ظل البطل العالمي والأولمبي السابق سعيد عويطة يثير الجدل، سواء وهو عداء أو وهو مدير تقني أو بعدما أصبح محللا ل«الجزيرة الرياضية». عندما نجح عويطة في الفوز بذهبية ال5000 متر في أولمبياد لوس أنجلوس 1984، لم يتردد الملك الراحل الحسن الثاني في التأكيد، في خطاب رسمي له، على أن العالم يعرف المغرب بعويطة أكثر مما يعرفه بملكه. نقش عويطة اسمه في قلوب المغاربة، بل ونال لقب «الأسطورة» وهو يراكم الألقاب ويطيح بالكثير من الأرقام القياسية العالمية. في «كرسي الاعتراف»، يحكي عويطة ل«المساء» عن طفولته وعن الكيفية التي أصبح بفضلها عداء لا يشق له غبار، قبل أن يقرر الاعتزال؛ كما يحكي عن الكثير من المعارك التي خاضها فوق المضامير وخارجها، وعن علاقته بالملك الراحل الحسن الثاني وبوزراء الشباب والرياضة الذين عاصرهم، ويسرد أيضا قصة ارتباطه ب«الجزيرة الرياضية»، والكثير من الخبايا التي يكشفها لأول مرة. - في بعض الأحيان وأثناء تعليقك على منافسات ألعاب القوى، تبدو لاذعا في حديثك عن المشاركة المغربية، وتوجه انتقادات قاسية إلى مسؤولي جامعة ألعاب القوى، حتى إن هناك من يتهمك بتصفية حساباتك مع الجامعة؟ الأمر لا يتعلق بتصفية حسابات أو شيء من هذا القبيل بقدر ما يتعلق بوصف دقيق لما يحدث، فالنتائج والأرقام لا تكذب، وعندما يخرج المغرب خاوي الوفاض من بطولة العالم لألعاب القوى ويحقق أسوأ مشاركة له في الأولمبياد، فهل المطلوب مني أن أزيف الحقيقة وأجمل الواقع البئيس حتى يرضي ذلك مسؤولي الجامعة!؟ إن المطلوب مني أن أشرح للمشاهد سبب حصد هذه النتائج المخيبة، وأن أواجهه بالحقيقة التي تكون مزعجة للبعض، وأن أكشف ما أعرفه وأقول كلمتي وأمضي، دون أن تكون في ذلك أية تصفية للحسابات، فهذا ليس من طبعي، علما بأن الأمر في ألعاب القوى لم يعد مقتصرا على النتائج السلبية فقط، ولكنه تجاوز ذلك ليجعل منها مرتعا للمنشطات التي تشوه صورة هذه الرياضة، ويضع نتائج العدائين المغاربة موضع شك. ومن المفروض أن أقول رأيي لا أن أصمت مثلما يفعل كثيرون. - لكن نقدك يكون قاسيا؟ إنه ليس نقدا قاسيا، ولكنني أتحدث بغيرة من خلال ما أتابعه من نتائج، صحيح أن النتائج تؤثر فيّ، لكن كل ما أقوله يخرج من قلبي وبكل تلقائية ودون مساحيق، علما بأن الكم الهائل الذي أتوصل به من الرسائل يحمل في طياته إشادة بما أقوله، وبالمقابل فعندما يظهر لي أن هناك عداء أو عداءة يبشران بالخير، فإنني أقول ذلك ولا أتردد لحظة في تشجيعهما. - لو لم يصبح سعيد عويطة عداء، فما هي المهنة التي كان سيزاولها؟ كان من الممكن أن أصبح لاعب كرة قدم، خصوصا وأنني تدرجت عبر مختلف فئات فريق المغرب الفاسي، صغارا وفتيانا وشبانا، وكنت على وشك أن أنضم إلى الفريق الأول قبل أن تتغير وجهتي وأتخصص في العدو. المغرب الفاسي مدرسة تخرج منها عدد كبير من لاعبي كرة القدم البارزين، كالزهراوي والهزاز والتازي، وقد كنت ولوعا بممارسة الكرة، وكان لدينا مدرب اسمه عبد العزيز الدباغ، لم يكن مدربا فقط بل كان بمثابة الأب والمربي، وقد لعب دورا مهما في حياتي بفضل توجيهاته، وكان يتوقع لي أن أصبح لاعبا جيدا، وأذكر أنه غضب كثيرا لما انتقلت إلى العدو، فقد كان يرى فيّ مشروع لاعب جيد. - وخارج المجال الرياضي؟ لقد كنت ومازلت مولعا بالسينما وبالإخراج، وكانت لدي أمنية أن أصبح مخرجا سينمائيا، واليوم أعتقد أن هذه الأمنية ستتحقق. - كيف؟ ستتحقق عن طريق ابني عادل، فهو بدوره مولع بالسينما ويقوم بإخراج الأفلام القصيرة، ولديه رؤية بعيدة وطموح كبير إلى أن يمضي قدما في هذا المجال، وهو عضو في الجامعة السينمائية وسيخرج فيلما سيحكي فيه قصتي في ألعاب القوى سيكون من إنتاج أمريكي. - لماذا لم يسر أي من أبنائك في نفس طريقك ويختر المجال الرياضي؟ أنا لم أفرض عليهم أي شيء، لقد كانت لديهم حرية الاختيار، ولو أن أيا منهم أراد أن يصبح عداء أو عداءة لوجد مني التشجيع، علما بأن ابنتي الكبرى كان يمكن أن تصير عداءة جيدة، بل وكانت لديها أرقام مهمة، لكنها كانت ترفض أن تقارن بي، وبات لديها ما يشبه «العقدة»، إذ إنها كانت تقول دائما إنها ستوضع في ميزان المقارنات مع نتائجي، الأمر الذي دفعها إلى تحويل الوجهة كليا. - في مثل هذا اليوم، قبل 29 سنة، عقدت قرانك على زوجتك خديجة أسخير، كيف تم هذا الزواج؟ إنها قصة طويلة، في أواخر سنة 1982 رأيتها في تجمع للمنتخب الوطني لألعاب القوى تحضيرا لألعاب البحر الأبيض المتوسط التي جرت بالمغرب سنة 1983، فأعجبت بها وقررت دون تردد أن أتزوج بها، رغم أنها كانت تبدو صغيرة السن، لذلك فاتحتها في الموضوع، ورغم ترددها قررت خطبتها؛ ثم اتفقت مع والدها، دون استشارتها، على أن يتم الزواج بشكل سريع، وقد تم عقب ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وكنت أقول لها: لقد تجاوزك الأمر والكلام يجب أن يكون مع والدك؛ كنت أبحث عن الاستقرار، وكنت أعرف أنها ستقوم بدور مهم في حياتي الشخصية والرياضية، وقد كانت ومازالت نعم السند والزوجة، وكانت أكبر مدعم لي في جميع محطات حياتي، فقد انتقلت معي إلى إيطاليا وبدأنا من الصفر، وضحت بمسارها الرياضي من أجلي، مع أنه كان بمقدورها أن تصبح عداءة بارزة، تشجعني على التداريب إذا تكاسلت أو تعبت، والنتائج التي حققتها يعود إليها فضل كبير فيها، انطلاقا من أولمبياد لوس أنجلوس 1984.