قضت «المساء» يومين كاملين في ضريح «مولاي عبد الكريم» الموجود بمنطقة معزولة في غابة بضواحي وزان وقفت خلالهما على «انتهاكات جسيمة» ترتكب في حق مواطنين مصابين بأمراض نفسية اضطرت عائلاتهم إلى جلبهم إلى هذا الضريح بحثا عن العلاج في ظل «غياب» مستشفيات للأمراض النفسية بالمنطقة. وعاينت «المساء»، خلال إجرائها ربورتاجا سينشر لاحقا، كيف يتم تكبيل المرضى ضدا على إرادتهم بالسلاسل الحديدية والأقفال الكبيرة وربطهم بجذوع الأشجار طيلة اليوم تحت أشعة الشمس أو البرد في مشاهد مهينة لكرامة وحقوق الإنسان. كما وقفت «المساء»، على حالة المريض المرفقة صورته بهذا المقال، والذي رأى المشرفون على الضريح أن حالته الصحية تستلزم تكبيله وربطه إلى شجرة في الخلاء بشكل يستحيل معه أن يتحرك في أي اتجاه سوى في وضعية واحدة هي الجلوس فوق الجذع السفلي للشجرة، إذ كانت رجلاه مصفدتين بسلاسل حديدية ومربوطة بقفل من الحجم الكبير. ويقضي هذا المريض تحت الشجرة مدة 12 ساعة إلى حين غروب الشمس، بعد ذلك يتم إدخاله إلى الضريح ويكبل من جديد خشية أن يفر إلى وجهة مجهولة. وعاينت «المساء» كيف أن المريض المذكور يلوح ببصره في كل الاتجاهات قبل أن يركز بصره كثيرا في اتجاه قدميه وكأنه يستنجد بمن حوله لنزع السلاسل الحديدية من قدميه «المنتفختين»، بل إن قدميه ظهرت عليهما كدمات وتغير لونهما، وهما مرشحتان للتعفن بسبب هذه السلاسل. المسؤول عن الضريح قال ل«المساء» إن هذا الشاب أحضرته أسرته وهو في وضعية هستيرية، مضيفا أنه استعاد الآن بعض هدوئه، حيث كان يضع يده فوق رأسه ويتلفظ ببعض الجمل باللغتين الفرنسية والإنجليزية وببعض أسماء الدول الأجنبية وبعض القنوات الإخبارية، مما يوحي بأن الشاب متتبع لما يجري حوله، ويحتاج فقط للعلاج في مستشفيات وزارة الصحة على يد أطباء. «المساء» عاينت أيضا كيف أن بعض المرضى تحولوا إلى متعاونين مع المشرفين على الضريح، حيث أصبحوا مكلفين بإقناع كل زائر جديد بالبقاء في الضريح من أجل الشفاء، فيما هناك مرضى يطول بهم المقام في هذا الضريح لمدة سنة أو أكثر. مئات المرضى يحلون بالولي الصالح على الرغم من وعورة المسالك الطرقية المؤدية إليه وموقعه بمرتفع جبلي طلبا للعلاج، خاصة يومي الخميس والجمعة، وكأنه سوق أسبوعي اعتاد زواره على ارتياده خلال هذين اليومين وهم مزودون بالأكل والشرب، مثلهم مثل باقي نزلاء الضريح الذين يطول مقامهم وهم مزودون ببعض الخضر، إذ بالكاد يقتاتون. زوار «مولاي عبد الكريم» همهم أخذ «البركة» أو تكبيل أحد أقاربهم بجوار «الولي الصالح» لطرد السحر واستعادة صواب المجنون، فالعلاج لا يتطلب سوى استعمال السلاسل والأغلال الحديدية للمرضى والراغبين في البركة إلى جوار الضريح صاحب الكرامات ومحقق الرغبات مقابل دريهمات قليلة مما تجود به أيادي الزوار الذين منهم فقراء وميسورون توحدت أفكارهم في أن العلاج سيكون بالبركة وليس بالعقاقير والمتابعة الطبية، فيما تكتفي سلطات المدينة بالتفرج على ما يحدث.