يحكي البشير، نجل المهدي بنبركة، أكبر معارضي نظام الحسن الثاني الذي تم اختطافه واغتياله سنة 1965، في اعترافاته ل«المساء»، عن تفاصيل حياة والده ونضاله ضد الاستعمار ومشاركته في اتفاقية «إيكس ليبان» قبل أن يعود ليقول إن هذه الاتفاقية كانت خطأ. كما يروي البشير تفاصيل أخرى حول المسؤوليات التي تقلدها والده بعد الاستقلال، وحول اختلافه مع تلميذه الحسن الثاني، وحول موقفه المساند للجزائر ضد المغرب في حرب الرمال، وكيف أصبحت عائلة المهدي تحمل جوازات سفر جزائرية وتقيم في مصر؛ كما يرد البشير بنبركة على اتهام والده باغتيال عباس المسعدي، ويتوقف طويلا عند واقعة الاختطاف بفرنسا، ويرد على تهمة «التخابر» مع المخابرات الإسرائيلية والتشيكوسلوفاكية الموجهة إلى والده، وكيف قررت أسرة المهدي بنبركة العودة إلى المغرب بعد وفاة الحسن الثاني، وكيف حز في نفس والدته ألا يستقبلها الوزير الأول حينها، عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان صديقا للعائلة وكان يقيم في بيتها كلما حل بمصر، وكيف «تُماطل» الدولة المغربية ممثلة في حكوماتها، وضمنها وزيران للعدل من حزب الاتحاد الاشتراكي، هما الراحل محمد بوزوبع وعبد الواحد الراضي، في الكشف عن حقيقة قضية المهدي بنبركة. - ألا ترى أن وزير العدل والحريات مصطفى الرميد كان واضحا في قضية بنبركة، مقارنة بسابقيه، حين قال إن هذه القضية لا تدخل ضمن أولوياته؟ وما هي، إذن، أولوياته إن لم تكن هي بناء صرح القضاء المغربي على أسس ثابتة، قوامها الشفافية والوضوح والحسم مع رواسب الماضي وإتاحة الفرصة لمعرفة الحقائق المعلقة، فقضية هؤلاء المختطفين هي قضية إنسانية واجتماعية تمس أيضا السياسة والاقتصاد المغربي.. كان من المفترض أن يكون ضحايا سنوات الرصاص هؤلاء والمختطفون مجهولو المصير هم بناة المغرب غداة الاستقلال، فقد كانوا مهندسين وتقنيين ومدرسين ومناضلين جمعويين ونقابيين وسياسيين. من المؤسف أن حكومة بنكيران تتعامل مع قضية المهدي وفق نفس السياسة السابقة، السياسة الأمنية المخزنية. - توضع بين أيدي وزراء العدل ملفات كبيرة وطارئة، تستدعي عناية ومجهودا كبيرين، لذلك فهم ربما يتعاملون بمنطق «الحي أولى من الميت».. المنطق السياسي يقضي بأن الأولوية هي للكشف عن الحقيقة في كل القضايا، فلا يمكن بناء المستقبل على ماض يلفه الغموض، لأن ذلك سيكون بمثابة نفي للذاكرة الجماعية للشعب المغربي. لا أظن أن حل هذه القضايا عصي على القضاء، هل من الصعب على قاضي التحقيق أن يذهب برفقة خبراء للقيام بحفريات في مقر المعتقل السري «P.F.3»، أم إن المعتقل يشكل حساسية كبيرة للنظام المغربي؟ هل من المستحيل القيام بتحليلات للحمض النووي على الرفات لكي تتمكن العائلات من دفن موتاها في مكان محدد، تزوره بين حين وآخر للترحم عليهم. لنستحضر، على سبيل المثال، قضية محمد بنونة، أحد مناضلي حركة الكفاح المسلح في مارس 1973، والذي قتل في اشتباكات مع الجيش النظامي في الأطلس، فقبل أربع سنوات تم الكشف عن مقبرة في نفس المنطقة التي شهدت هذه الاشتباكات وقيل إن محمد بنونة مدفون بها؛ وعندما علمت العائلة بالأمر توجهت إلى عين المكان بعد أن قامت بالإجراءات اللازمة للحصول على عينات من الرفات بغرض تحليلها؛ وقد كان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حينها طرفا مشرفا على هذه القضية؛ وإلى يومنا هذا لم تتوصل عائلة بنونة بنتائج تحليل الحمض النووي، والأمر نفسه حاصل بالنسبة إلى عائلة عبد الحق الرويسي. فهل يتطلب ظهور نتائج التحليل كل هذا الوقت أم هناك قرار سياسي مسبق يصر على عدم كشف الحقيقة للشعب المغربي!؟ - للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الآن، صلاحيات أوسع؛ وأمينه العام محمد الصبار تربطه بالمهدي بنبركة وبملفه علاقة وجدانية كمناضل حقوقي.. مباشرة بعد تشكيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اتصلت بمحمد الصبار لطلب لقاء يجمعني ومحامي العائلة به وبرئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ادريس اليزمي، وإلى حدود الساعة لم يتم هذا اللقاء، والسبب، بحسبه، هو تعذر إيجاد ميعاد ملائم لهذا اللقاء. - تناسلت مجموعة من الروايات حول اغتيال المهدي بنبركة، إذ في كل مرة يأتي شخص برواية حول تفاصيل اغتيال المهدي؛ كيف تعاطيتم مع هذه الروايات، وما هي أقرب الروايات إلى الحقيقة؟ نحن كعائلة، لا نعتبر أيا من تلك الروايات قريبا إلى الحقيقة، فنحن لا نرغب في بناء رأي مسبق حول روايات لا تكون مرفقة بدلائل ولم يتم تأكيدها عن طريق البحث ولا عن طريق القضاء ولا حتى عن طريق مصداقية الشهادة. إلى حدود الآن، نحن نرفض تشكيل صورة من الممكن أن تضللنا خلال عملية البحث التي لا تزال مستمرة. - هل اعتبرتم بعض هذه الروايات والشهادات موجهة لخدمة أغراض وجهات معينة؟ هناك بعض الشهادات أعطيت عن حسن نية. - مثل ماذا؟ مثل شهادة الإخوان بوريكات التي تقول إن رأس المهدي مدفون في مقر «P.F.3»؛ فهذه الشهادة، بالنسبة إلينا، لا تحمل نوايا خفية. في المقابل، جاءت -مثلا- شهادة كريستيان دافيد الذي كان متهما من قبل فرنسا باغتيال ضابط شرطة فرنسي. وقد التجأ دافيد هذا إلى البرازيل حيث تم القبض عليه بتهمة الاتجار في المخدرات؛ وقبل أن ترسله السلطات البرازيلية إلى الولاياتالمتحدة لتتم محاكمته، صرح برغبته في الذهاب إلى فرنسا للإدلاء بشهادته في قضية المهدي بنبركة لأنه، حسب قوله، كلف من طرف رجال العصابات بتذويب جثة بنبركة في الجير، لكن السلطات القضائية الفرنسية لم تهتم للقيام بالإجراءات اللازمة من أجل إحضاره إلى فرنسا، فتم ترحيله إلى الولاياتالمتحدة وقضى بها عدة سنوات في السجن قبل أن يتم إحضاره إلى فرنسا ليدلي بشهادته أمام قاضي التحقيق كما كنا نطالب بذلك نحن كعائلة للمهدي، مع العلم بأن فرنسا هي التي كان عليها المطالبة بإحضاره حتى قبل أن يدلي بتصريحه في قضية بنبركة، فقد كان كريستيان دافيد متهما باغتيال ضابط فرنسي. لكن وبعد أن تم الاستماع إلى شهادته، تبين أن ما قاله كان فقط حيلة اختلقها ليتملص من قضاء عقوبته السجنية في الولاياتالمتحدة.