لما اقترح الملك الراحل الحسن الثاني نظام الجهوية وضع خطوطا حمراء قال إن المغرب لن يفرط فيها، تتمثل في «الراية والتنبر». لكن ما كان بالأمس ضمن نطاق الخطوط الحمر أمكن اليوم تجاوزه بعد صياغة مشروع قانون يقضي بتحويل بريد المغرب إلى شركة مساهمة، مع إمكانية فتح رأسمال هذه الشركة التي ستحمل، بعد المصادقة على المشروع من قبل ممثلي الأمة، اسم «بريد المغرب ش.م»، وستفتح أمام الخواص بعد أن يتم اكتتاب الرأسمال الأولي للشركة بأكمله من طرف الدولة ويحدد مبلغه بنص تنظيمي، حيث تتكون الذمة المالية الأولية لهذه الشركة من جميع الأصول والخصوم التي يملكها بريد المغرب كما يتبين ذلك من آخر موازنة. الدوافع المعلن عنها للإقدام على هذه الخطوة تتمل، حسب ديباجة نص المشروع الذي حصلت «المساء» على نسخة منه، في الإمكانية التي سيتيحها تحول هذه المؤسسة العمومية إلى شركة مساهمة من فرص تحديثها وتدبيرها والرفع من قدراتها لمواجهة التغييرات التي يشهدها محيطها الذي أصبح أكثر تنافسية بين مختلف الفاعلين، الأمر الذي بات يفرض حسب ديباجة المشروع تطوير استقلاليتها في اختيارات النمو الداخلي والخارجي وتنويع أنشطتها وشراكاتها. الإطار الجديد الذي سيصير عليه بريد المغرب سوف يسمح له حسب واضعيه بتخطي مبدأ التخصص الذي يفرضه القانون الأساسي للمؤسسة العامة وتوسيع نطاق الغرض الذي يقوم عليه بريد المغرب بصفته شركة مساهمة ليشمل أنشطة أخرى لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالغرض ذاته. ويبدو أن كل هذه التبريرات التي قدمها واضعو المشروع لم تقنع الفرقاء الاجتماعيين داخل القطاع للقبول بها بسهولة، حيث دعت أغلب المركزيات النقابية داخل القطاع إلى إضراب وطني يوم 5 دجنبر القادم احتجاجا على هذه العملية. وأوضح محمد بوضاض، الكاتب العام لنقابة البريد المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن موقفهم من تحويل مؤسسات عمومية إلى القطاع الخاص ينضوي على خلفيات إيديولوجية، مشيرا في تصريح ل«المساء» إلى أن ذلك لا يمنعهم من أن يحملوا كامل المسؤولية للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لكي تتحرك وتوقف نزيف الخوصصة. وحسب بوضاض، فإن تطوير المؤسسات العمومية لا يجب بالضرورة أن يتم عن طريق خوصصتها وفتح رأسمالها، ناصحا أصحاب المبادرة بأخذ الدرس من التجربة الدنماركية التي تم فيها التراجع عن خوصصة قطاع البريد بعد أن تبين عدم جدواها، طالما أن هذا القطاع يلعب دورا اقتصاديا واجتماعيا مهما ويقوم بتقديم مختلف الخدمات إلى المواطنين والمقاولات ومرافق الدولة. وينتصب الهاجس الاجتماعي أمام موجة رفض هذا المشروع من قبل المركزيات النقابية، حيث تنص المادة السابعة من المشروع على أن يحتفظ المستخدمون العاملون ببريد المغرب، البالغ عددهم حاليا 8600 مستخدم، في تاريخ تحويله بوضعيتهم داخل شركة المساهمة التي ستعتمد نظاما أساسيا خاصا بمستخدميها وفق قانون الشغل، الأمر الذي اعتبره المسؤول النقابي ضربا للمكتسبات التي حصل عليها البريديون من خلال القانون الأساسي الخاص المعمول به حاليا، والذي يتضمن بندا يحمي موظفي القطاع من الطرد من العمل، حيث ينص على منع تسريح المستخدمين، وهو ما لا يوفره لهم قانون الشغل الحالي. ومن أجل امتصاص غضب شغيلة البريد، تقرر في بحر الأسبوع القادم عقد اجتماع مع مسؤولي المكاتب النقابية والمدير العام لبريد المغرب وممثل عن الحكومة، سيتم التطرق فيه إلى هذه المسألة إلى جانب نقطة متعلقة باستثناء موظفي القطاع العام من الزيادات التي أقرها الحوار الاجتماعي.