سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنبركة: قيادة الاتحاد استعملت قضية المهدي كورقة سياسية في مفاوضاتها مع النظام قال إن مبعوث جمال عبد الناصر والسفير الجزائري حلا بمنزلهم في القاهرة بعد اختطاف والده
يحكي البشير، نجل المهدي بنبركة، أكبر معارضي نظام الحسن الثاني الذي تم اختطافه واغتياله سنة 1965، في اعترافاته ل«المساء»، عن تفاصيل حياة والده ونضاله ضد الاستعمار ومشاركته في اتفاقية «إيكس ليبان» قبل أن يعود ليقول إن هذه الاتفاقية كانت خطأ. كما يروي البشير تفاصيل أخرى حول المسؤوليات التي تقلدها والده بعد الاستقلال، وحول اختلافه مع تلميذه الحسن الثاني، وحول موقفه المساند للجزائر ضد المغرب في حرب الرمال، وكيف أصبحت عائلة المهدي تحمل جوازات سفر جزائرية وتقيم في مصر؛ كما يرد البشير بنبركة على اتهام والده باغتيال عباس المسعدي، ويتوقف طويلا عند واقعة الاختطاف بفرنسا، ويرد على تهمة «التخابر» مع المخابرات الإسرائيلية والتشيكوسلوفاكية الموجهة إلى والده، وكيف قررت أسرة المهدي بنبركة العودة إلى المغرب بعد وفاة الحسن الثاني، وكيف حز في نفس والدته ألا يستقبلها الوزير الأول حينها، عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان صديقا للعائلة وكان يقيم في بيتها كلما حل بمصر، وكيف «تُماطل» الدولة المغربية ممثلة في حكوماتها، وضمنها وزيران للعدل من حزب الاتحاد الاشتراكي، هما الراحل محمد بوزوبع وعبد الواحد الراضي، في الكشف عن حقيقة قضية المهدي بنبركة. - عندما كان عمرك 15 سنة تناهى إلى علمكم، وأنت تقيم رفقة والدتك وإخوتك في القاهرة، خبر اختطاف والدك المهدي بنبركة؛ كيف تفاعلتم مع هذا الحدث بداية؟ كان وقع الخبر قاسيا علينا من كل الجوانب، كما أثار فينا قلقا كبيرا، وكان همنا الأول هو معرفة مصير المهدي وما إذا كانت التحريات اللازمة قائمة للعثور عليه. طبعا، كنا نعاني كل هذا ونحن بعيدون في القاهرة. - ما هو أول إجراء قمتم به كعائلة؟ كانت تصعب علينا مباشرة الإجراءات ونحن في مصر. ولا أغفل هنا أن أذكر أن عمي عبد القادر كان يوجد حينها في باريس. - هل كان قد غادر ألمانيا من أجل الإقامة في باريس؟ نعم، ثم إن عمي عبد القادر كان على موعد مع المهدي في باريس مساء ذلك اليوم، 29 أكتوبر 1965، لذلك فهو الذي باشر الإجراءات القضائية الأولية، حيث تقدم بالشكاية والدعوى الأولى وقام بأولى التحريات وأولى الاتصالات السياسية لدى الأصدقاء الفرنسيين لكي يساهموا، بالضغط على النظام الفرنسي، في التعجيل بالبحث عن المهدي والتحري حول اختفائه. - ما الذي قام به نظام جمال عبد الناصر في هذه القضية اعتبارا لكونكم، أنت ووالدتك وإخوتك، كنتم مقيمين حينها في مصر؟ قدم إلينا المساعدة وضاعف تعاطفه معنا. والنظام المصري، سواء في زمن جمال عبد الناصر أو أنور السادات، كان دائما إلى جانب العائلة وكان تعامله معنا مطبوعا بالاحترام، وقد بقينا نحظى بذلك التعامل المتميز الذي قوامه الاحترام والتعاطف إلى أن غادرت والدتي القاهرة في صيف 1979. - هل اتصل بكم جمال عبد الناصر؟ نعم، عن طريق مستشاريه. - من اتصل بكم أيضا من ممثلي الدول التي كان المهدي بنبركة على علاقة بها؟ اتصل بنا مبعوث رئاسة الجمهورية المصرية، وأيضا السفير الجزائري في مصر لخضر الإبراهيمي، الذي كان صديق العائلة، وعدد من رجالات السياسة المصريين. - هل حملوا، منذ البداية، مسؤولية اختطاف المهدي للنظام المغربي؟ كان ذلك طرحا لا شك فيه لدى الجميع منذ البداية، فالكل كان يجمع على أن المسؤولية الأساسية عن الجريمة يتحملها النظام المغربي. لكن بعد 20 و30 و40 سنة أصبحنا نستغرب وجود محاولات لتبرئة النظام المغربي سياسيا من الجريمة، وهذا شبيه بمحاولة تناسي سنوات الرصاص. - كيف يتم، في نظرك، طمس تورط ومسؤولية النظام المغربي في دم المهدي بنبركة؟ هناك الآن، للأسف، أطروحة رائجة في الأوساط السياسية المغربية تقول إن مسؤولية اختطاف واغتيال المهدي محصورة في أوفقير والدليمي، مع أن القرار السياسي لا يمكن أن يكون قد اتخذ على مستوى أقل من مستوى القصر، أي على مستوى الملك، لأن تصفية المهدي هي تصفية سياسية مادام الغرض كان هو إيقاف نشاطه السياسي بأي شكل من الأشكال، وهذا التعبير ورد في التقرير الذي قدمه أنطوان لوبيز، رجل المخابرات الفرنسية الذي حل بالمغرب بين أبريل وماي 1965، وفي تقريره ذاك يقول إن السلطات المغربية تريد وضع حد لنشاط المهدي بنبركة بطرق غير أرثوذوكسية «Méthodes non-orthodoxes»، أي بطرق غير قانونية، والطرق غير الأرثوذوكسية التي كانت تعمل بها الأجهزة الأمنية في المغرب هي إما الاختطاف وإما الاغتيال. - لكن القول بأن مسؤولية اختطاف واغتيال المهدي بنبركة لا ترقى إلى الحسن الثاني هي أطروحة لم يقل بها خصوم المهدي بنبركة لوحدهم، بل يروج لها حتى رفاق المهدي بنبركة؟ من المؤسف أن قيادة الاتحاد الاشتراكي استعملت، في بعض الأحيان، قضية المهدي كورقة سياسية في مفاوضاتها مع النظام وفي غير ذلك، وهكذا وحسب الأجواء السائدة بين الاتحاد الاشتراكي والنظام المغربي، إما أنه يتم إخراج قضية المهدي بطريقة ساخنة أو يتم التكتم عليها ونسبها إلى المنفذيْن (أوفقير والدليمي) بدل تحديد المسؤولية السياسية التي تصل إلى القصر الملكي. - بما أن الاتحاديين يعتبرون المهدي إرثهم النضالي وشهيدهم، أليس من حقهم الضغط به لتقوية حزبهم؟ لا يمكن أن تصبح قضية المهدي ورقة سياسية، لأن المهدي ابن الشعب المغربي ككل، وإرث الشعب المغربي ككل. طبعا، الاتحاد الاشتراكي يعتبر نفسه امتدادا للاتحاد الوطني ويتبنى ضحايا وشهداء تلك التجربة، ولكن المطلوب منه في هذه الحالة هو، على الأقل، ألا يحور فكر تلك الرموز، وألا يستغل أحد أهم تلك الرموز، وأقصد المهدي، في مفاوضاته مع النظام. وهذا ما آخذنا عليه قيادة الاتحاد الاشتراكي عدة مرات. - بعد اختطاف المهدي بنبركة قامت ضجة في فرنسا قادها، رأسا، شارل دوغول، الرئيس الفرنسي حينها، وتم اعتقال متورطين في القضية؛ ما الذي حصل حتى تحول الموقف الفرنسي نحو اعتبار القضية قضية سيادة يتوجب التكتم حولها؟ الأمر معقد أكثر من هذا.. الرئيس دوغول وجد نفسه أمام الأمر الواقع. ونحن على قناعة تامة بأنه لم يكن على علم مسبق بالتحضير لعملية اختطاف المهدي ولا بالمؤامرة التي كانت تدبر، لكن المخابرات كانت على علم، وكذلك أطراف من الأمن الفرنسي. - هل تقصد أفرادا من الاستخبارات الفرنسية أو رئيس جهاز المخابرات؟ هذا ما يجب أن يظهره البحث القضائي الذي علمنا من خلاله ومن خلال تقارير أنطوان لوبيز أن الأخير -الذي كان هو عين المخابرات الفرنسية في مطار أورلي، باعتباره مدير محطة (chef d escale) الخطوط الجوية الفرنسية للطيران في المطار المذكور، وكان على علم بكل ما يدخل إلى المطار ويخرج منه، كما كان هو صلة الوصل بين المخابرات الفرنسية ونظيرتها المغربية والشرطة الفرنسية- كان يتمنى أن يتقلد ذات المهمة التي يتقلدها في مطار أورلي (chef d escale) في الخطوط الجوية الملكية بالرباط، لذلك كان يتقرب كثيرا من الجنرال أوفقير لكي يتوسط لفائدته من أجل تحمل هذه المهمة، وكمقابل لذلك كان لوبيز يقدم خدمات. وهذه أشياء عرفت من خلال محاكمتي لوبيز الأولى والثانية ومن خلال التقارير التي كان يرفعها إلى المسؤولين عن قسم شمال إفريقيا في جهاز المخابرات الفرنسي، ما بين شهري ماي 1965 وشتنبر 1965، تاريخ آخر تقرير رفعه لوبيز إلى مسؤوليه في جهاز الاستخبارات؛ وهي تقارير أكد فيها أنطوان لوبيز تحضير أجهزة الأمن المغربي لعملية الاختطاف، لذلك يمكن القول إن المسؤولين عن قسم شمال إفريقيا بجهاز المخابرات الفرنسي، على الأقل، كانوا على علم بالتحضيرات الجارية لاختطاف المهدي.