جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    «كوب-29».. الموافقة على «ما لا يقل» عن 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    نظام العالم الآخر بين الصدمة والتكرار الخاطئ.. المغرب اليوم يقف أكثر قوة ووحدة من أي وقت مضى    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    حارس اتحاد طنجة الشاب ريان أزواغ يتلقى دعما نفسيا بعد مباراة الديربي    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    افتتاح 5 مراكز صحية بجهة الداخلة    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليازغي: خططت مع بعض الاتحاديين للانتقام من أوفقير والدليمي بعد اختطاف بنبركة
المغرب الرسمي لم يتعاون مع القضاء الفرنسي في قضية الاختطاف والبخاري رفض قول الحقيقة
نشر في المساء يوم 19 - 08 - 2011

تعود حكاية هذه الصفحات إلى سنوات طويلة، ليس التفكير فيها، بل تسجيلها، حيث كنت طرحت على الأستاذ محمد اليازغي في ربيع 1997،
أثناء وجودنا في مدينة ورزازات، مقترح أن يكتب مذكراته لما ستكون لها من قيمة سياسية وتاريخية، دون أن تكون هناك ضرورة لنشرها، ووافقني، لكن انشغالاته في مهامه الحزبية، ثم في مهامه الوزارية بعد مارس 1998، جعل الفكرة تغيب عن أحاديثنا.
في صيف 2003، أعدت طرح الفكرة عليه وأثناء مناقشتها، بدت لنا صعوبة أن يخصص يوميا وقتا لكتابة هذه المذكرات، فجاءت فكرة أن أسجل له، ليس مذكرات، بالمعنى المتعارَف عليه، بل تسجيل مساره كإنسان، على شكل حوار صحافي مطول، وهكذا كان. وسجلنا ما يقارب عشر ساعات، لكن النتيجة كانت فشلا، لأن جوابه عن كل سؤال كان جوابا عن كل شيء إلا عن شخصه ودوره وموقفه. كانت الساعات التي سجلتها، ليس عن محمد اليازغي بل تأريخا للمغرب وللحزب الذي انتمى إليه، إن كان من أجل الاستقلال أو من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنه ولشعبه، وخلصت، مع أن خلاصتي لم تنل رضاه، إلى أن تجربة التسجيل غير موفقة أو على الأقل ليست كما تصورتها، وقبِل معي أن نعيد التسجيل، لكن بعيد ذلك، في نونبر 2003، انتخب كاتبا أول للحزب، فتأجل كل شيء. وفي صيف 2009، قررنا أن نعيد التجربة، فكانت هذه النتيجة، التي أستطيع القول إنني لم أنجح فيها، على الأقل بالنسبة إلي، في أن «أحفزه» على الخروج, بشكل كامل أو كبير نسبيا، من العامّ نحو الخاص الذي كان يتدفق منه خارج التسجيل في لقاءات ثنائية أو عائلية أو مع مجموعة من الأصدقاء، بل أكثر من ذلك كان التدفق أحيانا بعيد إنهائنا التسجيل، حيث كان، عدة مرات، يتحدث همسا أو يطلب إيقاف التسجيل ليشرح أو يُفصّل أو يروي. هذه الصفحات، ليست كل ما سجل، إذ كثيرا ما تذكرنا أحداثا ووقائع أثناء تفريغ الأشرطة أو التصحيح والمراجعة فأضفناها. هذه الصفحات، إذا لم تكن مذكرات، فإنها، وبالتأكيد، ستكون مرجعية لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي المغربي الحديث، لأنها ليست صفحات مراقب أو شاهد، بل هي صفحات فاعل ومؤثر، لعب دورا متميزا في مسيرة وطنه وحزبه.
- كيف كان الموقف الرسمي الفرنسي من قضية اختطاف بنبركة?
على صعيد الدولة الفرنسية، كان ديغول يعتبر ما فعلته المخابرات المغربية فوق الأرض الفرنسية إهانة لفرنسا واعتداء على سيادتها، بعد أن تأكد الدور المباشر للجنرال أوفقير في الإعداد والتخطيط والتنفيذ للعملية، لذلك عبر ديغول، في رسالته إلى والدة المهدي التي بعثت إليه ببرقية تطلب فيها الحقيقة حول اختطاف ابنها، عن التزامه بأن تأخذ العدالة مجراها الطبيعي وتقول كلمتها في القضية. وستجري المحاكمة فيما بعد ويقدم فيها إلى القضاء كل من لوبيز وبيرنيه وسوشون وفواتو، أما فيكون الذي أطلق تصريحات حول دوره في العملية فقد وجد مقتولا. في حين أن أفراد العصابة فروا إلى المغرب، وبقوا تحت حماية أوفقير، ممنوعين من الخروج من مخبئهم حتى 1972 حيث وقعت تصفيتهم بعد محاولة الانقلاب لغشت 1972. والغريب أن الحكومة الفرنسية لم تطالب، في أي وقت من الأوقات، بتسلمهم.
وعند تحقيقات الكوميسير بوفي Bouvier والقاضي زولنجر Zolinjer وتحرياتهما، وجدا الأبواب موصدة في وجهيهما. وفي مسار معاكس لما التزم به الجنرال ديغول، لم يجد المحققان أية وثيقة أو دليل ملموس أو شهادة حول اغتيال المهدي بن بركة، والاتهامات التي وجهت كانت تتعلق في مجملها بالاختطاف والاعتقال التعسفي، ولم يوجه الاتهام بالاغتيال إلا في سنة 1975. وكانت الأحكام التي صدرت سنة 1967 مخففة قياسا مع طبيعة الجريمة التي ارتكبت، حيث كان أقصى حكم هو ذاك الذي صدر في حق أنطوان لوبيز, حيث حكم عليه ب8 سنوات سجنا، فيما قضي في حق لوي سوشون وفواتو ب6 سنوات سجنا، أما الجنرال أوفقير وكل الفارين فقد تم الحكم عليهم غيابيا بالسجن المؤبد، وسيذهب الكولونيل الدليمي لتسليم نفسه في مناورة محبوكة مع السلطات الفرنسية ستنتهي بتبرئة ساحته من قبل المحكمة.
لكن أثناء المحاكمة، تأكد أن المغرب هو صاحب العملية وأن الجنرال أوفقير هو المسؤول الأول عن تدبيرها وأن ميلود التونزي ومحمد العشعاشي وبوبكر الحسوني كانوا هم الأيادي التي كلفت بالتنفيذ المباشر، مراقبة ومتابعة، بالإضافة إلى الماحي الذي كان مسجلا كطالب في باريس وكان تابعا لديوان أوفقير. لكن الأخير اعتمد، بالإضافة إلى ذوي السوابق من العصابة، على دعم المخابرات الفرنسية والشرطة في باريس وتواطؤ وزير الداخلية الفرنسي.
ولم يتعاون المغرب الرسمي مع القضاء الفرنسي، إذ رفض تسليم الأشخاص الذين وجه إليهم القضاء الفرنسي الاتهام، كما لم تقم الدولة المغربية بمطالبة السلطات الفرنسية بتوضيح مصير المهدي بن بركة، ولم يتم تبني أي موقف في اتجاه الكشف عن حقيقة ما حدث رغم أن الضحية مواطن مغربي، بل من رجال الوطنية الكبار من موقعي وثيقة المطالبة بالاستقلال وأحد صانعيه، وكذلك من بناة الدولة الحديثة ورئيس أول سلطة تشريعية في البلاد (المجلس الوطني الاستشاري).
وبقي المغرب الرسمي ممتنعا عن التعاون مع السلطات القضائية الفرنسية إلى أن جاءت حكومة التناوب (1998)، حيث قبل وزير العدل الاتحادي محمد بزوبع لأول مرة الإنابة القضائية، واستنطق قاضي التحقيق الفرنسي كلا من البوخاري والتونزي والعشعاشي، لكن هؤلاء امتنعوا عن قول الحقيقة للقاضي. ولما جاءت الإنابة القضائية من طرف القاضي الذي خلف الأول، حصل إرباك في كيفية إنجاز هذا التحقيق والأشخاص المعنيين به، وسيصدر القاضي الفرنسي بعد ذلك أمرا دوليا باعتقال الجنرال حسني بن سليمان، قائد الدرك الملكي، والجنرال عبد الحق القادري، المدير السابق ل«لاجيد»، لكن النيابة العامة ووزارة العدل الفرنسية لم تعط موافقتها، وبذلك عطل القاضي عمليا المسطرة التي كانت وجدت طريقها إلى تعاون مغربي فرنسي في اتجاه إظهار الحقيقة.
- كيف علمت، شخصيا، باختطاف المهدي؟
كما قلت سابقا، فقد علمنا بالموضوع بداية عن طريق زوجة الأزموري التي اتصلت بزوجة عبد الواحد الراضي، بحكم علاقة الصداقة التي تجمع بينهما، ليقوم الراضي بعدها بإخباري ثم بإخبار عبد الرحيم بوعبيد بالعملية كما شاهدها التهامي الأزموري. وفي هذا الوقت، اتصلت بمحمد الطاهري في باريس والذي كان يمثل الاتحاد هناك وسبق له أن كان مديرا لديوان عبد الرحيم بوعبيد عندما كان وزيرا للاقتصاد والمالية، كما كان مستشارا في الجزائر لبن بلا في القضايا الاقتصادية، وبعد الانقلاب على بن بلا سيذهب إلى فرنسا ليعود إلى المغرب لاحقا، قبل محاولة انقلاب الصخيرات 1971 ببضعة شهور، وكان الحسن الثاني قد عينه وزيرا للتجارة.
وجدت لدى محمد الطاهري الخبر، وكان قد علم بالموضوع لأن الأزموري اتصل به بعد اتصال زوجته بزوجة عبد الواحد الراضي، وهو من أخبرنا بأنه أجرى اتصالات مع وزارتي الداخلية والخارجية الفرنسيتين، وقال إنه لا علم لهما بالعملية وإن الشرطة الرسمية الفرنسية ليست طرفا فيها، وهو ما أصابنا بصدمة كبيرة وخوف على المهدي بن بركة من مصير درامي.
اتصلت بالحبيب سيناصر، حيث كنا سويا في باريس سنوات 1964 - 1965. وكان سيناصر قد أخبرني قبل الاختطاف بأن رجال المخابرات المغربية موجودون بكثافة في باريس لمتابعة المهدي والمناضلين الاتحاديين، وهو ما جعلني أتصل بالمهدي لألح عليه في عدم القدوم إلى باريس. لكن رغم أن المهدي كان قد وعدنا بعدم القدوم إلى باريس، فإنه كان يأتي دون أن يخبرنا بذلك. واتصلت كذلك بعبد القادر بن بركة، شقيق المهدي، فوجدته على علم باعتقال أو اختفاء أخيه، كما علمت بأنه بدأ إجراءات التقصي لدى ولاية الأمن في باريس.
وطلبت من الحبيب سيناصر، وهو من وجدة، العمل على جمع معلومات عن رجال المخابرات المغربية الذين شوهدوا في باريس، وذلك بحكم أن أغلب كبار رجال المخابرات، مثل الأخوين العشعاشي، كانوا معه في نفس المدرسة. وبعد أن ظهرت عناصر جديدة في الملف، أصبحت مهمتنا هي جمع المزيد من المعطيات. والتحرك كان يطرح علينا سؤال كيفية تزويد الرأي العام بالمعطيات والتطورات، حيث إن صحافة الحزب كانت قد أصبحت عمليا محظورة من خلال منعها اليومي، فمنذ اختطاف المهدي وصحف الحزب (اليومية، المحرر، الأسبوعية، ليبراسيون) تتعرض للحجز، وبالتالي فقد ظهر أن الحكم المغربي يحرص على ألا يتم نهائيا الإخبار بعملية اختطاف المهدي بن بركة وتوابعها. وكان قد عُهد إليّ شخصيا بإخبار الرأي العام، فجمعت فريق عمل يتكون من سعد الشرقاوي الطالب آنذاك في كلية العلوم والسرغيني الطالب في كلية الحقوق والذي سيصبح كاتب الدولة في الداخلية مع إدريس البصري، وأعددنا مشروعا سريا بإصدار نشرة إخبارية يومية تعوض «المحرر» و«ليبراسيون»، وكنا نطبعها على الرونيو عند سعد الشرقاوي وتوزع في سرية تامة يدا بيد على كل الفروع.
وكانت أجهزة الحكم قد أطلقت حملة دعائية ضد المهدي، بعد اختطافه، كلها إشاعات كاذبة وتزييف، من قبيل أن القضية لها علاقة بالمخدرات أو أن المهدي قام بهذه المسرحية من أجل الظهور من جديد على المسرح السياسي، ويريد العودة كبطل لأنه نُسي ولم يبق له حضور في الساحة الوطنية. ومع الأسف الشديد, فقد شاركت قيادة الاتحاد المغربي للشغل في ترويج تلك الإشاعات المغرضة في حق بن بركة..
وكان من شأن النشرة أن جعلتنا على تواصل بالرأي العام المغربي، وأصبح لها دور أساسي في إخباره بتطورات القضية، خاصة مع بدء المحاكمات، لأن السلطات المغربية منعت دخول الصحف الفرنسية (لموند، لوفيغارو، ليبراسيون).
وكانت النشرة، التي بدأنا توزيعها على الصحف والأحزاب بالإضافة إلى مناضلي الحزب والمواطنين، تتضمن تفاصيل كل ما يتعلق بالقضية وما تنشره الصحف الأجنبية.
وقد كان لدي في البداية أمل في أن يظهر المهدي بن بركة، وأن يكون ما جرى هو مجرد اختطاف ومحاولة من الحكم للمساومة أو التفاوض تحت الضغط، لكن مع انطلاق أولى المحاكمات (1966) سيظهر أن المسألة أخطر من ذلك بكثير، وأن المهدي قد اغتيل، وإن لم تظهر حتى الآن وبشكل رسمي أي تفاصيل حول الاغتيال ومصير الجثمان، كما قلت، حتى من طرف السلطات الفرنسية المعنية، سواء منها السياسية أو الأمنية، رغم مرور عقود على وقوع الجريمة.
كان الجانب الإعلامي أساسيا في تحركنا بسبب غياب الصحافة وبسبب الدعاية المسمومة التي كان يبثها الحكم في الوقت الذي واصل فيه الإعلام الرسمي والمسؤولون الرسميون صمتهم عن الجريمة، وكأن شيئا لم يقع، وأيضا بسبب سلبية الأحزاب في تعاطيها مع الجريمة، سواء بصمتها أو بعدم اتخاذها أي موقف إيجابي يحسب لها، بل إن أطرافا في قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، التي انتخبها مؤتمر 1962 في إطار القيادة المزدوجة، تبنت موقف الصمت، فالمحجوب بن الصديق وعبد الله إبراهيم ومحمد عبد الرزاق كانوا قد جمدوا عملهم في قيادة الحزب ولن يعودوا إلى مواصلته إلا بعد أن فتح الحسن الثاني الحوار مع قيادات الاتحاد بعد أحداث مارس 1965: مع المهدي في فرانكفورت ومع عبد الرحيم بوعبيد في الرباط. وعندما اختطف بن بركة، جمدوا عضويتهم مرة ثانية، وأصبح عبد الرحيم بوعبيد عمليا هو المسؤول الوحيد الحاضر من قيادة الاتحاد، وظللنا نساعده أنا وعمر بن جلون وإن كان عمر عضوا في اللجنة الإدارية وأنا عضوا في المجلس الوطني، لكننا لم نكن أعضاء في الكتابة العامة، أي قيادة الحزب التنفيذية. وأصبح الحزب، بالإضافة إلى الصدمة الكبرى التي أصيب بها الاتحاديون من جراء اختطاف المهدي، بدون قيادة. وأصبح عندي هاجس وخشية من أن تنطبق على الاتحاد المقولة المعروفة في التاريخ والتي مفادها أن أي منظمة أو حزب سياسي أو أي قوى إنسانية يقتل زعيمها لا يمكن أن تستمر بل إنها تموت بموته.. اقتنعت بأن الاتحاد يجب، على العكس من ذلك، أن يستمر حتى وإن استشهد أو غاب قائده وزعيمه.
وعلى هذا الأساس، اشتغلت من الناحية الإعلامية ومن الناحية الحزبية حتى لا يؤدي جمود القيادة إلى جمود الحزب، وبالتالي إلى موته. وتعبأت أنا وعمر بن جلون كي يستمر الحزب، وكان معي ومع عمر إخوان كثر لم يكونوا في السجن، منهم مصطفى القرشاوي ومحمد آيت قدور ومحمد لخصاصي والحبيب سيناصر والعربي الشتوكي والحبيب الشرقاوي ومحمد الحيحي وعبد الرحمان بنعمرو ومحمد الحلوي ومحمد المتوكل ومحمد الوثيق، وغيرهم من المناضلين.
كان تحركنا من خلال ربط علاقات مباشرة مع الكتابات الإقليمية للحزب والفروع ومع الطلبة والشباب الاتحادي والقطاع النسائي رغم الظروف الصعبة والانشغالات الكثيرة وجو الخوف والرعب الذي خيّم على البلاد. وكان لعلاقات عمر بن جلون بأطر وقواعد المركزية النقابية دور متميز في تعبئة وتنوير الرأي العام.
وقد أصيبت القاعدة الحزبية بالذهول وسيطر جو من الرعب على المواطنين وساد شعور بالقلق لدى المناضلين بعد أن كشف اختطاف المهدي بن بركة أن النظام أصبح نظاما استبداديا بالمطلق ونظاما بوليسيا بالمطلق، وهذا ما كان من شأنه أن عرقل عمل المناضلين وحركتهم وتأثيرهم في المجتمع. لكن رغم ذلك، أظهرت المناسبة أن بين الاتحاديين عدد كبير من المؤمنين الصامدين. وبالنسبة إلى المتعاطفين والمجتمع، فقد أصبحت هناك صعوبة في إسماع موقف معلن يتبنى الدفاع عن الاتحاد، بالإضافة إلى أننا كنا محاصرين في أغلب الأقاليم وكان عدد من المقرات قد طوق برجال الشرطة العلنية والسرية أو أغلق تماما، وبالتالي فقد كان هناك صراع خفي بيننا وبين الحكم، ليس فقط كجهاز بوليسي يقوم بما يقوم به ضد الاتحاد، بل حتى كآلة دعائية مسمومة من الناحية السياسية ضد الاتحاد، إضافة إلى أن مواقف قيادة جهاز الاتحاد المغربي للشغل كانت، موضوعيا، منسجمة مع مواقف الحكم.
وهناك جانب آخر اهتممت به ويتجسد في البحث مع الحبيب سيناصر عن دور أفراد المخابرات المغربية في باريس واحدا واحدا، وأين هي آنذاك، كما انشغلنا بجمع معلومات عن العناصر الفرنسية المتورطة في العملية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، خصوصا بيرنيه، حيث بحثنا في ماضيه، ووجدت أنه أدى خدمته العسكرية في المغرب سنة 1955، وعمل بعد ذلك في الإذاعة المغربية، وهكذا ربط علاقات مع المهدي بن بركة وهو رئيس المجلس الوطني الاستشاري، وكانت له علاقات بقادة جبهة التحرير الجزائرية، وسيعمل بعد ذلك مع عبد الرحمن فارس الذي كان رئيس السلطة المؤقتة في الجزائر بعد الاستفتاء.
ولما ظهرت أسماء القتلة الفرنسيين وعرفنا أنهم في المغرب، تحت حماية أفقير، واكتشفنا فيلات في السويسي يرتادونها ويترددون عليها، درسنا إمكانية الانتقام منهم، وهي الفكرة التي كانت قد راودتني وبعض الإخوة، لكننا لم نتوفق في ذلك.
وقد كان من الطبيعي أن نفكر ونخطط، أنا وبعض الإخوان، للانتقام من مدبري العملية، خصوصا أوفقير والدليمي، لكننا اقتنعنا في النهاية بأن غياب هؤلاء قد يريح النظام منهم وتضيع خيوط وملابسات القضية في المغرب. وكان قد ظهر أيضا، بعد البحث والتدقيق، أن تنفيذ عمل انتقامي هو عملية صعبة للغاية لأن حراسة مشددة كانت قد ضربت على العناصر القيادية في الاتحاد والمناضلين وتحركاتهم من قبل كل أجهزة الشرطة والأمن والمخابرات.
وعلى الصعيد الشخصي، ومنذ اليوم الأول لاختطاف المهدي بن بركة، كانت سيارة شرطة تقف في ناصية الشارع الذي يوجد به البيت الذي كنت أسكن فيه، وتصاحبني أينما حللت وارتحلت، وهو الأمر الذي سيستمر إلى غاية السبعينيات، بل حتى أثناء تشييع جنازة والدي في مارس 1970 وخلال أيام العزاء كان رجال المخابرات معنا، في المقبرة كما في المنزل، واضطر رجال الشرطة المكلفون بمراقبتي إلى طرق باب المنزل من أجل أداء واجب العزاء بعد منتصف الليل من يوم دفن الوالد.
وقد علمت من خلال البحث الذي كنا نجريه في الرباط بأن لوبيز اتصل يوم الاختطاف، من باريس، بأوفقير الذي كان نازلا في فندق القصر الجامعي في فاس، وحصلنا، عن طريق مناضلين يعملون في الفندق، على بطاقة الاتصال الذي أجراه أوفقير من الفندق ورقم الهاتف المتصل من باريس وهو 103 مانسي (Mency)، لأن الاتصالات التلفونية في تلك الفترة كانت تتم عن طريق مركز البريد، وليس مباشرة، وهو الرقم الذي سيدلي به محامي عائلة بن بركة أمام المحكمة، بالإضافة إلى رقم هاتفي هنا في المغرب اتصل به الخاطفون من باريس، وعرفنا أنه رقم ميلود التونزي الذي كان يسكن بشقة في ساحة الجولان.
وقد كنت على اتصال بالمحامي ميشيل بروكيجيي (Brugier) الذي قضيت فترة التدريب في مكتبه، وهو أحد أعضاء هيئة محامي عائلة المهدي، وكنت في ذلك الوقت لا زلت مسجلا بمحكمة الاستئناف في باريس، كما كنت على اتصال أيضا بالأستاذ بوتان، المحامي الفرنسي المسجل في المغرب والذي نصب للدفاع عن عائلة المهدي في المحاكمة الثانية.
وكنت أزود بروكجيي بكل ما أحصل عليه من معلومات وما يمكن أن يساعد هيئة المحامين، وذلك من خلال اتصال هاتفي واحد على الأقل كل أسبوع، بالإضافة إلى الرسائل، في محاولة لتزويده من هنا (من المغرب) بمعطيات ملموسة عن دور «الكاب1» في اختطاف المهدي بن بركة وعن ملابسات العلاقة بين المهدي والحسن الثاني منذ الاستقلال.
وقد كلف الحزب عبد الرحمن اليوسفي بمتابعة القضية أمام المحكمة في باريس والسهر على الحضور الاتحادي لإظهار الحقيقة حول اختطاف واغتيال بن بركة. وكان عبد الرحيم بوعبيد يأمل عودة اليوسفي إلى المغرب بمجرد نهاية المحاكمة، لكنه فضل البقاء في الخارج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة