«هذا هو الإرهاب بعينه»، عبارة وردت على لسان أحد أبناء منطقة خنيفرة، في شريط بث على الأنترنيت في 27 دقيقة يفضح نهب شجر الأرز بغابات الأطلس. في الشريط، استعرض حقوقيون من أبناء المنطقة، رفقة فلاحين، ما تتعرض له أشجار الأرز من نهب من قبل ما يسمونه ب«مافيات» غابات الأطلس. «الناس لا يعرفون قيمة الغابة. هذه كارثة»، يقول المتحدث ذاته، مضيفا أن «الشعبة الأولى المدرجة في الشريط تتضمن آثار حوالي 12 شجرة أرز مقطوعة، قبل أن ينتهي الشريط بإحصاء حوالي 54 شجرة مقطوعة. وكلها أشجار خضراء حصدتها أياد تعمل في الخفاء، مع أخرى تمدها بالمساعدة تارة، وتارة أخرى تحميها، يقول هؤلاء الحقوقيون الذين سبق لهم أن أعدوا أكثر من تقرير حول نهب هذه الثروة التي تشكل خصوصية المغرب، لكن دون جدوى، «إذا استثنينا إجراءات شكلية قامت بها المندوبية السامية للمياه والغابات على إثر تحريات مشتركة مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كشفت عن وجود متورطين ضمن هذه المندوبية في استنزاف شجر الأرز». مافيات مسلحة أيت اعزيز أسعيد أوحدو، فلاح بقرية أيت حنيني وناشط (حقوقي أحد أعضاء الجمعية)، تعرض بيته بتاريخ 23 مارس من السنة الماضية لمحاولة إضرام النار به، ولم يتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى هذه «المافيات» التي يحاول فضحها. كما تم الهجوم ليلا على منزلي مولود بنمولود ومصطفى العلاوي بالأحجار من لدن أشخاص تم التعرف على بعضهم، وذلك مباشرة بعد إصدار بيان للجمعية في 11 يناير الماضي. «إنها مافيات مسلحة، وفي بعض الحالات بدون ضمير، ويمكنها أن تحصد البشر من أجل الحفاظ على مصدر مهم لثرواتها»، يقول أحد حقوقيي المنطقة. وقفات احتجاجية عديدة حول القضية نظمت في سنة 2007 أمام مبنى المصلحة الإقليمية للمياه والغابات بخنيفرة وأمام مبنى المندوبية الجهوية للمياه والغابات بمكناس، لكن الوضع بقي على ما هو عليه، يقول أحد فلاحي المنطقة. ويحكي تقرير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، صدر في 17 يناير الماضي، عن سقوط أزيد من 31 شجرة أرز خلال شهري أبريل وماي من سنة 2007 بالمركز الغابوي أيت إيدكل. وأشعرت مصالح المياه والغابات محليا وجهويا بلائحة أشجار الأرز المنهوبة بالأماكن والتواريخ. كما يورد التقرير أن أزيد من 50 شجرة سقطت في نهاية السنة الماضية، من طرف مافيا قدمها التقرير على أنها تتكون من 9 فرق وتضم أزيد من 60 عنصرا. ويتهم التقرير مباشرة تقني غابة هذا المركز ورئيس سرية مقاطعة مولاي يعقوب بالتعامل مع هذه الفرق، مقابل مبالغ مالية يتوصلان بها. ويضيف التقرير أن الجمعية تتوفر على شهادات، مكتوبة ومبصومة بالإبهام، لسكان محليين، تتحدث عن هذا الملف. «لقد حاولنا عدة مرات الاتصال بمهندس المياه والغابات بهذا المركز ورئيس سرية مقاطعة مولاي يعقوب للتبليغ عن عمليات نهب تقع في واضحة النهار من أجل التدخل الفوري؛ لكن، في كل مرة، يختلق المسؤولون الأعذار لعدم التحرك. وفي بعض الحالات يقال لنا إن سيارة المصلحة مصابة بعطب ولا يمكنها التنقل إلى عين المكان». أما اللجن التي ترسل إلى عين المكان من قبل المندوبية السامية للمياه والغابات، فهي متهمة بالتستر على «فضائح النهب». ويحكي تقرير الجمعية أن آخر لجنة حلت بالمركز تعود إلى 17 يناير الماضي، «حيث رفضت هذه اللجنة طلب أحد المنخرطين بمرافقته إلى مستودع مملوء بالخشب المسروق» تعود ملكيته إلى أحد أعضاء الفرق المذكورة. «بل أكثر من ذلك تعرض (هذا الحقوقي) للسب والشتم من طرف تقني مركز إيدكل». وعادة ما تقتسم مافيات شجر الأرز بالمنطقة هذه الغابة. فلكل منها فضاؤها الذي لا ينبغي أن تتجاوزه، ولا يسمح لها بإسقاط الأشجار في مناطق مجاورة. وتباع هذه الأخشاب، بعد انتهاء عملية القطع، في كل من أغبالو ن إسردان ولقباب وأغبالة والمسيد، وهي بلدات تابعة للإقليم ذاته، وذلك إلى جانب إقليمبني ملال. ثروة الأطلس تغطي أشجار الأرز، في الأطلس، مساحة 133 ألف هكتار. وتمثل ثروة تعطي قيمة استثنائية للمغرب. وتقول المندوبية السامية للمياه والغابات إنها تنوي خلق محمية للمحيط الحيوي للأرز على مساحة 500 ألف هكتار، وذلك إلى جانب منتزهين وطنيين يوجد الأول في إفران والثاني يعرف بمنتزه الأطلس الكبير الشرقي. وتضيف المندوبية ذاتها أن غابة الأرز تعتبر أهم مجال لإنتاج خشب النشارة وخشب الصناعة بنسبة 80 في المائة من الإنتاج الوطني. وتضيف أن هذه السلسلة الإنتاجية توفر ما يوازي 6,5 ملايين يوم عمل، تدر مداخيل تقارب 353,4 مليون درهم. وتورد وثائق هذه المندوبية أن المراعي المرتبطة بغابات الأرز تنتج حوالي 111,3 مليون وحدة علفية، وتساهم ب47 في المائة من الحصيلة العلفية لفائدة 800 ألف رأس من القطيع الحيواني، أي ما يمثل نسبة 80 في المائة من القطيع الإجمالي الذي يرعى بالغابات. وتعتبر أشجار الأرز ضمانة لتعبئة المياه والحفاظ على الفرشة المائية. اختلالات توجد غابات الأرز بالمجال الترابي ل51 جماعة قروية بالمغرب، أي أنها تغطي ما نسبته 10 في المائة من الجماعات الغابوية على الصعيد الوطني. وطبقا لأرقام المندوبية السامية للمياه والغابات، فإن أشجار الأرز توفر مداخيل للجماعات المعنية تقدر ب100 مليون درهم سنويا، مما يمثل 30 في المائة من مجموع المداخيل الغابوية السنوية. وتتحدث هذه المندوبية عن الرعي الجائر ضمن الإكراهات التي ساهمت في تراجع الأنظمة الغابوية للأرز في المغرب، بحيث تورد أن حوالي 2,6 مليون رأس ترعى على مدار السنة بهذه الغابة، مما يجعل الضغط الرعوي يتجاوز 3 مرات الإمكانات الرعوية لهاته الغابة. وتضيف المندوبية ذاتها أن الرعاة كانوا في السابق كانوا رحلا، عكس وضعيتهم الحالية المتسمة بالاستقرار. وتتحدث وثائق المندوبية عما تسميه بالتشذيب العشوائي لأشجار الأرز من قبل هؤلاء الرعاة. وإلى جانب هذا الإكراه، تطرقت المندوبية السامية للمياه والغابات إلى إكراه آخر يتعلق ب»حطب التدفئة»، معتبرة أن غابات الأطلس تتعرض لاستغلال جائر في ما يتعلق بحطب التدفئة. وقالت إن هذه الاستغلالات تتجاوز ثلاث مرات القدرة الإنتاجية للغابة. أما الحشرات التي تكثر في سنوات الجفاف، فقد ألحقت، طبقا للمصدر نفسه، أضرارا بغابة الأرز خلال سنتي 1998 و1999. وفي سنة 2000 ظل الذبول ينتشر على نطاق واسع، وهم آلاف الهكتارات بغابة أزرو. وتفادت المندوبية السامية للمياه والغابات التحدث عن «مافيات غابات الأرز»، لكنها تطرقت، في المقابل، لما سمته ب«المخالفات الغابوية» «عبر استخراج خشب المصلحة وخشب النشارة». وذهبت إلى أن الدافع التجاري يمثل السبب الرئيسي لهذه المخالفات التي تمارسها «عصابات منظمة»، «مما يهدد ويرهن مستقبل غابات الأرز». غابة أخرى تعاني في كتامة نفس النداءات التي يطلقها حقوقيو خنيفرة، للمطالبة بالتدخل حفاظا على هذه الأشجار النادرة على المستوى العالمي، يطلقها جمعويون في منطقة كتامة بغرض التدخل لحماية شجر الأرز في جبل تدغين. وسبق لجمعية كتامة للتنمية والبيئة والثقافة، التي يترأسها عياد الحضراتي، أن وجهت عدة رسائل إلى الإدارة المركزية للمياه والغابات تنبهها إلى وجود مافيات تنهب هذه الغابة، دون حسيب أو رقيب. كما سبق لها أن نظمت لقاء حول الموضوع بالرباط، لكن الوضع بقي على ما هو عليه. ويتخوف جمعويو المنطقة من أن تتعرض هذه الغابة لاستنزاف حاد، وأن يؤدي نهبها من قبل تلك اللوبيات إلى انقراضها. عزيز عقاوي: المسؤولون يرفضون سماع الإنذار حاولت المندوبية السامية للمياه والغابات أن تخفف من حدة الانتقادات الموجهة إليها من قبل فعاليات المجتمع المدني بخنيفرة، وذلك عبر عقد مناظرة بمقرها يومي 16 و17 أكتوبر الماضي، تحت عنوان: «المنظومة البيئية لغابة الأرز: رهان استراتيجي من أجل التنمية الجهوية». لكن هذه المناظرة لم تستدع إليها الجمعيات المهتمة بالموضوع والتي سبق لها أن أعدت تقارير حول الأخطار التي تواجهها هذه الغابة. ولوح عزيز عقاوي، من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بأن مبرر إبعاد هذه الجمعية هو تمسك مسؤولي المندوبية بعدم سماع صوت المنبه الذي ينذر بالأخطار التي تتهدد هذه الأشجار. وقال إنه تم تبذير المال العام في هذه المناظرة، دون الخروج بأي نتائج من شأنها أن تحمي الغابة بالأطلس.