لم يعد المواطن الأوربي يحتاج إلى الوقوف في الصفوف الطويلة أمام المتحف القومي الهولندي من أجل تأمل أعمال «فيرمير» و»رومبران»؛ كما لم تعد هنالك حاجة إلى الإنتقال للعيش في لندن من أجل الاطلاع على أرشيفات المكتبة الإنجليزية، أو في النمسا من أجل حضور معزوفة حقيقية للموسيقار موزار... وذلك لأن جميع الأعمال الكبرى التي يضمها الإرث الأوربي ستصبح متاحة، مجانا، على موقع المكتبة الرقمية الأوربية، أوربيانا. يضم هذا الموقع «Europeana.eu»، الذي انطلق يوم الخميس 20 نونبر، أكثر من مليوني موضوع ثقافي مرقم في المتاحف والمكتبات المنتشرة عبر كل أنحاء أوربا. ونقرة واحدة على لوحة مفاتيح الحاسوب تتيح للمبحر على الأنترنت الاطلاع على أكبر الأعمال الأدبية والفنية وصور الأرشيف والأعمال الموسيقية والأفلام الأسطورية أو المقتطفات الصحافية. «الهدف من هذا المشروع، تقول «فيفيان ردينغ»، المفوضة الأوربية المكلفة بشركة الإعلام والصحافة، هو التوصل إلى توفير 10 ملايين عمل أو أكثر في أفق 2010»، إلا أن ترقيم مجموع الأعمال الأوربية يبقى عملا كبيرا بكل المقاييس. إلى حدود الآن تم ترقيم 1 في المائة، فقط، من محتويات المكتبات الأوربية على أن يتم ترقيم 4 في المائة في أفق 2012. ويبدو أن حاجة الأوربيين إلى مثل هذه الأعمال أكبر مما هو متاح لهم؛ وذلك اعتبارا لأن المكتبات الأوربية لاتضم سوى 2،5 مليار من الكتب! وتبقى فرنسا هي المساهم الرئيس في مشروع أوربيانا (52 في المائة من مجموع المساهمات) بفضل الأرشيفات التي تحتوي عليها مكتبة فرنسا الوطنية وأرشيف المعهد الوطني للسمعي البصري. مشروع من هذا الحجم يتجاوز أحيانا قدرات الشركات العاملة في مجال المعلوميات. ففي العام 2006 أقدمت مايكروسوفت على تصوير 750 ألف كتاب لأجل إنجاز مشروع مكتبة رقمية مماثلة للمشروع الأوربي. إلا أن العملاق الأمريكي اضطر إلى التخلي عن المشروع بعد 18 شهرا من انطلاقه. بيد أن مشروعا كهذا لم يخف عملاق البحث على الإطلاق «غوغل» عندما نجح محرك البحث هذا، سنة 2004، في تدشين مشروع «غوغل بوك سورتش»، الذي هو عبارة عن مكتبة رقمية تحتوي على 7 ملايين كتاب رقمي هي حصيلة ما تم ترقيمه من كتب وأعمال ثقافية وفنية مختلفة توجد في مختلف المكتبات التي كانت شريكة في المشروع، سبع منها أوربية. وجاء مشروع «أوربيانا» كرد فعل أوربي على مشروع «غوغل»، باقتراح كان قدمه جاك شيراك في الموضوع سنة 2005 نتيجة لخوفه من «أمركة الثقافة». أما في ما يتعلق بالتمويل، فقد أسهمت بروكسيل ب 120 مليون أورو، متفرقة على السنتين القادمتين، 70 مليونا سيُحصل عليها من البرنامج الإطار للاتحاد الأوربي وال 50 الباقية سيقدمها برنامج «تنافسية وتجديد». كما سيتم استثمار حوالي 40 مليون أورو لتنمية وسائل التعدد اللغوي التي من شأنها أن توفر نظاما للترجمة يشمل 23 لغة. غير أن الميزانية العامة للمشروع تبقى غير كافية مقارنة مع الطموح الأوربي. في هذا السياق تقول «فيفيان ردينغ»: «يجب رصد 225 مليون أورو لترقيم 5 ملايين كتاب و 2،5 مليون أورو ككلفة اشتغال في السنة». ويبقى الإقبال على استعمال الإنترنت كبيرا بالنظر إلى ما يوفره من خدمات، وبالنظر كذلك إلى سهولة الاطلاع على المحتويات المتوفرة. ومن بين المجالات الأكثر نشاطا في الشبكة هنالك ما صار يعرف بالتجارة الإلكترونية، التي تشهد زمنها الذهبي الآن برغم التراجع الطفيف، المرتبط أساسا بالأزمة المالية العالمية. ففي عام 2007 ارتفع رقم معاملات تجار الشبكة العنكبوتية بنسبة 34 في المائة. إلا أن الرقم آخذ في التراجع حسب فيدرالية التجارة الإلكترونية للبيع عن بعد (فيفاد)؛ إذ يتوقع ألاتتجاوز نسبة الارتفاع 27 في المائة سنة 2008 لتسجل مبلغ 20،4 مليار أورو من المعاملات. «إنه تراجع عادي بالنظر إلى ارتفاع حجم المعاملات»، يقول مارك لوليفيي، المندوب العام للفيدرالية. فنظرا لارتفاع عدد الباعة والمشترين على الشبكة، ظهر حوالي 8000 موقع إلكتروني جديد مع مطلع السنة الحالية واستطاع حوالي 3 ملايين زبون جديد أن «يملؤوا عربات التسوق الإلكترونية»، وهو ما رفع عدد المشترين على الشبكة إلى 22 مليونا، متفرقين على جميع الفئات العمرية البالغة والاجتماعية. أما آثار الأزمة المالية العالمية فقد انعكست بالخصوص على الزبناء ذوي الدخل المتوسط. ويؤكد مارك لوليفيي أنه «لأول مرة لاحظنا أن مبلغ السلة المتوسطة استقر في 93 أورو»؛ وتبقى القطاعات الأساسية في التجارة الإلكترونية هي الأكثر تأثرا بتراجع المعاملات، والمقصود بها منتوجات التكنولوجيا العالية وتجارة الألبسة والأسفار. إلا أن تجار الأنترنت باتوا، في الفترة الأخيرة، أكثر تفاؤلا من ذي قبل اعتبارا لقرب حلول موعد أعياد السنة الجديدة. وذلك لأن المشتريات الخاصة بهذه المناسبة تمثل مابين 25 و30 في المائة من رقم المعاملات. كما أن دراسات أجريت مؤخرا بينت أن 68 في المائة من مستعملي الأنترنت ينوون اقتناء هداياهم عن طريق الشبكة، 44 في المائة من هؤلاء سيصرفون 100 أورو على مشترياتهم. ومن الانعكاسات الأخرى للأزمة على التجارة الإلكترونية تغير المحفزات لدى الزبناء. فبعد أن كانت النفعية والبراغماتية هما اللتان تحددان رغبة الزبون، أصبح الآن سعر المنتوج هو الذي يحكم ميولاته. ويصرح 54 في المائة من مستعملي الأنترنت بأنهم يفضلون التجارة الإلكترونية لأسباب اقتصادية، وهو ما يفسر نجاح تقنية مقارنة الأسعار التي يلجأ إليها 72 في المائة من زبناء تجارة الشبكة العنكبوتية. عن صحيفة «لوبوان»