مما سُرِّب من التقرير يلفت النظرَ عددٌ من الوقائع، أبرزها: أولا، قيادة الجيش الإسرائيلي، تحت مسؤولية رئيس الأركان رفائيل إيتان، خططت لاحتلال بيروت منذ سنة 1979، وهي تعلم علم اليقين بأن احتلال عاصمة عربية هو تطور خطير من شأنه أن يقود إلى حرب إقليمية شاملة. وكان الهدف في حينه هو تصفية المقاومة الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين، وإخراج القوات السورية من لبنان. وقد أضاف شارون إلى هذه الحرب هدفا آخر هو إقامة حكم لبناني جديد يكون جزءا من العالم الحر حسب مفهوم ورغبة إسرائيل، ويبرم معاهدة سلام مع إسرائيل، ويمنع أي عمليات عسكرية ضدها من لبنان؛ ثانيا: ساد في هذه الحرب تقليدٌ معروف في إسرائيل، هو الخلافات الدائمة ما بين الجيش ووزير الجيش والحكومة. فهذه الظاهرة المصطنعة التي بدأت في سنة 1954 أخذت تعمل على منظومة ترك الفرصة لأحد الأطراف الثلاثة لتصليح الموقف دوليا وحتى على مستوى الشارع الإسرائيلي في حال فشلت المهمة المتفق عليها، ويبقى الخلاف موجودا شكليا كمخرج لإسرائيل في وقت الحاجة إليه، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. وانطوت حرب لبنان على خديعة كبيرة، حيث أبلغ وزير الجيش آنذاك، شارون، الحكومة بأن الحرب ستستغرق 48 ساعة فقط، وسيصل فيها إلى عمق 40 كيلومترا في الأراضي اللبنانية، مع العلم بأن جيشه لم يلتزم بوقت واحتل نصف لبنان وغالبية أحياء بيروت، واستمرت 18 سنة عمليا، وليس 48 ساعة؛ ثالثا: حرب لبنان الأولى أيضا، لم تكن مدروسة استراتيجيا، تماما مثل حرب لبنان الثانية؛ فقد وضعوا هدفا لها تصفية المقاومة وإخراج السوريين وتغيير الحكم في لبنان، و«لكن مثل هذه الأهداف الكبيرة تحتاج إلى دراسة كبيرة وعميقة لكل جوانب الموضوع وتبعاته، وهذا لم يتم». ولذلك، تعتبر اللجنة هذه الحرب فاشلة، وتشير إلى أن إسرائيل خسرت فيها 1216 شخصا (العرب خسروا 18 ألفا، بين سوريين وفلسطينيين ولبنانيين، بالإضافة إلى المتطوعين من الأقطار العربية بشكل شخصي أو جماعات مسلحة)، وأن هذه الحرب أنهكت الجيش الإسرائيلي وليس لبنان وسوريا والفلسطينيين فحسب، وأدت إلى تفسخ المجتمع الإسرائيلي وزعزعت مكانة الجيش وأوضحت بشكل صارخ إجرام الاحتلال الإسرائيلي وجيشه في الخارج؛ رابعا: في تقرير اللجنة وردت الجملة التالية، التي تدل على نمط من التفكير الإسرائيلي لافت للنظر: «عشية الانتخابات (الإسرائيلية) في يونيو 1981، وعلى خلفية تعميق التدخل الإسرائيلي في لبنان لدعم المسيحيين في مواجهة سوريا، تعزز الشعور بأن هناك تصعيدا مقبلا والحرب أصبحت حتمية وينقصها عنصر صغير، هو أنه لم يتم تحديد العدو، فقد استنتجت قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه لا مفر من عمل عسكري في لبنان، والسؤال الباقي هو: ضد من؟ فهناك من أشار إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهناك من أشار إلى السوريين، وهناك من أراد محاربة الطرفين معا، وخاضت إسرائيل الحرب مرة ثانية على الأراضي اللبنانية وفشلت مرة أخرى ولم تجن من ثمار خطة أعدت لها وزرعتها منذ زمن بعيد سوى علق ومرارة الهزيمة. خبير إعلامي