تنطلق، في باريس في الثامن عشر من أكتوبر الجاري، فعاليات المعرض الدولي للفن الحديث، المعروف ب«فياك». ويحتضن فضاء «غران بالي»، لمدة ثلاثة أيام، هذا اللقاء الفني الهامّ في أجواء أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها لم تتأثر بالأزمة التي أرْخت بظلالها على بقية القطاعات الاقتصادية. وهذا ما أكده التقرير الذي أصدرته مجلة «آرتبرايس» عن المزادات العلنية في سوق الفن لفنانين ولدوا بعد 1945. ويتضح من خلاله أنه بين شهر يوليوز 2011 ويونيو 2012 ناهزت مبيعات المزادات العلنية مليون 860 مليون أورو. وبناء على هذا المعطى، فإن الفن الحديث، مثله مثل مستحضرات التجميل، لا يعرف الأزمة. وتأتي آسيا على رأس القائمة ب43 % من المداخيل، مقابل أوربا، التي لم تحصل سوى على 38 %. وضمن الفنانين المحدَثين الأكثر مبيعا يتربع على رأس القائمة الفنان الأمريكي جان ميشال باسكيا، الذي حققت أعماله في ظرف سنة واحدة 79 مليون أورو، فيما يحتل أول فرنسي، في شخص روبير كومباس، المرتبة ال108. وإنذا كانت «آرتبرايس» لم تأت على ذكر الفنانين العرب، فإن بعض هؤلاء، وبالأخص الفنانون المغاربيون، هم اليوم قيد خلق الحدث في أكثرَ من عاصمة غربية، وبالأخص في فرنسا، التي تعتبر إحدى قِبلات الفن المعاصر. كما أن أسهمهم الفنية بدأت في الارتفاع.. وأول هؤلاء الفنانين هو عادل عبد الصمد، من مواليد 1971 في الجزائر. ويعمل عبد الصمد تبعا لمبدأ خلخلة المبنى لتوصيل المعنى أو زرع الغرابة في كل ما هو عاديّ مألوف، وأحيانا إلى حد الاستفزاز أو الهرطقة، كما يعرض ذلك شريط الفيديو الذي تبدو فيه فتاة وهي تُرضع خنزيرا أو اللوحة الفنية بعنوان «هكذا تكلم الله».. وقد كتبت هذه العبارة المستوحاة من نيتشه على كيس نفايات من الورق وألصقت على مساحة بيضاء.. ويكرس مركز جورج بومبيدو نتاج هذا الفنان من خلال معرض استعاديّ يستمر إلى غاية 7 يناير من السنة القادمة. ومن المغرب خلق كل من منير الفاطمي وماجدة الخطاري الإثارة والحدث، كل بطريقته الخاصة. ففي إطار مهرجان «ربيع شتنبر للإبداع المعاصر»، الذي تنظمه مدينة تولوز، ساهم الفنان المغربي منير الفاطمي بتركيب لفيديو بعنوان «تكنولوجيا»، عرَض خلاله، على أرضية جسر المدينة، صورا ضوئية دائرية لآيات قرآنية وأحاديث نبوية.. لكن هذا العمل خلق استياء في صفوف الزوار من المسلمين الذين دعا بعضهم إلى التظاهر والاحتجاج.. وفي الأخير، قرر منير الفاطمي، بالاتفاق مع منظمي المهرجان ومع أحد أئمة المدينة، سحب عمله من المعرض.. والمفارقة أن هذا العمل هو في ملكية متحف الدوحة للفن المعاصر.. في السيرة الذاتية لبعض الفنانين أصبحت الإثارة والفضيحة من بين المرجعيات التي تساعد على الرفع من قيمة الفنان في المزادات العلنية.. أما الفنانة ماجدة الخطاري فأقامت، ساحة «لاكونكورد»، وفي إطار تظاهرة «الليلة البيضاء»، استعراضا داخل خيمة بعنوان «هذا ليس بحجاب».. لا يعرض على الزائر عارضات أزياء بقامات فارهة وبجمال شفاف، بل عارضات لا يتراءى منهن سوى رأس يكسوه تارة حجاب وتارة أخرى خمار أو «زيف».. كما استلهمت الفنانة بعضا من أنواع النقاب التي ارتدتها بعض مشاهير هوليود، أمثال أودري هوببرن وغراس كيلي. وبذلك حاولت الفنانة نزع الهالة السلبية عن الحجاب. ومنذ عشرات السنين وماجدة الخطاري تطوي وتبسط الحجاب والنقاب والبرقع بشتى الأساليب الفنية وبلمسات ذكية ساخرة وساحرة وأيروسية تؤهلها لأخذ موقع مميز في سوق المزاد الفني، إلى جانب فنانين مغاربيين آخرين بمنأى عن أي استفزاز أو استخفاف بالمشاعر المقدسة.