عندما عاد علال من القاهرة في عام 1956 بعد الاستقلال وجد الحزب قد أصبح في يد تيار المهدي بن بركة، ويروي عبد اللطيف جبرو في كتابه عن المهدي بن بركة أن علال قال إثر ذلك «لما عدت من المغرب اكتشفت أن المهدي بن بركة هو كل الحزب، ولا أتخيل حزب الاستقلال بدون المهدي بن بركة». سيحاول علال أن يستعيد الحزب ممن سيسميهم فيما بعد ب«المشوشين»، لكنه سيكتشف أنه فقد زمام المبادرة، حسبما يذكر ادريس الكتاني الذي قابله قبل ثلاث سنوات من وفاته وأسر له بذلك التصريح. حاول بن بركة أن يسيطر على الحزب، وكانت الخطة هي أن يعقد مؤتمرا بمقر الغرفة التجارية بالرباط ويعلن الانفصال عن اللجنة التنفيذية للحزب، على أن يأخذ المنشقون فيما بعد اسم «حزب الاستقلال» نفسه لتأكيد مشروعيتهم كنوع من التصحيح في وجه من كان بن بركة يصفهم بالرجعيين. كان اعتقاد بن بركة، حسب العديد من الشهادات، أن علال الفاسي، الذي كان في تلك اللحظة موجودا في تطوان، سيلتحق بالمنشقين، ولذلك أعلن بن بركة، حسبما يروي جبرو في كتابه المشار إليه: «أنتم تتحدثون عن انشقاق في الحزب، وأنا من جهتي لا أرى أن ثمة انشقاقا إلى حد الآن، ولكن الموقف سيختلف إذا ما اتخذ سي علال موقفا مختلفا معنا، لأن موقف سي علال وحده نضعه في الاعتبار، أما الآخرون فأنا أعتبرهم هامشيين». لكن علال الفاسي سافر على عجل إلى الرباط، وأسس لجنة اليقظة المركزية وبدأت الحرب الطاحنة بين الجناحين للاستيلاء على جريدة «العلم» والفروع الحزبية والمفتشين في الأقاليم، ونجحت خطة علال في إبقاء اسم الحزب تحت يده، ونشر بلاغا يعلن فيه عن طرد عبد الله إبراهيم، رئيس الحكومة، بعد اتهامه بعدم الحياد، وبعد شهور أعلن المنشقون عن اسم جديد هو»الاتحاد الوطني للقوات الشعبية»، وألقى علال خطابا مطولا أمام أتباع الحزب إثر ذلك رد فيه على انتقادات المنشقين له بالرجعية، قال فيه: «إذا كانت الرجعية هي التمسك بالدين والمحافظة على أخلاق القرآن وعدم قبول الانغمار في حمأة الفسوق والخمور والمخدرات والرشوة وسمسرة الذمم فليشهد الثقلان أنني ومن معي رجعيون». يقول البعض إن الزعيم الاستقلالي قبل الانفصال لم تكن له أي سيطرة على الوضع، كان تحت رحمة القصر من جهة ورحمة الجناح اليساري في الحزب من جهة ثانية، وبقي هو يبحث عن موقع، بينما كان الجميع يريده أن يظل زعيما فقط لا قائدا سياسيا. من جهة جر القصر عددا من رموز الحزب إليه لإضعاف علال الفاسي واللعب على تناقضات الحزب لتقسيمه، لأن حزب استقلال قويا وموحدا لم يكن في صالح الملكية، وهكذا كان عدد من أقطاب الحزب من المقربين إلى القصر، أمثال محمد الغزاوي وأحمد باحنيني وعمر بن عبد الجليل ومحمد اليزيدي ومسعود الشيكر وادريس المحمدي، اثنان منهم أسندت إليهما مهام أمنية ترتبط مباشرة بالملك، هما المحمدي وزيرا للداخلية والغزاوي الذي كان مديرا للأمن الوطني، وكان بعض هؤلاء بمثابة عين للقصر داخل الحزب، حتى إن هذا الأخير هاجم بعضهم، مثل المحمدي الذي انتقدته جريدة «العلم» انتقادا شديدا واتهمته بالتفرج على المذابح التي تحدث للاستقلاليين والمؤامرة التي تدبر ضد الحزب. ومن جهة ثانية، كان الجناح اليساري ينتقد علالا بطريقة خفية، من خلال الهجوم على الرجعية والبورجوازية وقوى المحافظة والتقليد، وبقي علال مثل جزيرة معزولة، لكنه لم يستعد سيطرته على الحزب إلا بعد الانفصال، رغم أن أحمد بلافريج هو الذي كان يقود سفينته. بعد وفاة محمد الخامس حاول الحسن الثاني التعاون معه، لكن مع نوع من التحكم عن بعد. نادى عليه لكي يسند إليه مهمة وزير للأوقاف، غير أنه رسم له خريطة الطريق سلفا عن طريق ضبط ميزانية الوزارة وجعلها تابعة مباشرة للقصر، الأمر الذي حد من طموحات علال في إدخال إصلاحات عميقة. لم تغير وفاة محمد الخامس من مكانة الزعيم شيئا، ظل دائما ذلك الشخص الذي لا يجب جعل طريقه آمنة تماما حتى لا يتقدم بعيدا، كان مسموحا له بالتحرك، لكن في إطار مساحة يرسمها القصر.