر عن تذمره ويشكو من ممارسات لم ترقه، قبل أن يعود إلى المغرب بعد لقاء جمعني بمحمد المديوري الذي كان وقتها رئيسا للجامعة. لقد كانت علاقتي بالكروج، ومازالت، واضحة؛ فبيننا احترام كبير، كما أنه في ملتقى طنجة، الذي يشرف على تنظيمه، وجه إلي الدعوة وكرمني ورحب بي، وهو يعرف أنني كنت دائما أبحث عن مصلحته الرياضية، وليس عن أشياء أخرى. - لكن الكروج لم يعترف بفضلك عليه إلا بعد أن أعلن اعتزاله المضامير، ما سبب تأخر اعترافه؟ عندما اعترف الكروج، لدى إعلان اعتزاله، بفضلي عليه بعد الله سبحانه وتعالى، استقبلت الأمر بفرح، ليس طمعا في الحصول على مقابل مادي، ولكن لأن في الأمر اعترافا؛ وقد اتصل بي كثيرون ليقولوا لي إن الكروج اعترف أخيرا بفضلك، وتلقى أفراد عائلتي، وخصوصا زوجتي، الأمر بارتياح أكبر، لأنهم يعرفون طبيعة العلاقة التي كانت تربطني به، وكيف أنني كنت آتي به إلى بيتي الخاص، بل حتى زوجتي كانت تكن له عطفا خاصا. سبب تأخر اعترافه يعود ربما إلى الضغوط التي كانت تمارس عليه لما كان عداء، فقد كان هناك في الإدارة التقنية وفي جامعة ألعاب القوى من يريدون أن يمحوا تاريخ سعيد عويطة، ومن يريدون السطو على نجاحاته وأعماله، والكروج كعداء كان يعيش وسط هذه الضغوط، وقد كنت أقدر ذلك؛ ولما جاءت لحظة الصدق اعترف بالأمر، علما بأنه اليوم هو الذي يمكن أن يشكل ضغطا على هؤلاء، فقد صار له اسمه الكبير في عالم ألعاب القوى وشخصيته المعنوية المهمة. - قرارك بتغيير تخصص الكروج من ال5000 إلى ال1500 متر لقي معارضة كبيرة، أليس كذلك؟ لقد عشت حربا حقيقية بعد أن قررت تغيير تخصص الكروج من ال5000 إلى ال1500 متر، فهناك من كان يقول إنني سأدمر هذا العداء، وآخرون كانوا يقولون ماذا يفعل سعيد، لكنني تحدّيت الجميع وأصررت على تنفيذ مخططي، بل وبرمجت للكروج مشاركة في ملتقى الفتح، حيث حقق توقيت 3 د و35 ث سنة 1994، وقد كان ذلك توقيتا جيدا، بل إنه سمح لي، بحكم علاقاتي، بأن أبرمج له مشاركتين في ملتقيي نيس وأوسلو، حيث سيبدأ مساره الحقيقي في «أم الألعاب». بعد مغادرتي للإدارة التقنية، واصل الكروج تداريبه تحت إشراف عبد القادر قادة، بنفس البرنامج الذي وضعته وبنفس الطريقة؛ لأنني لما كنت مشرفا على الإدارة التقنية، كنت وضعت برنامجا للمسافات المتوسطة والطويلة ووزعته على عدد من المدربين، على أساس العمل به في إطار مجموعات. - ما الذي جعلك تكون واثقا من أن الكروج سيصبح عداء بارزا؟ نشاطه وحيوته وطموحه ورغبته في تحقيق الإنجازات، لقد كان يتدرب بشكل جدي. ورغم أن بنيته الجسمانية مختلفة عن بنيتي بحكم أنه طويل القامة وخطواته كبيرة، فقد كان لدي اليقين بأنه إذا حسن بعض الأمور التقنية، فإنه سيحقق إنجازات كبيرة. أكثر من ذلك، فبحكم علاقتي وثقتي بالكروج، إذ كنت أعتبره فردا من أفراد العائلة، كنت سأطلق على ابني عادل اسم هشام حبا فيه. - وما الذي حال دون ذلك؟ لقد ازداد ابني عادل في سان دييغو بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد حدثت أشياء غريبة من قبيل أن الفراش الذي كانت ترقد فوقه زوجتي كان يحمل اسم عادل، وكان لدي صديق آخر اسمه عادل العادلي، وهو من أعز أصدقائي، فأطلقنا عليه اسم عادل بدل هشام.