راكم دفناء هذه المقابر شهرة ترسخت في كتب التاريخ ومكنتهم من أن يجمعوا حولهم مريدين، سواء على الصعيد المحلي أو الوطني أو حتى العالمي، وساهموا بتصوفهم وزهدهم وبساطتهم وتواضعهم وعلمهم الديني الواسع في أن ينسج عنهم مريدوهم العديد من الحكايات الغريبة، التي رفعتهم إلى درجة الولي الصالح، الذي تنفع بركته في علاج عدد من الأمراض المستعصية على الطب الحديث. وإلى جانب هذه «البركات»، أدرجت زيارة الأضرحة والزوايا، في الآونة الأخيرة، ضمن ما يعرف بالسياحة الروحية التي يمكن أن يعول عليها المغرب لجلب المزيد من السياح الأجانب وخلق انتعاشة في السياحة الداخلية. لكن هذه الأضرحة، في المقابل، أصبحت نتيجة الإهمال وانشغال بعض «الأتباع» بجمع «التبرعات» فقط مهددة بالفضائح الأخلاقية التي ترتكب في محيطها... لم تكن معجزات الولي الصالح سيدي أحمد بن إيشو أو (بيني شو) بمنطقة عين حرودة، ملتقى مدينتي الدارالبيضاء والمحمدية، التي تحدث عنها الكثيرون، وحدها كافية لإرضاء وإشباع العديد ممن اعتبروا ضريحه مصحتهم الخاصة، فقد عمد الدجالون، نساء ورجالا، إلى نصب محلات مقابل الضريح رافعين شعار الشفاء من كل الأمراض التي عجز عنها أطباء العصر الحديث، أمراض العوانس والعقيمات والمصابين بما يسمى (بالثقاف أو العكس)... لتصبح المنطقة مركبا استشفائيا للدجل والشعوذة تحت غطاء بركات الولي الصالح، ويتمكن طاقمها الطبي الشعبوي من هزم رموز الطب الحديث، حيث لم تستطع إحدى الصيدلانيات، التي فتحت أبوابها قبل سنوات قبالة الضريح، أن تصمد أمام قوة سيطرتهم على العقول البشرية بالمنطقة والجوار. أحد قاطني المنطقة قال في تصريح ل«المساء» إنه بعد نشر صور الصيدلية المحتلة من طرف الشواف، تحرك المسؤولون المحليون، الذين ضغطوا على الشوافة، وأرغموها على ترك مصحتها الخاصة التي كانت تعمل داخلها بعد أن حصلت حينها على صمت السلطات المحلية نتيجة خوف أو تواطؤ أو ... وبعد تضاعف زبائنها الذين أبهرتهم بقدراتها الخارقة على (فك الوحايل، تخليص الناس من كل مشاكلهم المرضية والاجتماعية والإنسانية...). أغلقت مصحة الشوافة التي توفيت قبل أشهر، وبدأت فئة الشوافات في الانقراض، لكن الزائر طالب الصحة والعافية، لن يتأخر في العثور على مصحة (الصحراوي) الشواف الذي علق أمام واجهة باب محله القصديري لافتتين، يبرز من خلالهما أنه طبيب (الثقاف والسحر)، والعقم (العاكرة) و(العكس) باستعمال (معدن اللدون). كما نصب عتاد عمله. من هو سيدي أحمد بيني شو؟ سؤال طرحته «المساء» على العشرات ممن اعترضوا سبيلها، رجالا ونساء داخل المركز الاستشفائي الشعبي للولي الصالح، وكانت أجوبتهم تصب في عالم الغيب، (ملي عقلنا وحنا كنجيوا نزوروه ونتنفعوا ببراكته... شي ولي من أولياء الله التسليم ليه...)، وبينما كان للمشرفة (الحفيظة) على الضريح والمقبرة أرشيف خاص بالولي الصالح حيث أكدت أن الولي سيدي أحمد بيني شو (ركراكي ) من نواحي الصويرة، مات بالمنطقة ودفن فيها، وأن الاسم الذي يحمل هو اسمه الحقيقي، ويقول أحد أحفاد الشيخ الذي شيد صومعة الضريح سنة1930 أن الولي الصالح من منطقة (الشياظمة)، لم تعثر «المساء» على أرشيف الولي الصالح رغم طرقها لكل الجهات المعنية محليا وإقليميا، لتظل هوية الولي مجهولة، وتفتح الباب على مصراعيه أمام التأويلات والاجتهادات التي أفرزت رواية انتشرت بشكل أوسع بين ساكنة المنطقة، والتي مفادها أن لقب (بيني شو) يعود إلى عهد الاستعمار الفرنسي، حيث كان ينصب أحد المواطنين بجوار قبر أو ضريح المدعو أحمد، خيمة لبيع (الإسفنج) وأنه كان ينادي باللغة الفرنسية الفرنسيين والمغاربة قائلا: (فوالا لي بيني شو) ويعني بها ( ها هو الإسفنج الساخن). ومنهم من أعطى احتمال أن يكون صاحب الضريح مجهول الهوية وأن اسم أحمد الذي يحمله، لقبه به السكان على اعتبار أن كل ذكر مجهول الاسم ينادى عليه بأحد أسماء الرسول عليه الصلاة والسلام (محمد، أحمد...). معجزات سيدي أحمد بيني شو كثيرة هي المعجزات التي رويت ل«المساء» من طرف ساكنة المنطقة، يحكي أحد الأشخاص أن الرجال والنساء الذين كانوا يأتون إلى الضريح وبهم مس من الجن، كان الحفيظ المشرف على الضريح، ينزل بهم إلى قاعة الخلوة ويربطهم بالسلاسل والأقفال، وأنه بمجرد ما يتعافى المريض ويسترجع جسده الذي كان محتلا من طرف الجني أو الجنية حتى تفتح الأقفال وحدها ويصعد الشخص سالما. كما تحكي روايات أخرى أن المياه كانت تخرج من الأرض وتطفو فوق بساط الضريح بجوار القبر (فاض عليه الماء مرتين)، كما يقولون إنه منذ حوالي عشرين سنة، فوجئ الناس بوجود حفرة كبيرة داخل الضريح بجوار القبر عمقها حوالي مترين، كما أن الحارس وجد مغميا عليه منذ الواقعة وظل مريضا إلى أن مات، وأن مجموعة من المتسولين كانوا ينامون بجوار الولي لم يظهر لهم أثر ليلة الحفر. روايات تقول إن أشخاصا جاؤوا إلى الضريح وتمكنوا من تنويم الحارس وطرد المتسولين وحفروا الأرض من أجل استخراج كنز. منطقة معزولة بتقاليدها وخرافاتها ما إن تسمع عن كراماته وفضائله في شفاء المرضى بمس الجن (لرياح، المسكونين، المملوكين...)، حتى تجد نفسك مصابا بهوس البحث عن مكانه والوقوف على قدراته الخلاقة في طرد الجن من أجساد البشر، وعودة الروح البشرية إلى ذاتها. رحلة «المساء» إلى ضريح الولي الصالح سيدي أحمد بيني شو، انطلقت بجولة خفيفة بمحيط الضريح وداخل أماكن خاصة لعلاج المرضى ( مغارتان على شكل بئرين وسلمين للنزول إلى قاعهما أطلق عليهما اسم الخلوة إحداهما النساء توجد في واجهة بناية الضريح، وأخرى للرجال توجد خلف الضريح، وفضاء للذبائح المهداة هدايا وقرابين، ونخلة صغيرة ذات مآرب كبيرة خاصة بالمصابين بالثقاف والعكس، وشجرة مسنة للكروم يضع البعض فوقها أثوابا لأشخاص أحباب أو أعداء حسب المراد المنتظر قضاؤه، وتحت ظلها يضع البعض دجاجا قربانا دون ذبحه ...) مرورا بغرف النوم التي أصبحت فندقا للزبائن المرضى وبعض ممارسي الدعارة، ووصولا إلى عيادات الشوافات والدجالين ومحلات بيع كل مستلزماتهم من الحناء إلى ... زغيبات الفار... رجال ونساء قصدوا ضريح الولي الصالح من أجل تخليصهم من الجن الذي احتل أجسادهم... منهم من اكتفى بالزيارة وطقوس (الحفيظة) بجزم الحاء، ربطوا بالسلاسل داخل إحدى الخلوتين حسب جنسهم، ذبحوا ديكا أو جديا أسود... ومنهم من تطلب شفاؤه الإقامة لبضعة أيام حسب ما أمره به أصحاب المكان(حسب رؤية في المنام، أو أمر من الحفيظة أو شوافة أو دجال)... وكثيرون طالت إقامتهم حتى تم نسيانهم من طرف أسرهم، قليلون ظلوا ملتصقين بالولي الصالح يأكلون من فضلات الزوار والقرابين والهدايا... وكثيرون انتشروا داخل المدينة... وانتهت بهم محطات العلاج إلى التشرد، قصدوا الولي الصالح للاستشفاء أو لأنه دعاهم إليه أثناء نومهم... فانتهى بهم المصير المظلم إلى التسكع نهارا داخل المدينة المعروفة بمطابخها التقليدية (من طواجن إلى المبخر والمشوي)، والارتماء ليلا تحت الأقواس والبنايات المهجورة والمغلقة.
المركب الاستشفائي بني إيشو لم تمر سوى ثوان حتى ظهرت المشرفة على الضريح والمقبرة، سيدة في عقدها السادس، استقبلتنا بابتسامة رقيقة، تخفي وراءها عدة أسئلة لم تستطع طرحها للاطمئنان على موضوع الزيارة. رفضت (الحفيظة) الكشف عن اسمها الكامل. بالكاد أفصحت المشرفة عن اسمها (مليكة)، وقالت في تصريح ل«المساء»: «أنا صاحبة المكان أشرف عليه منذ عشر سنوات، بعد وفاة زوجي الذي كان يحرس الضريح منذ أزيد من عشرين سنة. وتابعت قائلة: «إن الولي الصالح يأتيه الناس من كل حدب وصوب، المرضى بالجن والأوهام ولرياح... مسكونين... مملوكين، كنصرعوهم ويتشافاو بجاه الله والولي الصالح». وأوضحت الحفيظة أن طقوس الولي تختصر في الزيارة لقبره ودخول الخلوة النسائية أو الرجالية، حيث تعمد إلى تكبيل المريض بسلاسل حديدية مشدودة في قاع الخلوة، واستعمال أقفال لإحكام القيد، وهي العملية التي أكدت أن مدتها تختلف من مريض لآخر. ويأتي بعدها مكان الذبائح، حيث يذبح المرضى الديكة أو الجديان ويستحب أن يكون لون الذبيحة أسود. كما تعمد بعض النساء أو الرجال الذين(لاقيهم العكس في كل الخدمة أو الزواج أو الولادة...) إلى نخلة صغيرة يبدو من عمرها أنه لا يتجاوز السنتين، ويربطون أحد أوراقها مرة أو مرتين، ظانين أنهم أزالوا (العكس) ووضعوه في أوراق النخلة، وأن كل من فك رباط ورقة ما سيجلب على نفسه (عكسا) ما. مما يفسر أنها بدعة ابتكرت مؤخرا لتوسيع اختصاصات الولي الصالح. قالت إحدى النساء في محاولة لإقناعي بمعجزات الولي الصالح: «دخلت سيدة يوم الجمعة المنصرم تصرخ، وطافت حول التابوت... تكلمت بالعربية والفرنسية... بها هريوش ملك سماوي وملك شيطاني تتكلم بالمسيحية... دخلت إلى الخلوة وتبعتها حوالي عشرين امرأة ظنوا أنها ستقول لهم حقائق وأسرار... تبعوها بلا ما يشعروا التسليم لموالين المكان».