أضحت أغلب الأحداث المغربية تتفاعل عن طريق فاعلين اجتماعيين جدد اسمهم فايسبوك وتويتر ويوتوب. ساحات افتراضية على شبكة الأنترنت انطلقت منها مظاهرات 20 فبراير. داخل هذه الساحات يناقش المغاربة ما لا يقدرون على البوح به علنا في العالم الواقعي. عبره يتعارفون وينشطون وينظرون. كيف يتحرك، إذن، مغاربة الأنترنت؟ من هم؟ ما الذين يشغلهم؟ في هذا التقرير الخاص نجيب عن هذه الأسئلة وغيرها ونكشف لكم، بالتدقيق والأرقام، صلة المغاربة مع شبكات التواصل الاجتماعي. قبل شهور قليلة، صدرت عن مركز الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والتدبيرية «سيسيم»، والذي يديره الكاتب الصحافي إدريس اكسيكس، دراسة مفصلة تكشف علاقة المغاربة بشبكات التواصل الاجتماعي. انطلقت هذه الدراسة من عيّنة بحثية مكونة من 456 من المغاربة، وعبر هذه العينة تسللت الدراسات إلى مكامن الصلات بين المغاربة وأنشط ساحات العالم الافتراضي. بشكل عام، تبرز الدراسة أن 3 ملايين و203 آلاف و440 مغربيا يستعملون شبكات التواصل الاجتماعي. 25 في المائة من هؤلاء تزيد أعمارهم عن 13 سنة، وأغلبهم يستعملون الموقع الاجتماعي فايسبوك. زاد عدد مرتادي فايسبوك في المغرب بشكل قياسي ما بين 2010 و2011، إلى درجة أن المغرب كان رابعَ دولة في العالم من حيث التقدم في استعمال فايسبوك من خلال انخراط 590 ألفا و360 مغربيا في هذا الموقع في ظرف سنة فقط. هكذا، أضحى المغاربة يُشكّلون نسبة 12 في المائة من أصل مجموع مستعملي فايسبوك في كل بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط والخليج العربي، في حين ما يزال المغاربة متأخرين في استعمال الموقع الاجتماعي تويتر مقارنة بدول عربية أخرى. يعزو هذا التقرير الارتفاع الكبير والمباغت في عدد المغاربة الذين يرتادون المواقع الاجتماعية إلى تطور أعداد المنخرطين في شبكة الأنترت في المغرب، حيث انتقل العدد من 80 ألفا و277 منخرطا في يونيو 2004 إلى مليونيين و345 ألفا و725 منخرطا في الشهر نفسه من سنة 2011. رغم ذلك، فالولوج إلى الأنترنت في المغرب ليس متاحا للجميع، ووفق ظروف حسنة، وهذا ما ينعكس على طرق استعمال المغاربة للأنترنت. فانطلاقا من عيّنة تضم 900 شخص استجوبتهم الدراسة، كشف 29.2 في المائة من المُستجوَبين أنهم يستعملون الأنترت، بشكل عام، انطلاقا من جهاز حاسوب مشترَك، إما خاص بالعائلة أو العمل أو ناد للأنترت. 17.4 في المائة فقط من يملكون حاسوبا شخصيا يتمكنون عبره من الولوج إلى خدمات الأنترنت. كما تغيّرَ واقع استعمال المغاربة وسائلَ التواصل الاجتماعي عبر الأنترنت، خاصة فايسبوك، بعد الربيع العربي. تكشف الدراسة هذه الحقيقة من خلال مقارنة خلاصاتها بنتائج دراسة سابقة كانت قد أكدت أن الدافع الكبير وراء استعمال مغاربة موقع فايسبوك كان هو التسلية. اليوم، وبعد الربيع العربي، لم يعد هَمّ المغاربة الفايسبوكيين هو التسلية فقط، كيف ذلك؟ إليكم الإجابة. المغاربة وفايسبوك تزيح هذه الدراسة الفريدة حجب الافتراضية عن مستعملي فايسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، من خلال عرض الخصائص الشخصية والسوسيولوجية للمغاربة الفايسبوكيين. لمعرفة هذه الخصائص ركزت الدراسة على ثلاثة محاور، أولها معرفة المحددات السياقية والسوسيوديموغرافية لمستعملي فايسبوك وغيره عبر تحديد سن وجنس ومهنة ومستوى تعليم المستعملين، فضلا على محددات أخرى، وثانيها هو تحديد دوافع الاستعمال، مثل تزجية الوقت أو ربط علاقات عاطفية أو لأغراض اقتصادية أو غيرها، وثالث المحاور هو تفصيل طرق الاستعمال. خلصت الدراسة إلى أن 75 في المائة من المستجوَبين استعملوا مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من مرة واحدة، بينما أوضح 65 في المائة منهم أنهم يلجون هذه المواقع بغرض الإراحة الذهنية، بينما صرّح 50 في المائة من المُستجوَبين أنهم يتفحصون المواقع الاجتماعية عبر هواتفهم المحمولة، في حين اعترف 33 في المائة منهم أنهم يستعملون هذه المواقع للمعاكسة.. كشف ثلاثة أرباع الأشخاص الذين تم استجوابهم أنهم استعملوا فايسبوك وباقي المواقع الاجتماعية لفضح أو كشف شيء ما وقع، وهو ما يبرز أن فايسبوك صار أكثر وسيلة تواصلية فعالية لنشر الوقائع وكشفها. انطلاقا من هذه النتائج الأولية تم تقسيم مغاربة فايسبوك، وفق الدراسة، إلى أربعة أنواع، أولها الأشخاص الذين تحذوهم رغبات عاطفية وانفعالية والتواصليون، ثم المعبئون فالملاحظون. ويشمل النوع الأول الذين يستعملون هذه المواقع الاجتماعية بغرض التحدث إلى الغرباء والمعاكسة وربط علاقات جديدة وتمضية الوقت والبحث عن سند نفسي.. والتواصليون هم مستعملو هذه المواقع من أجل التواصل مع الآخرين، والمعبئون هم الذين يتخذون من المواقع الاجتماعية قنوات للتعبئة وحشد الأنصار للدفاع عن قضايا مُعيَّنة، في حين يبقى استعمال فئة الملاحظين لفايسبوك وغيره بغرض تتبع ما يُنشر به دون التفاعل الإيجابي والفعلي. وهكذا، بلغت نسبة المغاربة الذين يتخذون من فايسبوك وسيلة للتواصل 30.92 في المائة، أما الذين يتخذونه وسيلة لأغراض عاطفية فتقدر بنسبتهم ب25.87 في المائة، بينما يبلغ الذين يستعملونه للتعبئة 21.92 في المائة، في حين يمثل الملاحظون نسبة 21.27 في المائة. انطلاقا من هذه النتائج يظهر أن نسبة مهمة من المغاربة أضحوا يتخذون من فيسبوك والمواقع الاجتماعية التواصلية طرقا لقتل الوقت، بينما ما تزال نسبة الذين يتعاملون مع فايسبوك بشكل «جدي» متدنية نوعا ما. معاكسة وسياسة تدقق الدراسة أكثر في مميزات كل هذه الفئات، فالنسبة إلى الأشخاص الذين يتخذون فايسبوك وسيلة لربط العلاقات العاطفية أو المعاكسة أو تمضية الوقت فهم، في الغالب شبان، فأعمار 83.9 في المائة منهم تقل على 34 سنة. يتوزع هؤلاء على جميع مناطق المغرب، ولكنّ أغلبهم يوجدون في مراكش، بنسبة 30 في المائة، ثم الدارالبيضاء بنسبة 13 في المائة. وأغلب هؤلاء الذين يتعاملون مع فايسبوك على أنه طريقة للمعاكسة وما إلى ذلك هم تلاميذ وطلبة، بسنة 55.9 في المائة، يليهم المستخدمون والتجار ونسبة قليلة من النساء، على اعتبار أن نسبة 68.6 في المائة من هذه الفئة هم ذكور. تتخذ استعمالات فئة الملاحظين فايسبوك مظاهر عبثية، من قبيل اتخاذها وسائلَ للترفيه واللعب أو دخول بروفايلات الأصدقاء دون أن يحذوهم هدف ربط علاقات عاطفية واجتماعية أو اتخاذ فايسبوك وسيلة للنضال والدفاع عن المواقف والأفكار.. وأغلب أفراد هذه الفئة هم شباب يتحدرون من مناطق حضرية ومدن، نصفهم تلاميذ وطلبة ونصفهم الآخر أطر ومستخدمون. تستعمل فئة التواصليين، من جهتهم، فايسبوك من أجل ربط شبكات تواصلية مهنية، على أساس البحث عن فرص شغل أو توسيع علاقاتهم المهنية. ويأتي ربط العلاقات الاجتماعية في مرتبة ثانية، في حين يظهر هدف النضال في مرتبة ثالثة. وأغلب أفراد هذه الفئة هم شباب لهم مستوى تعليمي، بينهم نساء، ويُميّزهم أنهم غير مهتمين كثيرا بالالتزام سياسيا أو حزبيا. أما المغاربة الذين يستعملون فايسبوك لأغراض نضالية وبهدف التعبئة وفضح ممارسات غير قانونية والتعبير عن آراء ومواقف من النظام، فهم يرفضون أن يتخذوا من فايسبوك وسيلة لربط العلاقات مع غرباء. كما أن أغلبهم، وتحديدا نسبة 37 .4 في المائة منهم، تفوق أعمارهم 35 سنة، وهم في الغالب مستقرون مهنيا، على اعتبار أن 51 في المائة منهم هم أطر عليا، و28 في المائة منهم يتقاضون رواتب شهرية تفوق 6000 درهم. ويقيم أغلب الذين يستعملون فايسبوك والمواقع الاجتماعية من المغاربة بهدف النضال في كل من الدارالبيضاء، بنسبة 59.6 في المائة، والرباط -سلا بنسبة 54.5 في المائة، وهذا ما يمكن قراءته بكون محور العاصمتين الاقتصادية والإدارية ما زال يشكل أبرزَ منطقة جغرافية يهتم قاطنوها بالالتزام السياسي والمبدئي. واتهت الدراسة إلى خلاصة مفادها أن غالبية المغاربة الذين يتخذون فايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي وسائل للتعبئة يتحدرون من الطبقة المتوسطة، وهم يتخذون من الأنترنت مجالا لتوسيع فضاء نشاطهم العام، إما بسبب ضيق الوقت الذي يمكن أن يخصصوه للنضال الواقعي أو لأسباب أخرى. من خلال ذلك كله، يظهر أن أغلب المغاربة الذين يتعاملون مع فايسبوك بشكل جدي ينتمون إلى الفئة العمرية ما بين 35 و55 سنة، والذين تقل أعمارهم عن 35 سنة يتخذونه، في الغالب، وسيلة للتسلية وربط العلاقات. وهناك نتيجة أخرى تتمثل، حسب الدراسة، في أن أغلب الذين يعبئون سياسيا عبر فايسبوك هم رجال، أما النساء فيتخذنه وسائل للتواصل.
المغرب يتفوق على الجزائر عدديا في فايسبوك وينهزم واقعيا الدراسة سالفة الذكر، وإن كان الحديثة، فإنها ليست الوحيدة التي عرضت لواقع علاقة المغاربة بمواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة فايسبوك، فقد سبق أن صدرت إحصائيات دقيقة عن موقع كشف مركز «سوسيال بيكرز» الأمريكي للدراسات أن أعداد المغاربة الذين ينخرطون في خدمة فايسبوك تتضاعف سنويا، وهو ما يجعل المغرب رائدا على المستوى المغاربي في عدد مستعملي الموقع، بينما يحتل الرتبة ال37 عالميا من أصل 108 دول. كشفت إحصائيات هذا الموقع الأمريكي، أيضا، أن 62 في المائة من مستعملي فايسبوك في المغرب هم من الرجال، في حين تصل نسبة النساء اللواتي يرتدْن هذا الموقع الاجتماعي 38 في المائة. كما أوضحت المعطيات أن نسبة 42 في المائة من الفاسبوكيين المغاربة ينتمون إلى الفئة العمرية ما بين 18 و24 سنة، في حين تصل نسبة الفاسبوكيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 35 و44 سنة 7 في المائة، بينما لا تتجاوز أعمار المغاربة الذين يرتادون الفايسبوك ما بين 45 و54 سنة حوالي 3 في المائة. ويجعل واقع احتلال المغرب الرتبة الأولى ضمن الدول المغاربية من حيث الولوج إلى موقع فايسبوك، متبوعا بتونس، التي يصل عدد المنخرطين فيها في خدمة فايسبوك ما مجموعه مليونان و799 ألفا و260 شخصا، وهو رقم مشابه للرقم المسجل في الجزائر، رغم ارتفاع عدد سكان هذا البلد مقارنة بين المغرب وتونس، في حين تحتل موريتانيا الرتبة ال146 عالميا (يجعل) المغرب متفوقا على جيرانه من حيث الحضور داخل الساحة النضالية الافتراضية. إلا أن هذا المعطى العددي يتبدد عندما تظهر حقيقة أن الجزائريين الذين يدافعون عن الأطروحات الانفصالية وأنصار البوليساريو في المغرب، ينشطون على الأنترنت عامة وفي فايسبوك بشكل خاص بشكل لافت يجعل الحضور العددي المغربي، كميا فقط وليس نوعيا، وهو أمر راجع، كما أسلفنا، إلى خصوصية علاقة المغاربة مع فايسبوك والمواقع الاجتماعية، على اعتبار أن أغلب المغاربة لا ينظرون إلى فايسبوك إلا باعتباره وسيلة لتضييع الوقت والمعاكسة وتحديد المواعيد الغرامية.