ظل البطل العالمي والأولمبي السابق سعيد عويطة يثير الجدل، سواء وهو عداء أو وهو مدير تقني أو بعدما أصبح محللا ل«الجزيرة الرياضية». عندما نجح عويطة في الفوز بذهبية ال5000 متر في أولمبياد لوس أنجلوس 1984، لم يتردد الملك الراحل الحسن الثاني في التأكيد، في خطاب رسمي له، على أن العالم يعرف المغرب بعويطة أكثر مما يعرفه بملكه. نقش عويطة اسمه في قلوب المغاربة، بل ونال لقب «الأسطورة» وهو يراكم الألقاب ويطيح بالكثير من الأرقام القياسية العالمية. في «كرسي الاعتراف»، يحكي عويطة ل«المساء» عن طفولته وعن الكيفية التي أصبح بفضلها عداء لا يشق له غبار، قبل أن يقرر الاعتزال؛ كما يحكي عن الكثير من المعارك التي خاضها فوق المضامير وخارجها، وعن علاقته بالملك الراحل الحسن الثاني وبوزراء الشباب والرياضة الذين عاصرهم، ويسرد أيضا قصة ارتباطه ب«الجزيرة الرياضية»، والكثير من الخبايا التي يكشفها لأول مرة. -كيف بدأتم العمل في مدرسة سعيد عويطة للأبطال؟ لم يكن لدينا مكان للتدرب أو مكان ليبيت فيه العداؤون، لذلك، قررتُ أن أنطلق في العمل، منذ سنة 1985، من أجل تكوين عدائين يمثلون للمغرب خلفا للعدائين السابقين. كنا نجتمع في بيتي في «عين الذياب»، في الدارالبيضاء، حيث كانت مجموعة كبيرة من العدائين تتدرب بشكل يومي وتبيت هناك، قبل أن ننتقل، في ما بعد، إلى معهد مولاي رشيد، حيث خُصِّصت للعدائين غرف للإقامة بشكل مؤقت. وجميع العدائين الذي برزوا في وقت لاحق، كحيسو والسكاح والكروج وبولامي وبوطيب وقادة وغيرهم... هم خريجو هذه المدرسة. قبل أن تنطلق هذه المدرسة، لم يكن هناك منهج ولا فلسفة في إعداد العدائين، ولم يكن عدد العدائين، الذين يتأهلون للمنافسات العالمية، كبيرا، ففي وقت سابق من الثمانينيات، كنت أنا ونوال المتوكل وفوزي اللهبي الذين نتأهل، لكن بعد بدء العمل في المدرسة، أصبح حضور العدائين المغاربة كثيفا في البطولات الكبرى، بل واتضح أنه لم يعد هناك مشكل في إعداد الخلف. لقد كنا أشبه بالرحالة، فبعد فترة قضيناها في بيتي بالدارالبيضاء، ثم بعدها بملعب محمد الخامس، سيجد لنا الراحل عبد اللطيف السملالي مقاعد في معهد مولاي رشيد، حيث ولجه العداؤون، قبل أن يهيكل في مرحلة لاحقة ويصبح للاعبين مقر خاص بهم. -لماذا واجهت مدرسة سعيد عويطة هذه العراقيل، رغم أن الراحل الحسن الثاني دعمها؟ كثيرون لم يؤمنوا بهذه المدرسة، وبأن للمغرب القدرة على إنتاج العدائين بشكل سلس، لكن ما أن بدأت الأرقام تتحطم، والعداؤون يبرزون حتى تمت هيكلتها، لكن، للأسف، وجدت نفسي خارجها رغم أنني صاحب فكرة تأسيسها، بل واصطدمت بالراحل السملالي. -وكيف سارت الأمور بعد هذه المرحلة؟ لقد كان الهدف من إنشاء هذه المدرسة هو إعداد الخلف وتهييئه، وأن تصبح أكاديمية حقيقية لألعاب القوى، بيد أن الأمور لم تسر وفق ما خططته لهذه المدرسة، فقد حادت عن الطريق المرسوم لها، بل وأصبحت مرتعا لممارسات غير رياضية، وأصبح هناك من يريد أن يختصر الطريق بإبراز العدائين، ولو بطرق غير رياضية. كان من المفروض أن تنجب هذه المدرسة مئات من سعيد عويطة، فقد كان لدي المفتاح وخطة العمل والتداريب، خصوصا أنني عداء وبلغت مستوى عالميا، الكينيون مثلا الذين اقتبسوا هذه الفكرة من عندي، صنعوا مدرسة حقيقية ب«النوايل» ونجحوا في المضي على الطريق الصحيح في المسافات المتوسطة والطويلة. لدينا نحن، لم تكن هناك استمرارية في العمل، خصوصا وأن المدرسة كان يجب أن تنتج الأبطال بموازاة عمل كبير يجب أن تقوم به الجامعة على مستوى العصب والأندية، وهو الأمر الذي لم يتم، وأصبح هناك تركيز عليها في مقابل إهمال كلي للعصب والأندية، بل إن هذه المدرسة ستصبح هي مشكلة ألعاب القوى المغربية، خصوصا لما أصبحت جزءا من الإدارة التقنية الوطنية. -ولماذا تحول اسم مدرسة سعيد عويطة إلى المعهد الوطني لألعاب القوى، رغم أن الراحل الحسن الثاني هو الذي اختار لها هذا الاسم؟ هذا السؤال يجب أن يوجه للمسؤولين، الذين لم يطبقوا أمرا ملكيا من الراحل الحسن الثاني، مثلما لم يطبقوا الكثير من الأشياء المهمة، الاسم اختير بشكل رمزي، وكان الحسن الثاني يهدف من خلاله إلى تكريمي رمزيا، وفي الوقت نفسه إلى إعطاء نموذج ومثال لأجيال العدائين الصاعدين ليسيروا على نهجي، غير أن الاسم تم التشطيب عليه، دون أن يعني ذلك أنه سيشطب من قلوب المغاربة، ربما هناك من كنت أزعجهم، فقرروا ألا يطلقوا اسم عويطة على المدرسة، لكن ذاكرة التاريخ قوية. -لكنك عدت للجامعة سنة 1993 وحاولت إحياء الفكرة من جديد؟ لقد عدت بطلب من الحسن الثاني، وأعدت العمل من جديد مع عدائين كالكروج وبولامي وحيسو، وبدأنا نمضي في الطريق الصحيح، لكن تسيير الجامعة لم يعجبني ولم ترق لي الطريقة التي كان يفكر بها بعض المسؤولين ولا ممارساتهم، فقررت الرحيل والعودة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، لقد كان إلحاق المدرسة بالإدارة التقنية الوطنية خطأ فادحا. - بعد عودتك إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، سيقرر كل من هشام الكروج وصلاح حيسو وابراهيم لحلافي «الهروب» إلى أمريكا، ماذا حدث في ذلك الوقت؟ لقد حدث ذلك في سنة 1996، إذ التحقت بي هذه المجموعة من العدائين بالولاياتالمتحدةالأمريكية، هربا مما قالوا ذلك الوقت إنها ممارسات لم تعجبهم من طرف الإدارة التقنية الوطنية. مكثوا عندي حوالي الشهر، وأقنعتهم بضرورة العودة إلى المغرب، لكن قبل ذلك التقيت بمحمد المديوري، رئيس الجامعة آنذاك، وتحدثت معه طويلا في الموضوع، لدى مجيئه للولايات المتحدة مع الراحل الحسن الثاني، أخبرته أن الأمر لا يتعلق بهروب، وأنه من الممكن أن بعض الأشياء لم تعجبهم على مستوى التسيير، لذلك، كان لهم رد فعل، وأتذكر أن ذلك اللقاء كان إيجابيا، وأبدى خلاله المديوري تفهما كبيرا، فتمت معالجة الأمر، وعاد الكروج وحيسو ولحلافي إلى المغرب.